وجهة نظر

الملكية وتطور المخيال الشعبي

الملكية في المغرب أنهكها الفساد المستشري في جميع مرافق الدولة، فقدت شيئا من بريقها في العقدين الأخيرين وبالخصوص بعد حركة 20 فبراير، لم يعد الملك مقدسا في المخيال الشعبي، ووليا من أولياء الله تنزل بركاته على الشعب في كل مدينة وفي كل قرية؛ يخرجون في كل قرية محتجين على “عمال جلالة الملك” و”ولاة جلالة الملك” رافعين صور الملك، غير واثقين في ممثليه ولا في أي حزب ولا في أي وزير ولا في أية حكومة؛ يشعرون أن بركة الملك لم تعد تربطهم بها شعرة، فيطلبون منه أن يتدخل مباشرة لإنصافهم وتصحيح أوضاعهم. والأخطر في كل ذلك أن الاعلام الرسمي والملقبين حديثا ب”العياشة” ساهموا في تعميم هذه الصورة وانتشارها في ربوع المملكة ظانين أنهم ينصرون الملك ويعلون من شأنه بإظهاره الملاذ الوحيد والأمل الوحيد للشعب؛ بينما هم إنما يساهمون في انهيار قيم الدولة مجتمعةً وحصرها في مسؤولية شخص الملك وحده. من الناحية السيميائية هو تطور خطير بدأ بزعزعة صورة الملك في مخيلة الشعب وينبئ بزعزعة استقرار النظام في واقع معيشهم..

وبعد ذلك، يبدو أن حزب العدالة والتنمية، بعد أحداث الربيع العربي بفضل شعبيته هو الذي استطاع أن يسترد بعض القيمة للدولة وللمسؤولية السياسية الاجتماعية، خصوصا بعدما وطد رئيسه عبد الإله ابن كيران ركائزه، ودعم الملكية وأنقذ الوضع من الانهيار الكامل بمشروعه الاصلاحي في ظل الاستقرار، وبإخلاصه للملكية إلى درجة أن يؤخذ عليه أنه ملكي أكثر من الملك، وبصدق خطابه ووضوح مواقفه ونظافة يده وزهده عن الغنى الفاحش وعلاقته المتواضعة بطبقة الفقراء وعموم الطبقات الاجتماعية. فرح الفقراء وفرح التواقون للديموقراطية بقدوم ابن كيران للحكومة ظانين فيه خيرا ومعينا للملك البريء على محاربة قوى الفساد الضاغطة ولترسيخ الديموقراطية والحق والعدالة الاجتماعية.

وبعد إعفاء الملك لابن كيران، وإغلاق قوس الانتقال الديموقراطي، قبِله هو وحزبه سمعا وطاعة؛ لكن الحقيقة أن جزءا مهما من الشعب لم يقبله ولم يستسلم لأسبابه؛ وجزءا أخر، وإن لم يتفق مع ابن كيران وحزب العدالة والتنمية في رؤيته للإصلاح، لم يستسغه ولم يطمئن للمستقبل. فقد الناس ما تبقى لديهم من الأمل، وتأسفوا لقدرة قوى الفساد وبطانة السوء على التأثير في إرادة الملك وإرادة الشعب في الإصلاح؛ فعاد الوضع إلى ما كان عليه لينذر بالتطور من السيئ إلى الأسوأ..
وأما بعد.. فلله عاقبة الأمور ..