وجهة نظر

همجيتهم !!

وأنت تتحدث معهم وتناقشهم من أجل الوصول إلى قناعة فكرية أو إعتقاد راسخ وقوي في موضوع ما، ينكرون عليك ويستهزئون منك و ينبدونك ويرفضون أن يتفقوا معك في شيء لا لشيء سوى لأن رؤوسهم مكلسة و مغلقة بالكبر و الغرور، وبالتالي فإنهم يتهمونك بأنك لست منهم أوبأنك شيعي كافر أو صوفي ماكر أو علماني مرتد فاجر. وكأنهم هم المتحدثون باسم السماء وهم قضاة الله في الأرض.

يورث الجهل بالدين وبمقاصده وغاياته وأبعاده الكثير من المغالطات الخطيرة والمدمرة لدى هؤلاء الذين يظنون أنهم على حق وأنهم يملكون الحقيقة فيما سواهم ضالين ومسخوط عليهم إلى يوم الدين. وتتجلى همجية هؤلاء، بشكل واضح، في فكرهم وثقافتهم و سلوكهم.

فأنت عندما تحاول التعبير عن رأي أو موقف ما، فإنهم يقمعونك ويرهبونك. وحين تحاول أن تحتج ضد “مرسومين مشؤومين”، لم يأخذا بعين الإعتبارالواقع المعيشي لظروفك الإجتماعية و المادية المزرية و لا مستقبل المدرسة العمومية ، تهطلعليك هرواتهم لتهشم عظامك و تكسر رأسك حتى تسيل دماءك و تبكي بملئ فيك كطفل صغير و بعدها تكره اليوم الذي ولدت فيه في هذا الوطن، و أنت الذي كنت ومازلت تنتمي إلى مداشير المغرب العميق، و أنت الذي كنت تقطع عشرات الكيلومترات صباحا ومساء في الخريف وفي الصيف ببطن جائع و ثياب رثة و حذاء بالي و قديم لم يكن يناسب حتى مقاس قدميك المتورمتين من شدة البرد و العمل الشاق حافيا.

هم لهم المناصب العليا و السلطة و المال و الإمتيازات و المشاريع وكل شئ- فليضحكوا و ليقهقهوا- أما أنت فعليك ان ترضى بكل شيء يقرروه و يسنوه كقاعدة أو كقانون يهمونك به بأنه يخدمك و يخدم المصلحة العليا للبلاد. و الويل و التبور لك إذا تجرأت ووقفت محتجا أمام البرلمان تصرخ من أجل عمل شريف تحصل من خلاله على بعض الدريهمات لكي توفر خبزك اليومي، لأنهم سوف يتسلطون عليك بدون رأفة و بدون رحمة سيركلونك و يضربونك وكأنك كلب مسعور لا يجب أن ينبح حتى لو شعر بألم الجوع.

ونلمس الهمجية في أوساطنا كفكر وكثقافة وكسلوك رجعي و متخلف. فأنت لا يجب أن تعبر عن رأي أو تبديه لأنه في ظل الإستبداد و الفساد لا يسمح لك بأن تعارض اي شيء لأن ذلك من شأنه أن يشكل تهديدا للنظام العام وللقواعد المتبعة والمعتمدة في التدجين والإخضاع. ف”اللون” الذي يجب الإيمان والإعتقاد به هو اللون الذي يضعه المخزن، أما الألوان الأخرى فتبقى ألوانا عرضية و موهمة للناس بأن هناك ” تغيير”، نعم هناك تغيير!!!. في حين إن الموطنون البسطاء و أبنائهم مازالوا يعانون و يتألمون كل يوم و لا أحد يشعر بهم و لا يتأسف على حالهم. فهؤلاء المواطنون البسطاء ليست لديهم – على ما يظهرفي كل يوم- حقوق و حتى إذا بحثوا عنها في ردهات المحاكم لا يجدون سوى محامي فاسد و مبتز ليوكلوه ليعمل وسيطا مع قاضي لا يعرف شيئا في القضاء و العدل إلا لغة المال .

تشهد هذه الأيام الإعتداءات القمعية و الهمجية التي يتعرض لها الأساتذة المتدربون في وقفاتهم النضالية، و كيف أن الحكومة بعد أن سرقت أحلامهم مازالت تمارس عليهم التفقير و التجويع بعدم صرف المنح لهم حتى هذه اللحظة وتتمادى في تعنتها بعدم الإكثرات والإستجابة لمطالبهم التي يعتقد القاصي و الداني بأنها قانونية و مشروعة. لكن لا أحد يحاسب المسؤولين على ما سببوه من جروح مادية و نفسية في حق هؤلاء الأساتذة المتدربون الذين يخرجون للإحتجاج بطرق سلمية تصب كل شعاراتها حول مسألة إسقاط “المرسومين المشؤومين” اللذان ينذران بخنق إجتماعي في المستقبل القريب في ظل تفاقم ظاهرة البطالة و العطالة، و الزيادات المتتالية في الأسعارالتي تنتجها قوانين الحكومة دون أن تراعي الدخل الشبه منعدم لألاف بل لملايين الأسر المغربية التي تضحي لتدرس و تعلم أبناءها حتى يكونوا مصدر رزق قار لإعالتهم و مساعدتهم، لكن الحكومة تتشبت بمرسوميها دون محاسبة نفسها و التراجع عنهما.

إذا كانت الحكومة تخدم المواطن و تسهر على مصالحه- كما تدعي- فلماذا لا تسجيب لكل هؤلاء الذين إحتشدوا بالألاف في الداربيضاء بالأمس القريب، ومن قبل في مسيرات أخرى جابت كل ربوع المملكة و صرخوا بصوت واحد: ” لا للقمع ، لا للهمجية… الشعب يريد إسقاط المرسومين”؟