وجهة نظر

من أجل مغرب فدرالي

انتفاضة الريف ضدّ الدولة المركزية (هكذا ينبغي أن تُفهم) يمكن أن تُدرس أيضا على أنها مؤشر لمقدار الإنهاك الذي أصاب نموذج الدولة الوطنية التقليدي، ومقدار التذمر الذي استبدّ بالمواطنين في منطقة عانت من سياسة انتقامية دامت لعقود، وتركت جرحا عميقا ما فتئ يتجدّد مع كل تصادم جديد.

عنوان المرحلة الحالية كما يعكسه الحراك الحسيمي هو انعدام الثقة التام بين الريف والدولة، ما يقتضي التفكير ليس فقط في تدارك الوضع الراهن، وهذا مسؤولية جميع أطراف الدولة بدون استثناء، بل وفي التأسيس لمستقبل أكثر أمنا وأمانا واستقرارا، وهذا لن يكون متيسرا إلا مع الانتقال من نموذج دولة أصابه الإنهاك إلى نموذج جديد يبدو أن المغرب يتجه إليه بقوة الأشياء، وهو النموذج الفدرالي.

كانت الحركة الأمازيغية سباقة إلى تطارح فكرة الدولة الفدرالية منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما يفسر كيف بادرت مناطق مثل سوس والريف إلى التعبير عن رغبتها الأكيدة في الحصول على حكم ذاتي بعد إعلان الملك محمد السادس لأول مرة عن مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية سنة 2005، ولهذه الرغبة التي عبرت عنها الجهتان دلالتها الكبيرة، لأنها تعكس مقدار التذمر من مركزة السلطة والرساميل والقيم منذ الاستقلال، ومن تهميش النخب المحلية ومحاصرة المناطق التي لم تجد أمامها آفاق التنمية الذاتية والنهوض، كما تعكس هذه الرغبة تطلع الجهات إلى لعب دور فعال في الترسيخ الديمقراطي وفي النهوض بالأوضاع المتردية انطلاقا من عبقرية الجهات.

يطرح موضوع الدولة الفدرالية تحديا كبيرا على النخب السياسية والمدنية المغربية، حيث يدعوهم جميعا إلى التفكير بشكل مختلف في مغرب ممكن خارج النموذج التقليدي للدولة الوطنية المركزية، وهو أمر من الصعوبة بمكان إذا علمنا بأن معظم هذه النخب قد تربت على مدى نصف قرن على ثوابت الدولة المركزية وبديهياتها السياسية والإيديولوجية (النموذج الفرنسي على الخصوص)، أي أنّ معظم الفاعلين الرئيسيين هم بشكل أو بآخر أبناء “الجاكوبينيزم”، وخاصة منهم المثقفون.

ولعلّ المشكل لا ينحصر هاهنا في مدى قدرة النخب المغربية على استيعاب التحديات الجديدة والتفكير فيها، بل يخصّ أيضا ـ وهذا أمر على قدر كبير من الأهمية ـ مدى قدرتها على الحسم وتوضيح الرؤى فيما بينها من جهة، ثم الاستماع إلى نبض المجتمع ونداء الساكنة التي لم تعد تجد نفسها في أساليب التدبير القديمة. هذا إذا افترضنا توفر إرادة فعلية لدى السلطة لإقرار جهوية موسعة حقيقية قبل الوصول إلى قبول حكم ذاتي للمناطق وإرساء نظام فدرالي، إن لم يكن الأمر يتعلق فقط بتدبير سياسي ظرفي لملف الصحراء.