وجهة نظر

التقاعد المعطوب: نظام معاشات البرلمانيين نموذجا

بخلاف ما يعتقده العديد من المواطنين المغاربة، بأن معاشات و” تقاعد ” البرلمانيين والمستشارين هو جزء من نظام التقاعد المدني العام، والذي يعرف مشاكل كثيرة تتطلب مقاربة نوعية لمعالجته، قبل أن يتفاقم الوضع أكثر من أي وقت مضى، فإن الحقيقة الغائبة عن الكثير هي أن رواتب تقاعد البرلمانيين ومستشاري الأمة لهم نظام خاص بهم لا علاقة له بأي شكل من الأشكال بصناديق التقاعد المشرفة على حافة الانهيار.

هذا الموضوع الذي أسال العديد من حبر الكلام على جدران المواقع الاجتماعية والصحف بكل أشكالها، بين مطالب بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء بصفة نهائية لا رجعة فيها، ورأي داع الى تقليص من هذه الرواتب الضخمة التي تشجع على الريع باعتبار أن البرلمان مهمة فقط، وليست وظيفة، يؤديها المنتخبين تجاه وطنهم، مما يتطلب معه اليوم الوعي بالقضية والسعي نحو معالجتها بشكل يستفيد منه الجميع، وطنا يضمن الشفافية والقطع مع أشكال الريع والرشوة السياسية، وكرامة تجزي عن العمل الذي يقوم به خدام الأمة وممثليها في كلا المجلسين معا.

نبدأ بتحديد القانون الذي ينظم ويضبط صرف معاشات و “تقاعد ” نواب ومستشاري الوطن، فالقانون رقم 04-35 المتعلق بتغيير القانون رقم 92-24 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب والذي تم تطبيق أحكامه على أعضاء مجلس المستشارين بموجب القانون رقم 99-53،وهذا القانون ملزم و ليس اختياري،ويمكن لأعضاء الغرفتين الذين كانوا منخرطينفي إحدى صناديق التقاعد قبل انتخابهم (الصندوق المغربي للتقاعد بالنسبة للموظفين مثلا ) أن يستمروا في أداء واجباتهم للاستفادة منه مع بلوغهم سن التقاعد .

بموجب هذا القانون يستفيد البرلماني الذي أكمل الولاية التشريعية (مدة الولاية التشريعية 05 سنوات) من معاش يقدر ب 5000 درهم صافية معفية من الضريبة على الدخل وغير خاضعة لأي تصريح , و يتقاضى هذا المبلغ مدى الحياة بغض النظر عن سنه ابتداء من ” نهاية الولاية” مهما كان عمر البرلماني او المستشار.وقد حدد مبلغ المعاشات العمرية للبرلمانيين في 1000.00 درهم عن كل سنة تشريعية على ألا يتجاوز مبلغ المعاش 30.000 (ثلاثون ألف)درهم، كما حدد واجبات الاشتراك في 2900 درهم شهريا بالنسبة للبرلماني أو المستشار تقتطع من تعويضاته أخر الشهر ونفس المبلغ يؤدى من طرف مجلس النواب أو المستشارين ليحول المجموع إلى الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين وهو تابع لصندوق الإيداع والتدبير.

يعني أن ” معاش البرلمانيين ” نظام قائم بذاته، يسمى”الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين “، خاضع لرقابة وزارة المالية ومسؤوليها في صندوق الإيداع والتدبير، وغير مرتبط بالمرة بنظام المعاشات المدنية التي تود الحكومة القيام بإصلاحها بداية السنة المقبلة ان شاء الله.

