وجهة نظر

خذوا هذا العيد واعطوني إنسانيتي كل العام

لعل الكل تتبع بغير قليل من الدهشة و بكثير من الازدراء خبر الدورة التدريبية المنعقدة بالرياض بعنوان “هل المرأة إنسان؟ ” ؛ الحقيقة أنه بغض النظر عما قد يحمله هذا التساؤل من دلالات قدحية إلا أنه يلامس جوهر المسكوت عنه في إشكاليات معالجة موضوع المرأة و ربما المطلب الحقيقي و المنصف لها…

إن أقصى ما يتمناه الشخص من نضالاته الحقوقية هو أن يعامل كإنسان كامل الحقوق و لو أن المعاناة حين تتفاقم فإن الرغبة في البقاء في عمقها تتضخم كغريزة فطرية حيوانية مما يجعل صوت الإنسان يخفت تحت وطأة العنف فيولد عنفا مضادا قد يتحول إلى صراع حيواني لا يعدله و يصوبه نحو الآدمية سوى مقدار ما يحمله المرء من قيم و ما تقدمه القوانين من ردع للمعتدين و من حماية للمعتدى على حقوقهم.

و إذا كنا سنجتهد في البحث عن حقوق المرأة في هذه القوانين فلن نضل إذا قلنا أنها تعامل المرأة و الرجل من حيث المبدأ على قدم المساواة، كما لا يمكننا أن نتغاضى عن كون الإسلام كان السباق لمعاملة النساء بالتمييز الإيجابي من خلال الاعتراف لهن بحقوقهن و الحرص على صحتهن النفسية من خلال طيب المعاملة و اللين معهن حتى أنه كره لهن الحزن…

و إذا كان الأصل في القانون في العالم هو المساواة باعتبار إنسانية كل من الذكر و الأنثى فإنني أجد نفسي مظطرة للقول إن المرأة تعامل مع ذلك في بعض الحالات بغير إنصاف و بغير آدمية و لعل السبب الرئيسي هو الذهنية الجماعية التي تسلم بقابلية المرأة لتغدو ملكية للرجل كما أن القانون يزكي هذا الامتلاك و يصك عليه فصوله، إذ أن القانون الجنائي لا يعتبر القتل في جرائم الشرف جريمة قتل عادية و يخفض العقوبات من الإعدام و السجن المؤبد إلى خمس سنوات سجن فأقل…

و إذا كان لا يختلف اثنان حول مدى قسوة الخيانة و فتكها بالعقل فإن مع ذلك اعتبار جريمة الشرف مغتفرة منا جميعا لأننا في مجتمع يرفض الخيانة و يعظم قيمة الشرف و الحفاظ على الطهر لنسائنا و فتياتنا و يحرص عليها و هو أمر حميد لا شك في ذلك، إلا أنه يسائلنا في العمق حول مدى صدقنا بخصوص التشبث بهذه القيم و حرصنا على حماية أسرنا من الفواحش إذا كنا لم نستطع أن نخرج قانونا لحيز الوجود ليحمينا من مرحلة المبتدأ قبل أن نصل للمنتهى الذي يتجسد في الخيانة و القتل و أقصد مشروع قانون التحرش الجنسي الذي أقبر للأسف!

إن المجتمع الذي لا يغفر الخيانة و يبيح غسلها بالقتل لا يرى في التحرش جريمة يعاقب عليها القانون هو غريب المنهج هش المعتقد!
لأن الموضوع على ما يبدو ليس هو الانتصار للشرف و إنما انتصار للملكية فالمرأة ما دامت مصكوكة بملك الزوج فالشرف رفيع واجب الدفاع عنه؛ أما الحرة بغير ذلك فلا بأس من مراودتها عن نفسها و عرقلة حريتها الإنسانية في التحرك و التجول لأن لا مالك لها يثأر منها و لا لها…

فإذا كانت قرينة تحرير العبيد من الامتلاك هو إنسانيتهم التي لا تبيح الاستعباد فهل المرأة في هذه الحالة إنسان!؟

إن إقبار مشروع قانون التحرش الجنسي يفضح فصامنا وزيف تشبثنا بالقيم التي نتغنى بها كمجتمعات محافظة؛ كما أن مجرد النطق بهكذا قانون تحت هذه التسمية يجعله فاحشة فما بال التعرض لها…إن الذهنية الجماعية التي تضغط بثقل الممنوع المرغوب بشدة هي التي تفتك بحقوق الإنسان في هذا الباب؛ إذ تتعفف الكثير من النساء و بعض الرجال أيضا من تسجيل شكاياتهم و البوح بهذا الشكل من الاضطهاد تفاديا لاستعمال ذلك الوصف المخزي “التحرش الجنسي” و الحال أننا لم نستطع أن نحمي الإنسان من الحيوان فينا…هذه هي الحقيقة إننا فشلنا في وضع قانون يحبس الحيوان الذي يرخي غرائزه لكي يتربص بالإنسان لأننا قلمنا قيمنا و جعلنا للشرف مفهوما قاصرا لا يتجاوز قفص ملكية أحدهم و فتحنا العين على الخبر و تعامينا عن المبتدأ في جرائمه!

إن ما تتعرض له المرأة من اضطهاد يومي تحت تأثير عقلية جماعية ذكورية تحملها نساؤنا و رجالنا( بل بعض النساء أشد قهرا للنساء من الرجال) ينفي عنها في بعض الأحيان إنسانيتها و يجعل أقصى ما يمكن ان تطالب به هو أن تعامل كإنسان.

إن المعاناة بعيدة عن التصنيفات وجهها هو تارة المرأة و تارة الرجل…ليس للمعاناة هوية جنسية…فقط يعاني الإنسان…
لهذا أقول لكم إني أتنازل عن هويتي المؤنثة عن طيب خاطر خذوا هذا العيد و أعطوني إنسانيتي كل العام!

ــــ
آمال جناح، باحثة في القانون العام