وجهة نظر

التدخل الملكي في الانتفاضة الريفية.. ضرورة وطنية

1 – منذ أكثر من سبعة أشهر و منطقة الريف المغربي تشهد حراكا نوعيا ، و مسيرات شعبية سلمية تندد بكل مظاهر الإقصاء و الفساد ، و تطالب بمستلزمات العيش الكريم من تطبيب و تعليم و صحة و عمل ، و قد مرت هذه المسيرات و مازالت في جوي من الإحساس بالمسؤولية و الوطنية العالية ، و عرف هذا الحراك مساندة شعبية معتبرة داخل و خارج أرض الوطن ، على اعتبار أن مطالبه الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية تتطابق و أحلام باقي أفراد الشعب المغربي في ربوع المملكة .

و الواقع أن الشارع المغربي قد ينتفض مجددا و كليا إذا لم يتم التعاطي إيجابيا مع ساكنة منطقة الريف المناضلة ، و بشكل يستحضر روح الدستور الجديد و خطاب 9 مارس الذي عد انعطافة مفصلية في تاريخ المغرب الجديد . و ما من شك في أن عوامل كثيرة لعبت لصالح هذا الحراك و مكنته من القوة و البقاء و التمدد ، لعل أقلها الانحسار الحكومي الذي قارب الخمسة أشهر ، أمضاها السيد عبد الإله بنكيران ” يفاوض ” و ينتظر على أحر من الجمر اللحظة التي سيتم فيها تشكيل حكومة ما بعد استحقاق السابع من أكتوبر 2016 ، لكن دون نتيجة ، حيث أبانت الأحزاب الصغيرة جدا عن ” علو كعبها ” في المناورات و الاشتراطات التعجيزية لتحميل عبد الإله بنكيران مسؤولية فشله في هذه المهمة ، ليتم تنصيب حكومة برئاسة السيد سعد الدين العثماني في لحظة زمنية قياسية ، و ضمت هذه الحكومة العثمانية الفضفاضة ست هيئات حزبية متضادة ” أيديولوجيا ” و شعبيا و على مستوى ” البرامج ” ، فبدت للشعب المغربي و كأنها انتقام لأصوات المواطنين الذين جددوا مرة أخرى ثقتهم في سياسة متابعة الإصلاح في إطار الاستقرار التي انتهجها أمين عام حزب العدالة و التنمية .

2 – و إذا كنا نقدر السيد سعد الدين العثماني و نعترف بوطنيته الصادقة ، و قدرته على التعاطي مع عدد كبير من الملفات الوطنية و الدولية بقدر كبير من النجاح ، إلا أننا نعتقد دون أي رغبة في التقليل من أحد أو تحجيم إمكاناته في تدبير شؤون المرحلة ، أن الحكومة الراهنة هي أضعف حكومة عرفها المغرب المعاصر ، لأنها جاءت متناقضة مع أفق انتظار الشعب المغربي الذي كان يتطلع إلى حكومة مصغرة ومكونة من أحزاب قوية و منسجمة و ذات مصداقية شعبية ، بيد أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح ، و بدت الدولة المغربية العميقة و كأنها تستفرد بالقرار ، و ترضى عمن تشاء و تغضب ضد من تشاء ، بعيدا عن مخرجات الاستحقاقات الجماعية و البرلمانية و مضامين دستور المملكة الجديد و الخطب الملكية بالغة الأهمية .. كل ذلك جعل الشعب المغربي يصاب بإحباط بالغ الخطورة ، و الكفر بالهيئات الحزبية و النقابية و المؤسسات الرسمية ؛ من حكومة و برلمان و جهة .. و اللجوء إلى الشارع كفضاء للتعبير عن الآلام و الانكسارات ، و المطالبة بالحقوق المدنية و السياسية و الاجتماعية .. مع ما قد يشكل اختيار الساحات العامة من مخاوف لا يحمد عقباها . و لعل الكساح الحكومي المؤكد ضاعف من قوة الانتفاضة الريفية و ساهم في مد عمرها و إيقاد شعلتها إلى الآن ، و نخشى ما نخشاه أن يطول مرض حكومتنا المغلوب على أمرها ، و تنتقل عدوى الحراك إلى باقي أطراف مغربنا العزيز .

3 – لذلك فهناك إجماع من قبل المراقبين المحايدين و المعنيين الصادقين بالشأن السياسي الوطني على أن التدخل الملكي كيفما كان شكله ، ضرورة حتمية لتجاوز هذه الأزمة الوطنية العصيبة ، و كم نتمنى أن يكون تدخلا شبيها بخطاب 9 مارس التاريخي ، لطمأنة الشعب المغربي على أن الخيار الديمقراطي أمر لا رجعة فيه ، و أن ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس كلام الليل الذي يمحوه النهار ، و أن مبدأ السيادة للأمة التي تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة ، بالاقتراع الحر و النزيه المنتظم لا يمكن وضعه في الرفوف ، و أن القراءة الديمقراطية لأحكام و فصول أسمى قانون للأمة المغربية يجب أن يصبح كائنا ملموسا يمشي على قدميه و يتجول في الشوارع ، و الضرب بيد من حديد على من سولت له نفسه إهدار المال العام و تأخير المشاريع الاستراتيجية في كل ركن من أركان المملكة .

هذا و إلى أن يتم إصلاح أعطاب الحكومة العثمانية الغارقة في الصمت المقلق و العجز المثير للاستغراب ، ليس أمامنا سوى الملك الذي نرى فيه الملجأ الوحيد لحلحلة هذه الأزمة المنذرة بالتمدد الذي قد يلحق بالوطن مصاعب لا قبل لنا بها ، لا قدر الله ، و أملنا أكبر أن يتم ذلك مع إطلاق سراح كل المعتقلين ، و إعفاء بعض المسؤولين الذين ساهموا بحسن أو سوء النية في إشعال لهيب الفتنة ، و على رأسهم وزير الداخلية المثير للجدل و وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية الأبدي ، و القطع مع بعض المسلكيات السياسوية البائدة ، من قبيل الإعلام التلفزيوني البوليفوني ، الغارق في الأحادية الصوتية ، والرفض المسبق و الممنهج لصوت المخالفين للخطاب الرسمي ، و تجنب الاقتداء بالدول العربية الفاشلة أثناء التعامل مع احتجاجات الشارع ؛

إن صورة البلطجية و ما يسمى بالشباب الملكي يقدم صورة مقززة و منفرة للمنجز الجيد للمملكة المغربية في أكثر من صعيد ، وفي المحصلة الأخيرة الشباب المغربي كله ملكي ، يطمح إلى المساهمة في بناء مغرب الكرامة و العدالة و الحرية و الديمقراطية بحصر المعنى !

الصادق بنعلال – كاتب من المغرب