وجهة نظر

اقتباسات بلا مقدمات ـ المعلم ـ في نظر محمد منير الحجوجي

الحل الجذري لمشكلة الحياة : عش ببساطة ، اعط أكثر انتظر أقل .

المثقف هو معلم بشكل من الأشكال ، فالمثقف الحق كما قال هوسرل ليس هو العالِم ولا المتخصص ، وليس من ينتحر داخل/من أجل نظرية ما ، ليس هو من يعلن استعداده لأن يقتل من أجل إنقاذ ابتمولوجيا ما ، لا لا ، المثقف الحق فيما قال المثقف الألماني العظيم : هو الذي يخرج من علمه نحو البشرية ، هو الذي يترك ذاته الصغيرة ليلتحم بذاته الكبرى : البشرية وقضاياها .

لم يكن المخزن أبدا قادرا على إطلاق حرب مباشرة على المدرسة (مدرسة حقيقية تعني إنتاج أجيال واعية يستحيل معها الاستمرار في لعبة التحكم/النهب/التجهيل) لذا لجأ إلى شنها بالوكالة . يجب ضرب المعلم (يتجويعه، بتخريب وضعه الاعتباري، بصَبْيَنَتِه..) حتى يتوقف وينهار تماما ويتحول هو ذاته إلى آلة في خدمة إعطاب المدرسة !

القوة الضاربة لأي أستاذ هي المعرفة الشمولية ، المفتوحة ، متعددة الأبعاد ، الانسانية، المتعاطفة .. لا يمكن مثلا أن تدرس البيولوجيا دون أن تكون على دراية حادة بالثورات الجينية التي تحول معنى/هوية الكائن والحياة والمستقبل .. لا يمكن أن تدرس الجيولوجيا خارج الايكولوجيا ، العلم الذي ينبه إلى جرائمنا في حق الحياة .. لا يمكن أن تدرس قضايا الذات/العالم دون أن تقف على استراتيجيات العولمة في إلتهام الهويات المحلية وتعويضها بهوية كوكبية أحادية البعد.. لا يمكن أن تدرس الفلسفة وأنت تحلم بالفيلا والكاطكاط  ..

ثلاث أشياء استراتيجية يجب تدريسها للأطفال :  أولا : أن لنا نفس الأصل (جئنا جميعا من انفجار كوني هائل حدث منذ 12 مليار سنة ، وهوالانفجار الذي أعطى المجرات والكواكب والأرض والحشرات والبشر وو ) . ثانيا : أن لنا نفس الحاضر / المشاكل (تدمير الأرض، استعباد / نهب البشر ..) ، وثالثا : أن لنا نفس المصير ، أننا نتجه جميعا نحو نفس الكارثة ،(مواجهة كونية على الموارد قد تقود نحو “توقيف” الحياة..) أن تدريس وحدة أصلنا / حاضرنا ومستقبلنا هو المدخل لصناعة أجيال (مسلمة/مسيحية/يهودية/ملحدة) تتحدث نفس اللغة، تنظر نحو ذات الأفق.. يجب إعادة بناء كل البرامج التدريسية العالمية في اتجاه دمج هذه الفكرة “الدينية” .

دورنا كآباء هو أن نشجع أولادنا على نمط للحياة أكثر احتراما للكوكب وسكانه ..

إننا نلقن لأولادنا في البيوت، في المدارس، في التلفزات .. ” قيمة ” أساسية : التنافس من أجل المراتب الأولى .. لا عجب إذن إن وجدناهم في الغد القريب يقومون بأي شيء ليأكلوا بعضهم البعض !

يجب أن نحذر من أن نربط أولادنا بالرهانات المادية (بغرس فكرة أن النجاح هو أولا النجاح المادي) .. إذا ما ربطتم أبناءكم بالأشياء المادية فإنكم تدفعونهم إلى أن يصبحوا أشخاصا محتالين (وهي الوسيلة الوحيدة لـ”لوصول” في سياق محكوم بكثرة وشراسة اللاهثين وراء الكعكة ) ، أو اكتئابيين (عندما يفشلون في النجاح) احذروا جيدا كل هذه الاستراتيجيات التخريبية .. ربوا أبناءكم على حب العفة .. إنها المدخل لكل الأشياء العظيمة الأخرى .. المعادلة الكبرى هي ما يلي : “اللهث” وراء حياة عفيفة يساوي : احتيال واكتئاب أقل .. وهذا مهم جدا للفرد والجماعة .

