وجهة نظر

الغرب وداعش: الإرهابيون يتبادلون التحية

خرجت عدة تصريحات لقادة الغرب المسيحي تأكد أن هجمات باريس استهدفت حضارتهم الإنسانية وقيمهم السامية وأنماط حياتهم الراقية، والحقيقة أن هذه الهجمات الإرهابية والتي قبلها استهدفت الإسلام والمسلمين، استهدفت قيم الإسلام ومبادئه وحضارته وثقافته العالمية الإنسانية، وكانت وقودا يغذي “الإسلاموفوبيا” وسبب يبرر الهجمة الصليبية الغربية والشرقية – والتي صرح بها قادتهم السياسيون والدينيون – على العالم الإسلامي ومبررا على أن دين المسلمين خطر على الغرب وقيمه، بل وعلى الحضارة الإنسانية بكاملها، وأن داعش البربرية والقاعدة الإرهابية ما هما إلا ابن شرعي للخطاب الإسلامي ونتيجة طبيعية لتعاليم رسوله وكتابه.

والتاريخ أقوى شاهد على أن الإرهاب بأنواعه كان وسيلة غربية قديما وحديثا، وإن اختلفت أسبابه وتنوعت مبرراته، وأن جرائم ومجازر الغرب المسيحي لا تعد ولا تحصى عبر التاريخ فيما بينهم أو مع غيرهم وخصوصا إن كان الغير مسلما، وطبعا لن نبرر الإرهاب كيفما كان مصدره ونوعه وطرقه وأهدافه، فهو مستهجن مذموم مرفوض في كل مكان وزمان، من اليهودي والبوذي والمسلم والملحد والمسيحي وغيرهم من أهل الملل والنحل.

مشكل فرنسا والغرب المسيحي عموما هو أنهم يرفعون شعارا يكذبه تاريخهم وحضارتهم وواقعهم ، ينادون بمثل وقيم براقة رنانة إنسانية حقة، لكن عند أول اختبار يهدد مصالحهم أوعلمانيتهم الصليبية يضربون بتلك الشعارات عرض الحائط، وفي المقابل يبتزون النظم الديكتاتورية في العالم كله عربا وعجما بهذه الشعارات في سبيل تحقيق مصالحهم الكبرى وأهدافهم الإمبريالية.

إن من أعظم ثمار ثورات الربيع العربي، هو فضح إنسانية الغرب وكذب نصرته لقيم الديمقراطية وحرية الإنسان وحقوقه فهو الساكت عن الانقلابات والثورات المضادة التي عرفها العالم العربي، بل استقبل أصحابها بالسجادة الحمراء وحماهم بقوانين استثنائية وتنكر لكل شعاراته السابقة من أجل مصالحه والتي يحميها ويحققها الديكتاتوريون الملطخة أيديهم بالدماء، هذه المصالح ستكون في ميزان “إرادة الشعب” إذا وصل للحكم قادة منتخبين من الشعب بعرس انتخابي ديمقراطي، كما كان في مصر ما بعد 25 يناير وتركيا في عهد أردوغان وحزبه.

إن هجمات باريس خلقت سوقا يروج فيه للخطابات العنصرية المتطرفة من عدة شخصيات غربية كما جرى في أمريكا حيث وصف المسمى” بن كارسون” مرشح جمهوري محتمل لرئاسة اللاجئين السوريين بالكلاب الضالة المسعورة التي يجب الحذر منها، وبعضهم طالب بحمل المسلمين بطاقات توضح دينهم كي يراقبوا كما فعل هتلر النازي مع اليهود، والبعض الآخر طالب بالسماح للمسيحيين فقط من اللاجئين بالدخول لأمريكا، وبعضهم نعت أوباما المدافع نظريا عن دخول اللاجئين إلى أمريكا بأنه مجنون لا يعرف ما يقول، ووزير الخارجية البولندي القائل: “يجب علينا تسليح اللاجئين السوريين في أوروبا والدفع بهم إلى خضم المعركة على الأراضي السورية”، أما سويسرا “بلد الحياد ولا حياد” فاقترح بعض نوابها في البرلمان بحظر التجول على المسلمين بعد الساعة الثامنة مساءً، أما الدنمارك فلم تترك حقها من العنصرية عن لسان برلماني دنماركي : “يجب علينا ضرب داعش في عمق معاقله، فعناصر هذا التنظيم تختبئ خلف الأطفال والنساء، لكن من اليوم فصاعدًا لن نتساهل سنضربهم بقبضة من حديد، فهؤلاء النساء والأطفال ليسوا أبرياء لأنهم يقدمون الدعم لهذا التنظيم الإرهابي فجميعهم سواسية”، أما ماركو روبيو “اللاجئ الكوبي الأصل” عضو مجلس الشيوخ الأمريكي قارن الإسلام بالنازية، ورد على تصريحات هيلاري كلينتون التي تستبعد فيها أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع الإسلام، وقال صراحة “إننا إزاء صراع حضارات، إنهم لا يكرهوننا لأننا نملك حضورا عسكريا في الشرق الأوسط، بل يكرهوننا بسبب قيمنا”.