الآن دعونا نناقش هذا الموضوع بكل هدوء من فضلكم، فالبرلماني الذي ناب عن المواطنين في دائرته النيابية مرة واحدة يستفيد من معاش وليس تقاعد – لان المعني قام بمهمة وليس وظيفة حتى يتقاعد عنها – بمبلغ 5000 درهم شهريا، طبقا للقانون المشار اليه أعلاه، فالناقمون وهم كثر ولهم حججهم بطبيعة الحال، يعتبرون مساهمة الدولة في هذا المعاش هو نوع من الريع السياسي، ويجب الاقتداء بفرنسا التي تعيش على وقع التعديلات المتوالية للنظام المعاشي للبرلمانيين عندها منذ احداثه سنة 1904، تبرز حجة ملحة ومطلب أساسي للنشطاء المغاربة لديهم،موجودة قانون المعاشات الفرنسي المعدل سنة 2010 مؤخرا، حيث يفرض على البرلمانيين الفرنسيين الاستفادة منه لكن بعد بلوغ سن التقاعد، عكس المعمول به ببلادنا، حيث يستفيد البرلماني ولو لولاية واحدة من معاشه مباشرة بعد انتهاءها الى غاية وفاته، لذلك فالمحتجون يطالبون من الدولة الإسراع بإصلاح النظام بشكل كلي، لكي لا يحصل عجز في الأداءات نتيجة ارتفاع عدد المستفيدين من الصندوق وتناقص من يؤدي عنهم من نواب الامة ومستشاريها.

نعطي مثالا ملموسا من الولاية الحالية التي تقترب شمسها من الغروب فوق سماء السياسة المغربية، أصغر نائب برلماني، البرلماني ياسين الراضي عن الاتحاد الدستوري، حتى يتبين الخيط الأبيض داخل الصندوق الأسود للمعاشات البرلمانيين.

النائب ياسين الراضي بعد نهاية ولايته سيكون في عمر 26 أو 27 سنة، قبل نهاية ولايته النيابية فهو يتقاضى راتبا برلمانيا يبلغ 36000 درهم عن كل شهر، يقتطع منها للمساهمة في تغطية معاشه لولاية واحدة فقط 2900 درهم كل شهر، وتساهم الدولة من خلال ميزانية التقاعد بمجلس النواب بنفس المبلغ، مع اعتبار 1000 درهم شهرية عن كل سنة نيابية قضاها النائب حاليا في هذه الولاية التشريعية.

باحتساب ما قضاه النائب تحت القبة البرلمانية، الذي ساهم فقط من أجل معاشه بعد نهاية ولايته، لمدة 60 شهرا بمبلغ 2900 درهم أي بمجموع 174000 درهم، وهو المبلغ الذي يسترده بعد أقل من ثلاث سنوات التي تلي مغادرته قبة البرلمان أي بعد 35 شهر بمعاش 5000 درهم شهريا، فان معاش البرلماني الشاب ياسين الراضي اذا افترضنا أنه (الله يطول عمره والاعمار بيد الله طبعا) عاش 70 سنة (للإشارة فمعدل الشيخوخة مرتفع في بلادنا حسب احصائيات مندوبية التخطيط مؤخرا في إحصاء 2014) فانه سيكلف خزينة صندوق التأمين والتقاعد حوالي 43 سنة من التقاعد بعد نهاية ولايته الحالية فقط، أي أن معاشه سيكون كما يلي:
43 سنة يعني 516 شهرا من المعاش البالغ 5000 درهم يعني ما مجموعه 2,580,000 درهم !!!

هل فعلا يستحق ياسين الراضي النائب البرلماني معاش يقدر ب 258 مليون سنتيم طوال حياته؟
فقط لأنه مر بالبرلمان عندما كان صغيرا لمدة قصيرة لا تتعدى ولاية واحدة؟

كيف يعقل أن يتم صرف مثل هاته المبالغ الضخمة من الميزانية العامة للبلاد – خصوصا ونحن نعيش تحت رحمة ما يسمى ” تزيارالسمطة ” والتقشف في المصاريف العامة لجميع المؤسسات، الذي تدعو اليه الحكومة الموقرة – للعديد من رجال ونساء البرلمان بمجلسيه، باعتبار أن أغلبهم أصحاب شهادات وذوي عمل قار، إما في الوظيفة العمومية ( أساتذة جامعيين .. محاميين ..) أو القطاع الخاص (مدراء شركات أومسؤولين كبار فيها ..) أو أصحاب تجارة وأعمال حرة يمارسونها بأنفسهم.

هذا ما يجعل أمر اصلاح هذا العطب مع العديد من الأعطاب الأخرى في صناديق التقاعد المدنية، أمرا ضروريا، بكل تأكيد، لكن يجب أن نبدأ من منابع الميزانية أولا، فالذي يريد أن ينظف درج المنزل يجب عليه أن يبدأ من الأعلى وليس العكس. تحياتي لكم.