لا يمكن الحديث عن اصلاح التعليم والدولة لا تتردد في منح رقبة المعلم لمافيا العقار والصحة وو… والمدارس الخصوصية .. لا يمكن الحديث عن أية إصلاحات تربوية ونحن نجوع/نخرب المعلم كل يوم أكثر .. يجب البحث عن جذور هذا الوسخ بعيدا .. إن اليوم الذي شكل نهاية للمدرسة العمومية بالمغرب كان هو اليوم الذي قرر فيه الحسن الثاني ربط المعلم إلى الخبز ، الآلة الرهيبة للخبز (انتقاما منه لتطاوله على “الأسياد” بعد محطات البيضاء 1965 والبيضاء 81 والناظور 84 وفاس 90 ) لقد نجح الحسن الثاني بقوة في هذه الاستريتيجيا .. والنتيجة : معلمون كيدوزو الحياة غير فالجري مورا الخبز والسكنى وليكوش .. ربحت الدولة الحرب على المعلم وخسرت المدرسة، أداة الشعوب لرفع رهانات العصر ..

علينا أن نحقق أكبر قدر ممكن من الإنسجام مع محيطنا ، وأن نربي فينا الإحساس العميق بالانتماء إلى هذه الأرض التي تحملنا .. علينا أن ننخرط في فعل تربوي ذاتي لتعلم “العيش بشكل عادل” : هو (فن الحياة) مع الحياة ، لا خارجها أو ضدها .

تفكيرنا إما أن يكون شموليا ، كوكبيا ، أو لا يكون .. لنرفع من مستوى نقاشنا .. لنطور شبكاتنا القرائية .. لنجعلها شبكات مفتوحة ، مركبة متعددة الأبعاد .يجب أن نفهم أن مشكل الفرد مشكل الكل .. وأن مشكل الكل هو مشكل كل واحد فينا .. لننصت أيضا إلى شركائنا فوق الأرض : البحار ـ الأشجار ـ الأحجار .. نحن إخوان الكواكب والنجوم والبحار والغابات والقردة والفراشات .. لننتبه إلى ما نقوم به في حقهم بفعل نزعتنا الإنتاجوية/الإستهلاكية المفرطة .. لنجعل ذكائنا في خدمة المستقبل ..

هناك داخل البشر مستوى عميق ـ لنسميه المستوى الإنساني أو الحيوي أو “الديني” أو “الميتافيزيقي” يظل جاثما في عمق يصعب جدا أن تصله نيران الاستراتيجية التدميرية – مهما كانت شراستها .. مهما كان إغراق الحقل الاجتماعي بالقرقوبي والكرة ومهرجانات الشطيح والرديح فادحا ، مهما استمرت المدرسة في تلقين الجهل ، مهما استمرت العائلة في منع أولادها من النمو المعرفي/السياسي ، إلا أن هناك دوما شيئا فينا يصرّ على البقاء .. الإنسان أكبر من استراتيجيا لتدميره ..

تحياتي لكل من يهدي نصا جميلا لطفلة قارءة ، ومن يقتسم ما يملك مع جائع من العالم، ومن يفكر في كوكبنا وهو يفتح صنبور الماء ، ومن يحلم ببناء في منطقة نائية ، ومن يعد دكتوراه بهدف خلق ما ينفع الناس ، ومن يفضل قضاء عطلته الصيفية مع امرأة مسنة بلا موارد على أن يقيم بأوطيل فاخر في ملك نهاب من العالم ! ومن لا يستعمل السيارة إلا عند الضرورة ، ومن يقتني من السوق فقط ما يحتاجه ، ومن يحتفظ بكلينيكسه “منديله” في الجيب حتى العثور على قمامة عمومية أو حتى العودة إلى داره ، ومن يجعل من إقامة مكتبة عائلية أولوية قصوى .

يمكنك أن تحج في طفلة شُوّهت ولم تجد من يغطي تكاليف علاجها .. يمكنك أن تحج في عجوز تتحدى الانهيار وتخرج لاستجداء قوت قد يأتي وقد لا يأتي .. يمكنك أن تحج في مراهق لا يدري كيف يخرج من جهنم الإدمان .. يمكنك أن تحج وأنت تهدي مكتبة لأطفال قرية معزولة .. يمكنك أن تحج وأنت تتحدث لتلامذة الصف الأول عن قرب نهاية دب القطب الشمالي .. يمكنك أن تحج وأنت تهدي زوجتك كتابا عوض دبلوم يؤبد تفاهتها .

لا يجب أبدا أن نشك في قدرة جماعة صغيرة من البشر الواعين والملتزمين على تغيير العالم .. بل إن التغيير حصل وسيحصل دوما بهذه الطريقة .. العالم يزداد اتساخا للأسف

لا مستقبل بلا تعليم الأطفال النظر في ذواتهم كنتاج/امتداد لذات أكبر، أرحب، هي الأرض.. إن طفلا وقد ربيناه على فهم أصله/انتمائه/امتداده الأرضي هو مشروع إنسان إنساني بشكل رهيب .. إن هذا الطفل حتما من سوف يبدع عالما آخر ، عالما قابلا للسكنى.

