وجهة نظر

إصلاحيون بقانون يخنق السياسة ومناضلون من خارج النسق

أمام قضايا التغيير والإصلاح هناك فرق وفارق كبير بين من يتعاطى مع القضية في إطار القانون، وبين الذي يتعاطى معها في إطار ممكنات السياسة والحقوق الإنسانية.

الأول يتحرك ويتفاعل ويقدم أو يتأخر، في ضوء ما يجعله يتمكن من تحصيل الحقوق وفق ما تتيحه القوانين، فيكون نضاله محكوما بهذه المساحة الضيقة الحرجة، فلا يفعل ما قد يحرمه من بعض الحقوق التي تعترف بها القوانين، كما أنه يحرص على جعل خصمه يتحرك في هذه الدائرة فقط.

فتصبح السياسة وتغدو المواقف السياسية خادمة للقانون وخاضعة لحيثياته، وتؤول القضية إلى “سجالات قانونية حول قضايا خلافية، وليس نضال من أجل استخلاص الحقوق السياسية الإنسانية والتاريخية.

وبالتالي نصبح أمام مشاريع تسووية إن جاز التعبيرلا تملك أيَّ خيال سياسي يُنتِج مشروعا سياسيا قادرا على تحجيم تلك المردودات القانونية أو تكييفها لصالح التغيير الحقيقي الذي يقطع مع الفساد والإستبداد.

والعمل داخل هذا النسق يشكل أيديولوجية تستعمل شعار “الإنتقال” شعارا أبديا يستند”استخدام القانون لتحصيل الحق السياسي”، ما يجعل الحق السياسي يدور مع القانون حيث دار، ومع مآلات الإصلاحات القانونية إلى حيث آلت.

إننا بإزاء قانون يتحكَّم ويفرض ويُحَدِّد فتنصاع له السياسة، وتتغير الحقوق السياسية وفق ما يتيحه القانون من حقوق، أي أن الحق القانوني هو البوصلة، وأيَّما حقٍّ سياسي تاريخي أو إنساني يفقدُ قيمتَه ما لم يعترف به القانون أصلا.

أما الثاني وهو ذلك الذي يتعامل مع القضية في إطار السياسة ومن خارج النسق، فإن القانون لا يعنيه على ذلك النحوِ المُجحف للحقوق والكرامة الأنسانية ، ولا هو يمثل بالنسبة له أيَّ معضلة، ولا يستثيره أو يستوقفه، إلا بالقدر الذي يكون معه قادرا على التكيُّف مع ضرورات خدمة قضيته في إطار مُكَوِّناتها السياسية التي يستحضرها من حُزَم الحقوق التاريخية والإنسانية، وليس من حُزَم الحيثيات القانونية التي أنتجتها سياساتٌ أسبق هي في الأساس معتدية على حقوقه التاريخية والإنسانية.

لذلك فإن من يتعاملون مع القضية من منطلق سياسي ومتمرد على النسق، تتشكَّلُ أيديولجيتهم في إطار “المقاومة والممانعة بأشكالهاالمتنوعة”، استنادا إلى “استخدام النضال السياسي لخلقِ حالةٍ قانونية تنسجم مع الحقوق الإنسانية”، ما يجعل القانون يدور مع الحقوق والكرامة الإنسانية حيث دارت، ومع مآلات النضال إلى حيث آلت.

وفي هذه الحالة نكون إزاء مشروع يتوفر على خيال سياسي، وبين فَكَّي كماشةِ مشروعٍ سياسي، يُحَدِّد إرادتَه فينصاع له القانون، ويفرض رؤيتَه فتخضع له كلُّ مسارات التشريع لتتكيف مع متطلباته، وليس العكس.

بمعنى يصبح الحق الإنساني والكرامة المواطنة هو البوصلة، وأيما حقٍّ ولدته القوانين والتشريعات القائمة يفقدُ أيَّ معنى أو قيمة ما لم يحترم الحقوق الإنسانية والمواطنة، أو ما لم تكن هي مُنْتِجَتُه أصلا.