أدب وفنون

الحرية مقابل الابتذال… جدلية الجسد الأنثوي تعيد نفسها على شاشات السينما المغربية

أثارت بعض مشاهد الأفلام المغربية المعروضة خلال الدورة الـ25 من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة نقاشا قديما-جديدا حول صورة المرأة في السينما الوطنية، وحول الكيفية التي يوظف بها الجسد الأنثوي في الأعمال السينمائية، فبين من يرى أن الجسد في السينما أداة تعبير فني راق، ومن يعتبره وسيلة “رخيصة” لاستقطاب المشاهدين، ظل النقاش يتأرجح بين الحرية والابتذال، بين الرمز والإثارة، وبين الفن والتجارة.

وأثارت بعض المشاهد التي ظهرت فيها ممثلات مغربيات وهن في لقطات وُصفت بـ”الجريئة” جدلا واسعا، خاصة بعد أن اعتبرها جزء من النقاد والمتابعين “مجانية”، لا تفرضها ضرورة درامية، بقدر ما تهدف إلى خلق الصدمة وإثارة الانتباه.

ومع كل ضجة من هذا النوع، يتجدد النقاش حول علاقة السينما المغربية بجسد المرأة، وحول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير الفني واستغلال الجسد الأنثوي لأغراض تجارية أو دعائية.

صراع تيارين: التحرر الفني أم استهلاك الجسد؟

منذ بدايات السينما المغربية، ظل التعامل مع الجسد محكوما بصراع بين تيارين: تيار محافظ يستند إلى المرجعية الدينية والعادات الاجتماعية، يرى أن السينما يجب أن تحترم الخصوصية القيمية للمجتمع المغربي ولا تنزلق نحو الإغراء والعري، وتيار آخر متمرد يدافع عن حرية المبدع وحقه في كسر الطابوهات، لكنه يتهم في المقابل بأنه يحول الجسد الأنثوي إلى سلعة للفرجة والاستهلاك.

هذا التيار الثاني، وإن رفع شعار “حرية الفن وحرية الجسد” يجد نفسه في مرمى انتقادات متكررة، خصوصا عندما تتخذ بعض الأعمال طابعا “بورنوغرافيا مقنعا” باسم الواقعية أو الجرأة.

ومع ذلك، فإن المفارقة اللافتة هي أن هذه الأفلام التي تُهاجم من قبل المحافظين، تحقق غالبا شهرة واسعة، وتعرض في مهرجانات دولية، وتحظى بدعم أجنبي كبير، ما يجعل من “المنع” وقودا إضافيا لجاذبيتها، فكلما وصفت بأنها جريئة أو “خارجة عن المألوف”، تضاعف الإقبال عليها، وكأننا أمام قاعدة خالدة “كل ممنوع مرغوب”.

تحولات الجسد في السينما المغربية

بدأت السينما المغربية تعرف تحولات جذرية في تمثيل الجسد الأنثوي منذ التسعينات، حيث كان  فيلم “حب في الدار البيضاء” (1991) لعبد القادر لقطع من أوائل الأعمال التي كسرت حاجز التحفظ، من خلال مشهد الممثلة منى فتو وهي بالمايو على الشاطئ، حيث التقطت الكاميرا تفاصيل جسدها في لقطات أثارت وقتها جدلا كبيرا، لكنها ساهمت في شهرة الفيلم وانتشاره.

وشكل ذلك المشهد منعطفا في مسار الجرأة السينمائية بالمغرب، إذ فتح الباب أمام مرحلة جديدة في تمثيل الجسد، لم تخل من المغامرة والجدل.

اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، لم يعد الجسد الأنثوي في السينما المغربية محكوما فقط بالجرأة الفنية، بل أضحى في أحيان كثيرة موضوع استهلاك بصري، فقد انتقلت الكاميرا من الجسد كأداة لتجسيد الشخصية، إلى الجسد كموضوع قائم بذاته، منفصل عن السياق الدرامي، ومحمل بالإيحاءات البصرية التي تخاطب الغرائز أكثر مما تعبر عن المعنى.

وفي هذا الصدد، يرى الناقد السينمائي مصطفى الطالب، أن الجدل القائم اليوم حول الجسد في السينما ليس مجرد خلاف أخلاقي أو ديني، بل هو انعكاس لأزمة أعمق يعيشها العالم بأسره، إذ لم يعد الجسد في العصر الرقمي الحديث يمتلك تلك الرمزية التي كانت تميزه في السابق، بعد أن تحول إلى “خوارزمية” ضمن خوارزميات العالم الافتراضي.

وقال الطالب، في تصريح لـ”العمق”، إن الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت الجسد بلا هوية ولا كرامة، بعد أن فُصل عن روحه وقيمته الإنسانية، وأصبح يُستعمل كما تُستعمل أي أداة إنتاج في منظومة اقتصادية لا تؤمن إلا بالربح.

وفي السياق المغربي، اعتبر الناقد أن بعض المخرجين والمخرجات – تحت ذريعة التحرر الفني – وقعوا في فخ استنساخ النماذج الغربية التي تروج لجسد بلا روح، فصارت بعض الأعمال تُعيد إنتاج نفس الصور النمطية التي تنتقدها، بل أحيانا تسقط في استغلال الممثلات الشابات بحثا عن الإثارة البصرية لا عن المعنى الفني.

ومع ذلك، لا ينكر الطالب أن هناك أسماء مغربية استطاعت أن تتعامل مع الجسد بذكاء ورمزية عالية، عبر توظيفه كأداة فنية وجمالية لا كموضوع جنسي، ما جعل الجسد يتحول في بعض التجارب إلى لغة سينمائية قائمة بذاتها.

وشدد ذات المتحدث، على أن التعامل مع الجسد في السينما المغربية عرف اتجاهين مختلفين: الأول اختار الجرأة المجانية واللعب على وترها لإثارة الجمهور وكسب مداخيل كبيرة، وذلك بفضل الممثلات اللاتي لا يجدن حرجا في تقمص بعض الأدوار التي تعتمد على العري أو المشاهد الجنسية، مادام هناك من يدفع أكثر ويحقق الشهرة، حسب قوله.

واتجاه ثان يضيف الطالب، تعامل بانتقائية وباحترافية من خلال مقاربة سوسيو-سيكولوجية وخاصة سيميائية، وأحيانا رمزية، إضافة إلى مقاربة جمالية رفعت من قيمة الجسد في السينما دون حصره في الإيحاءات الجنسية أو الأيروتيكية التي نصادفها أحيانا في بعض الأعمال السينمائية، وفق تعبيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *