أخبار الساعة، أدب وفنون

بين الزهايمر والحنين.. فيلم “شذرات” يجمع شظايا الذاكرة على شاشة السينما

عرض فيلم “شذرات” للمخرجين جنان فاتن محمدي وعبد الإله زيراط ضمن فعاليات الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، حيث ينافس إلى جانب 14 فيلما على جوائز المسابقة الرسمية لفئة الأفلام الروائية الطويلة.

وبرز فيلم “شذرات” كمحاولة فنية نادرة لاستعادة الذاكرة، ليس فقط على مستوى الحكاية، بل في المعنى الأعمق للسينما كذاكرة جماعية تحفظ ما يضيع من الزمن والوجدان.

وقدم العمل الذي وقع إخراجه الثنائي جنان فاتن محمدي وعبد الإله زيراط، توليفة إنسانية دقيقة تنسج ثلاث حكايات مترابطة، تتقاطع فيها مشاعر الفقد، والمرض، والحب، والحنين إلى الماضي، بين مدينتي مكناس والرباط.

وينطلق الفيلم، حسب السيناريست، من فكرة بسيطة لكنها عميقة حيث الذاكرة لم تعد مجرد خزان للذكريات، بل هي ما يمنحنا مبرر الاستمرار، وذلك من خلال شخصية “غيثة”، مغنية الملحون التي ينهشها مرض الزهايمر، إذ يعيش المشاهد تجربة امرأة تفقد تفاصيل حياتها شيئا فشيئا لكنها تحتفظ في أعماقها بشذرات من ماضيها تعود إلى سبعينيات القرن الماضي.

وقالت جنان فاتن محمدي في تصريح لـ”العمق”، إن “غيثة” تحاول أن تلملم ما تبقى من ذاكرتها الممزقة، كمن يعيد بناء صورة من قطع زجاج متناثرة، فلا تعود تتذكر إلا الأصوات والوجوه والأنغام التي شكلت ماضيها الفني والعاطفي.

بالتوازي، يقدم الفيلم حكاية “القائد”، رجل يعيش في الرباط محاطا بجراح حرب الرمال التي شارك فيها ذات زمن، ليجد نفسه اليوم أسير صدمة نفسية جعلته بدوره أسيرا للذاكرة، وأصبح كل ما يتذكره هو شظايا من ماض مضطرب، يستعين بابنته في محاولة لإعادة تركيب أحداث حياته التي محتها الحرب.

الناقد السينمائي عبد الإله الجواهري اعتبر أن فيلم “شذرات” يعد من أبرز المفاجآت الفنية في المهرجان، ويرى أنه “يستحق عن جدارة جائزة العمل الأول”، لما حمله من نضج فني وتوازن سردي نادر في تجربة أولى.

وأوضح الجواهري، أن الفيلم نجح في دمج ثلاث حكايات متوازية ضمن نفس إبداعي واحد، جعل المشاهد يتنقل بينها بسلاسة دون أن يشعر بقطيعة أو تكرار، وهو ما يعكس، برأيه، ذكاء في الصياغة الإخراجية وحرفية في المونتاج الذي وحد الإيقاع والروح بين القصص الثلاث.

وأضاف، أن العمل يفتح بابا للتأمل في الذاكرة الإنسانية المثقلة بالجراحات، إذ يغوص في عوالم الفقد والنسيان والحنين، محولا المعاناة الفردية إلى مرآة تعكس قلق الحاضر وأسئلة المستقبل.

كما نوه الجواهري، بقدرة المخرجين على تحقيق انسجام إخراجي لافت، رغم كونهما يحملان رؤيتين مختلفتين، مشيرا إلى أن “التناغم بينهما جعل الفيلم يبدو كأنه ثمرة توقيع واحد”، في تجربة تذكر بنماذج عالمية في الإخراج الثنائي مثل الأخوين كوين في أمريكا أو الأخوين داردين في بلجيكا.

أما على مستوى الأداء، فأشاد الجواهري بأداء الممثلة خلود البطيوي التي قدمت، حسب تعبيره، “واحدا من أجمل أدوارها وأكثرها صدقا”، مؤكدا أنها مرشحة بقوة لجائزة أحسن ممثلة، كما أثنى على باقي الممثلين، بينهم إسماعيل قناطير، سارة بيرليس، أيوب اليوسفي، هشام الإبراهيمي وسعيد أمل، الذين شكلوا معا لوحة تشخيصية متكاملة اتسمت بالتناغم والدقة، وفق تعبيره.

ولم يغفل الجواهري الإشارة إلى جودة الإنتاج الذي بدا سخيا من حيث الإمكانيات التقنية والبشرية، ومن خلال تنوع فضاءات التصوير بين الرباط ومكناس، رغم ما يتطلبه ذلك من جهد وميزانية، معتبرا أن هذا الاستثمار انعكس إيجابا على جودة الصورة والإحساس العام بالفيلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *