صوت مطرقة “الخراز” يخفت في تازناخت.. حرفة تلفظ أنفاسها في مواجهة “أحذية الشينوا”
في قلب مدينة تازناخت، المعروفة عالميا بسجادها الأصيل، تتوارى حكايات أخرى لمهن وحرف تقليدية تناضل بصمت من أجل البقاء، ومن بين هذه الحكايات، تبرز قصة “الخراز”، صانع الأحذية التقليدي، الذي يجد نفسه في مواجهة شرسة مع منتجات المصانع الكبرى والموضة العابرة، ليصبح مجرد ذكرى مهددة بالانقراض في زمن السرعة والإنتاج الكمي.
داخل دكانه الصغير، حيث تتراكم قطع الجلود والأدوات العتيقة، يقضي الحرفي الحسين علا ساعات طويلة، منحنيا على طاولة العمل، يستعمل يده الماهرة في قص وتطريز وحياكة الجلد ليحولها إلى تحف فنية تُعرف باسم الأحذية التقليدية بشتى أنواعها وأشكالها، إنها ليست مجرد أحذية، بل هي جزء من هوية المنطقة وتراثها الذي يعكس دقة الصنعة والذوق المغربي الأصيل.
يروي الحسين علا لجريدة “العمق”، وهو يمسك بمطرقة صغيرة، قصة مهنته التي كانت بالأمس القريب عمودا اقتصاديا للمنطقة، ويقول: المهنة ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، تعلمنا فيها الصبر والدقة، كل غرزة هنا تحكي قصة، وتتميز عن الأخرى، موضحا أن والده بدأها عام 1974، ودخل هو نفسه إليها عام 1984، مؤكدا على أنها كانت مهنة شريفة وتعتبر مصدر عيش جل أصحاب المنطقة انذاك.

وأضاف المتحدث أن المشهد اليوم مختلف، فبينما كانت أداة الخراز تخيط تاريخا من الجودة والمتانة، أصبحت اليوم تصارع الزمن أمام زحف الصناعات الكبرى، والمنتجات المستوردة والجاهزة (أحذية الصين)، الأحذية الصناعية الرخيصة التي تغمر الأسواق، والتي يختارها المستهلكون أحيانا بسبب انخفاض ثمنها، حتى لو كانت أقل جودة.
ولعل التحدي الأكبر يكمن في عزوف الشباب عن تعلم هذه الحرفة، فالمهنة تتطلب وقتا وجهدا وصبرا كبيرا، بينما يميل الجيل الجديد إلى المهن العصرية ذات المردود السريع والأسهل.
وأشار الخراز إلى أن عددهم يتناقص بشكل مستمر، وأن قلة قليلة فقط تقتنع بالالتحاق بورشاتهم، ويؤكد أن هذه المأساة المهنية قائلا: “إثنين بجواره قاموا بإغلاق المحل وتغيير المهنة والتخلي عن هذه الحرفة التي لم تعد تستطيع الصمود”، مما دفعهم للبحث عن مصادر رزق أخرى، وينذر بزوال هذه الصنعة التقليدية مع رحيل جيل الحرفيين الحالي، إلى ذلك شحّ المواد الأولية الجيدة وارتفاع أسعارها، خاصة الجلود الطبيعية.

ويؤكد علا الحسين، وهو يتحدث بمرارة، أن الواقع لا يترك له خيارات أخرى: “أنا كبير في السن، وليس لي حول ولا قوة. هذه المهنة هي مصدر رزقي الوحيد، ولا يمكن لأحد أن يوظف شيخا مثلي في أي عمل آخر، العمل هنا ليس خيارا، بل هو فرض يفرضه الواقع القاسي علينا”. كل غرزة هنا تحكي قصة، وتتميز عن الأخرى، لكن خلفها ضرورة معيشية تزداد صعوبة يوما بعد يوم.
ويشدد الحرفي على أن هذه المهنة الأصيلة هي في طريقها للإنقراض الفعلي، ويوجه نداء مباشرا للجهات المسؤولة: “إذا أردنا الحفاظ على هذا التراث من الضياع، فلابد من تعاون الجهات المعنية والإلتفاتة الجدية لهذه الشريحة من الحرفيين الكبار، فنحن بحاجة إلى مساندة حقيقية، لا مجرد كلام، من أجل ضمان بقاء هذه المهنة ودوامها للأجيال القادمة.




اترك تعليقاً