كل هذا ويتكلم الغرب عن نبذ الإرهاب والعنصرية والتطرف، ويتناسى أن سياسته المجنونة منذ 2001 في الحرب على الإرهاب والتي بدأت بتدمير العراق وأفغانستان وإجهاض ثورات الربيع العربي وتقوية منظمات إرهابية صغيرة آنذاك كداعش وبوكوحرام وغيرها بصنع بيئة حاضنة لها، والدفاع الأعمى عن همجية الكيان الصهيوني المحتل ومجازره في غزة، وحماية الأسد ونظامه البربري، وفرق الموت في العراق وسوريا وعلى رأسها مليشيا حزب نصر الله، وعقد الصفقات مع إيران على حساب الشعوب العربية وإطلاق يدها في المنطقة هو من صنع من داعش” آلة للقتل”، والتي بدأت بالعدو القريب وهو كل من خالفها من المسلمين، ثم انطلقت إلى العدو البعيد والذي أزعجها بهدير طائراته، فأحبت رد التحية له في سيناء وبيروت وباريس.

الغرب لا يملك الشجاعة في البحث عن السبب الرئيس الذي يحمله عنوان “إرهاب الدولة” في عيون الشعوب المسلمة منذ القرون الوسطى إلى اليوم، ففي إحدى البلدان العربية وبعد انتهاء مهمة أحد سفراء الولايات المتحدة بها، صرح السفير للصحفيين الذين حضروا حفل الوداع بتصريح ظاهره انتقاد السعودية وباطنه انتقاد الإسلام قال: ” لو كان في السعودية برلمان لكان أسامة بن لادن معارضا في أقصى الحالات، وليس جهاديا في كهوف أفغانستان”.

نعم كلمة حق أريد بها باطل، فشجرة القاعدة فكر نمى بأسمدة أمريكية.

من دعم بن لادن بكل أنواع الدعم ضد المحتل السوفياتي آنذاك أليست أمريكا الديمقراطية؟

من جعل من بن لادن عدوا جديدا يحل محل الاتحاد السوفياتي البائد أليست أمريكا؟

من الذي جعل أبوبكر البغدادي وقبله أبو مصعب الزرقاوي يتحولون من رواد الحانات إلى قادة حرب في العراق والشام أليست أمريكا؟

اختارت الحركات الإسلامية طريق الديمقراطية في كثير من البلدان العربية والإسلامية فوصلت للحكم في الجزائر وغزة وباكستان وبنغلاديش وماليزيا وأندونسيا ثم بلدان الربيع العربي مصر وتونس وليبيا واليمن لكن هاجس ” الإسلام يقود، الإسلام يعود” لم يمهل قادة الغرب المتنور المتحضر للتدخل عبر الثورات المضادة تارة، أو الانقلابات تارة، أو تأجيج الصراع المسلح بين السلطة المستبدة والشعوب التواقة للحرية والكرامة والديمقراطية تارة، فخرجت علينا داعش سنة 2013 كنسخة جديدة من ” الإرهاب” إرهاب يسعى إلى “دولة” ممكن أن يأتي يوم يغفر له من يتبادل معه التحية في سوريا وغيرها، فتصبح دولته عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة، والتي لا نعلم متحدة ضد من؟