وجهة نظر

“أمة إقرأ ضحكت من جهلها الأمم” ويح و ويل للعرب، من شر قد حل ولا أقول قد اقترب

جاء في الحديث الشريف “ويل للعرب من شر قد اقترب”، قالها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أزيد من 14 قرنا، أما اليوم فحق لنا أن نقول ويح وويل للعرب.. وويح وويل كلمات عربية لها وزنها و مدلولها في لسان العرب و العجم، خاصة في زماننا هذا من أيام العرب التعيسة هذه. ومعنى كلمتي ويح وويل في القواميس متقاربة و متداولة وددت لو وجدت أبلغ منهما للتعبير عن مرارة الحالة والهم و الغم الذي أنتاب جاليتنا المسلمة في ديار غرب مضيافة رغم الداء و الأعداء ..

.. و قد جاء في مختار الصحاح أن وَيْحٌ كلمة رحمة وويل كلمة عذاب وقيل هما بمعنى واحد تقول ويح لزيد وويل لزيد ، وكذا ويحك وويلك وويح زيد وويل زيد ، أو تَعْسا له وبُعدا له ونحوهما

المعرض الدولي للكتاب والصحافة حدث ثقافي أوروبي متميز
طيلة

أقول هذا الكلام اليوم و القوم في عطلة ربيعية مزهرة، تصادف نهاية شهر أبريل و بداية شهر ماي من كل سنة تقريبا، مقترنة بالافتتاح الرسمي للمعرض الدولي للكتاب بسويسرا، و هو موسم عطلة ستة أيام عموما في أغلب دول أوروبا، بحيث يجعل من المعرض الدولي للكتاب والصحافة حدث ثقافي أوروبي متميز طيلة أيام التظاهرة، وهو معرض ضخم بعد أن إزدان السنة قبل الماضية بضيف شرف عملاق متمثل في الدولة الروسية، عملاق تاريخا و حضارة و لغة، كما استضاف السنة الماضية ضيف شرف بلون عربي باهت، المتمثل في تونس الصغيرة التي لم تكن في مستوى الحدث لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية وثالثة سياسية ضيقة، لا داعي لشرحها، لأن أصحاب المهنة همشوا من طرف الوزارة الوصية و بعض الساسة، و قد سال حبر كثير ولعاب أكثر و سجال بين الاشقاء في تونس حول أسباب تضييع مثل هذه الفرصة السانحة لتظاهرة تربوية وثقافية، لا داعي للإطناب فيها..
لأن المعرض الدولي للكتاب والصحافة بجنيف أصبح بعد 31 سنة تقليدا سنويا يزوره أكثر من مائة ألف زائر، و يتربع على مساحة 32 ألف متر مربع، أي مساحة أربعة ملاعب كبيرة، كما تعرض فيه أزيد من 800 دار نشر كتبها، وما يربو عن عدد مماثل من الكتاب والمترجمين ينشطون ورش ومحاضرات وطاولات مستديرة تفوق ألفي تظاهرة بلغات شتى. كما تزور المعرض وفود من الطلبة والتلاميذ من داخل سويسرا وخارجها، لاقتناء الكتب والتدرب على الكتابة والرسم في أجنحة مخصصة، كما تنقل التظاهرة بالصورة والصوت عشرات المحطات التلفازية و وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة، بغض النظر عن البث الحي هذه السنوات حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي ..
و للسنة الخامسة، أبدع معرض جنيف بتظاهرة جديدة ، أسمها “الرعات والمهارات” وهي عبارة عن دمج مجهودات أقلام عريقة وذات تجربة مع أقلام جديدة شابة، و يشترك كاتب “كهل” مع كاتب “شاب ” في مقتبل العمر، لكتابة كتيب صغير، إما عبارة عن حوار أو دردشة أو مساهمة مكتوبة في فن من فنون المعرفة، وهي مبادرة يلهث وراءها شباب سويسرا، لكسب التجارب من أصحاب الأقلام التي لها باع طويل في الكتابة والـتأليف.

غياب تام لكل الدول العربية بما فيها الخليجية

لان تعذر حضور بعض دول “الربيع العربي” لأعذار مقبولة أو مفهومة نوعا ما العم الماضي، و لم تحضر إلا المغرب و تونس، و تغيبت لثاني مرة المملكة العربية السعودية، التي أعتاد جناحها على توزيع المصحف الشريف مجانا بلغات شتى، و كتب دينية وعربية، كما تغيبت قطر والكويت ودول الخليج لأسباب غير معلومة، إلا أن بعض المنابر تروج أن الوضع السياسي و الأمني كان مبررا لتعذر مجيء دول الخليج، وهذا الذي لم تستسغها جاليتنا الإسلامية في الغرب.
عموما المشاركة العربية الرسمية هذه السنة كنت كارثية، كانت صفر على صفر، نعم ولا دولة عربية واحدة جاءت للمعرض الدولي للكتاب ولما استفسرنا مع رئيسة المعرض” اليرزابيث فالكوني”، ردت بعذر أقبح من ذنب، بقولها هناك حضور بعض عروض الجمعيات الانسانية والثقافية العربية كالعمل الذي تقوم به مثلا ” المكتبة العربية بجنيف ” لصاحبها المسيحي العربي ألان بيطار، الذي روج دون قصد لأقلام متمردة عن القيم والاعراف، خاصة عرض و بيع بعض ترجمات القرآن الكريم، التي حذر منها العام و الخاص.

ويل لطباخي سياستنا الثقافية والتربوية في عالمنا العربي

فويح وويل، بهذه الرزية، لطباخي سياستنا الثقافية والتربوية في عالمنا العربي، الذين لم يقدروا للعلم منزلته، متناسين أهمية دور العلم في استنهاض الأمم، ورسالة الكاتب والكتاب للأمم، أم تراهم ينسون أو يتناسون أننا “أمة إقرأ”، و كلمة “إقرأ” هي برنامج حياة تمر عليه سياسات دولنا مرور اللئام و ليس الكرام، إذ يحز في أنفس الزوار العرب في المهجر، أن الكلمة عموما لا تعني لهم شيء، إذ الكلمة – كما يصفها المرحوم المفكر السوري عبد اللطيف الصوفي مؤسس علم المكتبات العربي، والأستاذ الأسبق في علم المكتبات والمعلومات في الجامعات الجزائرية ، أن ” الكلمة، قوة عظيمة في كل عصر ومصر، في كل زمان ومكان، فيها يتجلى الخلق والإبداع، و بها يمكن إحقاق الحق، أو دعم الباطل، إنقاذ الناس أو قتلهم، حشد الجيوش وإعلان الحروب.. إن الكلمة هي القوة الأكثر قدرة على تغيير العقول وتحريك البشر في الاتجاه الذي تريد، فالكلمة ليست وسيلة اتصال فقط، بل أداة هامة للإقناع، إذ بإمكانها أن تصنع القوة، وأن تجعل العالم أفضل”.. هذا العالم الأفضل لن يكون إلا بالكلمة الطيبة التي تسعى إليها مثل هذه المعارض لتلقينها للأجيال البريئة.. فمتى يصحو الضمير الإنساني ويفهم ذلك حكام عالمنا المعاصر نبل قيمة ذلك الزاد الذي لا ينفذ، قيمة “الكلمة الطيبة”..

إنما العربية لسان و ليست عنصرا، ولا عرقا، ولا إنتماء

نحن نلهث وراء العربية ليس لأننا عرب أو نطمع أن نجد ابتكار جديد عند العرب فقد ابتكروا الصفر و بقوا فيه، بل لأن العربية غير ذلك، كما يعرفها البروفيسور السوداني، الدكتور عبد المجيد الطيب في كتابه القيم “منزلةُ اللُّغة العربيةِ بين اللُّغات المُعاصِرةِ (دراسةٌ تقابليةٌ)”، بقوله، أن اللغة العربية هي ليست للعرب، وإنما كل من يتحدث اللغة العربية فهو عربي. لأن كلمة “اللغة العربية” تعني اللغة الواضحة المبينة، و قولنا “اللسان العربي” يعني “اللسان المبين “، كما جاء في قوله تعالى:” لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (النحل 103 )، و قوله أيضا :” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” (يوسف-2 )، فكلمة عربي هنا اللسان الواضح المبين فقط، وليس نسبة للعرب البتة، العرب تحدثوا العربية فسموا عربا وهذه حقيقة يقرها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:” إنما العربية لسان”، العربية ليست عنصرا، و ليست عرقا، وليست إنتماء إقليميا ولا محليا، إنما العربية لسان، و كل من يتحدث اللغة العربية فهو عربي، ودليل آخر غاية في الاهمية في قوله تعالى:” وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه”، والسؤال المطروح إلى من أرسل محمد صلى الله عليه وسلم؟ أرسل إلى ” الناس كافة”، يقول تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا” أي إلى جميع الخلائق من المكلفين كقوله تبارك وتعالى أيضا: ” قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا “،بهذا المعنى تكون العربية هي لسان الانسانية جمعاء بمفهوم هذه الآيات الكريمات.

أنهلك وفينا الصالحون.. نعم، إذا كثر الخبث، ويح وويل.

نعم ويح وويل للعرب “الجدد”.. ويح وويل كما جاء في القواميس، وَيْح [كلمة وظيفيَّة]: كلمة توجُّع وترحُّم وإظهار الشفقة، وقيل: هي بمعنى وَيْل “وَيْحك أيُّها الكاذبُ- وَيْحًا له-، و كما قال الشاعر قيس بن الملوح::
ألا يا طبيبَ الجِنِّ وَيْحكَ دَاوِني … فإنَّ طبيبَ الإنسِ أعياهُ دائِيا
أما نبي أمة أقرأ – صلى الله عليه وسلم- فقد حذر بذات المصطلح، بل وذهب أبعد من ذلك، إذ قال ذات يوم في بيته بيت زينب، -صلى الله عليه وسلم-: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كهذا وحلق بين إصبعيه، قالت له زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث)، يعني إذا كثرت الشرور والمعاصي.. نعم الكثرة في الشرور والمعاصي من أسباب الهلاك، كما قال- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، فالواجب إنكار المنكر بالفعل، فإن عجز فبالقول، فإن عجز فبالقلب، والله – سبحانه وتعالى- يقول: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(المائدة:79) ، فالواجب على المسلمين إنكار المنكر، فإذا كثر الخبث والمعاصي صار هذا من أسباب هلاك الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا لم تنكر.
نعم، ما جاء ويل إلا لأهل الجرائم، وأما ويح فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قالها لعمار الفاضل كأنه أعلم ما يبتلى به من القتل، فتوجع له وترحم عليه !
فقد، جاء عن سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لعمار: “ويحك يا ابن سمية بؤسا لك! تقتلك الفئة الباغية” وقد قال أكثر أهل اللغة إن الويل كلمة تقال لكل من وقع في هلكة وعذاب، والفرق بين ويح وويل أن ويلا تقال لمن وقع في هلكة أو بلية لا يترحم عليه، وويحا تقال لكل من وقع في بلية يرحم ويدعى له بالتخلص منها، ألا ترى أن الويل في القرآن لمستحقي العذاب بجرائمهم: ويل لكل همزة! ( ويل للذين لا يؤتون الزكاة )! ويل للمطففين! وما أشبهها؟

ويلٌ للعرب من ملوكهم، وويلٌ للعجم من سلوكهم

كما يطيب لنا في هذا المقام، نقل ما كتبه إمام البلاغة، العلامة محمد البشير الابراهيمي منذ أزيد من نصف قرن {نشر في العدد 70 من جريدة «البصائر»، 7 مارس سنة 1949}، تحت عنوان، سجع الكهان، قوله :
ويلٌ للعرب، من حبل قد اضطرب، وشرٍّ قد حلّ ولا أقول قد اقترب. قُسم الويل، على العميم والخُويل. فويلٌ للعرب من ملوكهم، وويلٌ للعجم من سلوكهم، وويلٌ للروم من صعلوكهم، جنت على الأصفر ناره، وعلى الأبيض ديناره، وعلى الأسود فدامته واغتراره، وعلى العربي ركْبُه البطيّ، ولسانه النّبطي.
ما أكثر الملوك وأهون العنا، وما أكثر السيوف وأقلّ الغنا، سيوف كالدراهم الزيوف، هذه لا تُقني، وتلك لا تغني، ونعيذ العروبة بالله من ملك لا يدفع، وسيف لا يقطع.
أحاجيكم ولا أناجيكم، مملكة في أفحوص، وعاصمة ليس لها (فحوص)، ودولة بلا صولة، وخزينة من أصفار وخزانة بلا أسفار، وكرسي بلا قوائم وعرش بلا دعائم. عرش كعشّ الحمامة، عُودٌ من غرَب وعود من ثُمامة (الغرَب والثمام: عودان رخوان).
وسيوف مجرَّبة، تخيّرن من يوم “تُرَبَة”، وجيش درّبه الغير، وجرّبه إلاّ في الخير، وبطانة مدّ بها الشّيطان أشْطانَه، وحاشية كالماشية، وأسماء بلا مسمَّيات، ومجازات لا حقائق لها، و(مجازات) كلّها حقائق، وملك يأتمر ولا يحجُّ ولا يعتمر، يَحسُن فيه التّمثيل بملك (التّمثيل).
فلله دركم يا حكام العرب “المتجمد”.. و لله دركم يا حكام الغرب “المتمدد” .. و الله يمهل و لا يهمل و يهدي للتي أقوم، و إن غدا لناظره قريب، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.