من الصعب بله من المستحيل أن نحقق/نترك أي شيء جيد وإيجابي وخلاٌّق للعالم ونحن نربي أطفالنا على القيم “اللبرالية” : “خاصك تقرا باش تجي نتا الأول باش تاخذ البلاصة لمزيانة باش تعيش مزيان باش …” أخطر ما في هذه التربية أنها متيقنة من ذاتها، أنها لا ترى خطورتها، أولا على الأطفال التي هي موجهة إليهم .. الأهم ليس أبدا صناعة أطفال بتطلعات سوبرمانية ، هوليودية ، توحشية ، جرثومية ، فاشية ، فاسية ، فاسية .. الأهم والمستعجل هو صناعة أطفال ينظرون إلى أشياء/أبعاد أخرى ، الأهم هو فتح أطفالنا على قيم العمل والانصات والقيادة المشتركة والعفة وحب الأرض .. أكرر : إن خطاب “بغيتك تكون أحسن واحد فلعالم ” قد يصنع مشاريع أطفال/إرهابيين ، أطفال يفعلون أي شيء حتى لا يكونوا مثل الآخرين ، حتى لا يكونوا إلا هم ، على حساب/ضد كل الآخرين ..

أخيرا  .. إليك أيها الأستاذ/المعلم/المؤطر/المربي العزيز .

بعيدا قليلا عن المعركة النضالية ، وقريبا جدا من المعركة المعرفية الميدانية التي ستمتد معك عشرات السنين :

يمكن أن تكون حاملا لمعارف ومشاريع قوية بل ناذرة لا غبار عليها ، ولكن هذا لا يمنحك “أوتوماتكيا” بصفة مباشرة شهادة التميز البيداغوجي .

هناك فرق شاسع بين أن تحمل معارف حيوية وأن تكون قادرا على توصيلها إلى التلاميذ

التربية ليست هي المعرفة الموسوعية . المعرفة الموسوعية والجيدة ليست سوى باب واحد في التربية.

التربية بناء علاقة مركبة ، مع آخر مركب ، لتحقيق أهداف مركبة ، بأدوات ليست المعرفة سوى إحداها.

قد تكون عالما كبيرا، وفي نفس الوقت تربويا تافها.

في هذا السياق لا بد من التنويه بكل هؤلاء التربويين المتوسطي المعارف لكن الشديدي الوعي بأهمية التواصل والتفاعل والتعاطف المحترف مع التلاميذ : هؤلاء أولى بحمل مشعل التربية من كل العلماء الموسوعيين .

اسمع ما يقول لك التربوي فيليب ميرو : إذا لم تكن قادرا على مواجهة التلميذ بكل الجدية المطلوبة، وعندما تكون مهووسا بالبحث بأي ثمن على الإجابة عن أسئلته لا على فهمه والاعتراف باختلافه ، حينها تضيع كل فرصة لتمكنه من أن يكبر وأن تكبر أنت معه أيضا .

إن العلاقة السلطوية مثلا تدمر كل ما يتعلمه المتعلم حتى وان كانت المحتويات المعروضة من المستوى الراقي جدا . المعلم/المربي الذكي يعامل المتعلم من داخل عوالمه النفسية والوجدانية ومن قلب مخاوفه ، وبالانصات إلى ما يتطلع إليه دون أن يتمكن من الافصاح عنه ، المعلم الذكي هو الذي يبذل الجهود القصوى لكسب ثقة المتعلم قبل البدء في أية معاملة تربوية .

إن مهام المدرس إذا ما أراد أن يصبح إنسانا أخلاقيا ، أي إنسانا مهووسا بخدمة الآخر ، هي محاولة الاقتراب من وجوه التلاميذ ، بشكل جمالي لا بشكل معرفي أو تربوي خالص . معنى ذلك : أنه إذا ما كان هناك من شيء يجب الكشف عنه في تلك الوجوه فهي الحكايات والصعوبات والطاقات والممكنات الثورية التي تحملها والتي تظهر ناذرا على السطح .

ما يحصل هو أنه ما إن نسعى إلى إرسال معارف نظرية موضوعية وعلمية ، مفصولة عن واقع المتعلم ، حتى يبدأ هذا الأخير في الاحساس بأنه ضيف على القسم لا مشارك في إنتاج المعرفة . وهذا هو السبب العميق وراء التخلف التربوي المغربي ، لذلك يستحيل توصيل أي شيئ هام من دون الانطلاق من واقع ونفسية المتعلم ، وهذا يتطلب أساتذة بحس إنساني تواصلي صارم وذكي .