مجتمع

النبلي: لم أندم على اختيار الصحافة .. والمساري أثر في كثيرا

نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون “في عمق” المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان.

التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح.

ضيفة الحلقة الجديدة ضمن هذه السلسلة مع الصحفية بموقع “العربي الجديد” حنان النبلي، ابنة مدينة الدار البيضاء.

ما الذي تتذكرينه من طفولتك؟

نشأت في أسرة محافظة وبيت متعدد الأفراد، لكن أبرز ما ميز طفولتي هو قضاء معظم العطل المدرسية في البادية، حيث حقول القمح الذهبية والأوقات الطيبة بين أفياء الشجر رفقة بنات أعمامي، وعيشنا لكل شظف البادية ومتعتها، من جلب الماء من البئر للشرب والسقي إلى مواسم الحصاد وما يرافقها من عادات وتقاليد.

أتذكر أيضا شغبنا الطفولي ونحن نصنع من أغصان الأشجار “صافرات” نقلد بها أصوات العصافير، ونلف بين شجرتين حبلا لنصنع أرجوحة ننثر فيها فرحنا الطفولي، وكم كانت السعادة تغمرنا ونحن نتسابق في ساعات الصباح المبكرة لمرافقة جدي سواء لقطف فاكهة “التين الشوكي”، من البستان المحاذي للمنزل وغمرها في دلو الماء لتناولها باردة في وجبة الإفطار، أو لجلب الحطب من الغابة للطهي والتدفئة.

كيف جاء التحاقك بالصحافة؟

التحاقي بالصحافة كان بعد اتصال تلقيته من رئيس تحرير مجلة نسائية شهرية ودعوته لي للانضمام إلى فريقها الشاب، بعد أن اطلع على تقرير منشور لي سنة 2009، كانت هذه أول قدم أضعها في عالم الصحافة، انتقلت بعد ذلك للعمل في جريدة أسبوعية “المشعل”، وكنت أحرص على جعل بصمتي حاضرة فيها من خلال ربورطاجات وتحقيقات وأخبار.

ولأن الصحافي هو رحالة صغير كما يقال، فبعد حوالي 3 سنوات من العمل هناك، انتقلت للعمل في إحدى اليوميات التي لم يكتب لها الاستمرار ويتعلق الأمر بـ “صحيفة الناس”، حيث كان التركيز أكثر على العمل الميداني والتحقيق الصحفي الذي أعشقه ويحقق للصحافة اثنين من أهم ركائزها، الميدان/المصدر والتثبت والتحقق من المعلومة، أعقبته تجربة قصيرة في الموقع الإلكتروني “فبراير.كوم”، قبل أن يستقر بي المقام حاليا صحفية محررة بموقع صحيفة “العربي الجديد” ومقرها لندن.

هل كنت تتوقعين يوما أن تصيري صحافية؟

كنت مهووسة بالعمل الصحفي والأدب أيضا منذ الصغر، عِشقيْن يصعب الفصل بينهما، التهمت العديد من المجلات والقصص وعمري لا يتجاوز الـ 5 سنوات، كما كتبت للمجلة الحائطية بالمدرسة، وأتذكر أنني نافست على لقب أحسن مذيعة في المرحلة الإعدادية، درست الأدب وتفوقت فيه وحصلت على الإجازة في الدراسات الأساسية، واستطعت في المرحلة القادمة أن أوازن بينهما، فاحترفت الصحافة وتابعت دراسة الأدب إلى أن حصلت على ماستر في الدراسات الأدبية والثقافية.

بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك الخاصة؟

يستهويني السفر والترحال، لما يتيحه من خبرة وتجربة، فهو معمل لاختبار ثقافة وعادات الشعوب والتعرف على اللغات، إنه كما قال الشافعي “تفريج هم واكتساب معيشة”، كما أعشق الرواية والقصة القصيرة، وأجد متعة بالغة في التصوف أدبا وشعرا وموسيقى.

ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟

هما مدينتان إن صح القول، الدار البيضاء التي أبصرت فيها النور، أحبها بضجيجها ومفارقاتها الكثيرة، وكلما غادرتها أشعر بالاغتراب، ثم مدينة الصويرة القريبة إلى قلبي بروحانيتها وأحيائها القديمة والصنوبر العتيق.

ألا تشعرين بالندم لأنك لم تختاري طريقا آخر غير الصحافة؟

برغم المتاعب والضغط الذي يفرضه التعاطي مع هذه المهنة، خاصة في ظل التحولات المجتمعية والثورة التكنولوجية الحالية، وبغض النظر عما تفرضه من تضحيات خاصة إذا تعلق الأمر بزوجة وأم، فلا مجال للندم أبدا على مهنة جعلتني في قلب الحدث، قربٌ يُدمي القلب أحيانا، لكن أضعف الإيمان أن نساهم في نقله بأمانة ويكون لنا دور فاعل إزاء مجريات الأحداث.

ما رأيك في واقع الصحافة بالمغرب اليوم؟

الصحافة عالم دائم التغير، والتطور التكنولوجي السريع الذي يعرفه قطاع الصحافة يستدعي بذل مجهودات كبيرة، لاسيما في تجويد المحتوى بالنسبة للمواقع الإلكترونية، والعمل على توفير بيئة مشجعة لصحافة وطنية مستقلة وحرة، خاصة أن العديد من التقارير الدولية تصنف المغرب في ذيل اللائحة فيما يتعلق بحرية التعبير وممارسة الصحافة، ولا يمكن أيضا إغفال المتابعات القضائية لعدد من الصحافيين المغاربة، ومنها متابعة بعض الصحافيين على خلفية أحداث الريف الأخيرة.

كما لا تفوتني الإشارة إلى قانون الصحافة الجديد، الذي ضم قيودا تحد من حرية الصحافيين في ممارسة عملهم، وإن كان يحسب له استبدال العقوبات السجنية بالغرامات المالية، والحماية القضائية لسرية المصادر.

ألا تظنين أن دور الصحفي ليس هو دور السياسي؟

أعتقد أن الصحافي ليس فاعلا سياسيا وإنما يؤثر في السياسة بشكل كبير، دوره هو نقد أعطاب السلطة، ودق ناقوس الخطر، ومراقبة الشخصيات العمومية التي تتقاضى راتبها من المال العام في احترام تام لأخلاقيات المهنة.

هل تفضلين أن يصفك الناس صحافية أم كاتبة؟

بالمفهوم التقليدي، يعتبر الصحافي مثقفا قادرا على الكتابة في كل المواضيع، ما يقتضي التصاقه بالمجتمع وما يعتمل فيه من تحولات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية، وكل صحافي هو كاتب، طالما أن الكتابة جزء مهم من عمله، لكنني صحافية.

هل أنت منتظمة في أوقات الكتابة؟

عملي التحريري يتطلب الكتابة والمراجعة في المعنى والمبنى لأكثر من ثماني ساعات يوميا، بالإضافة إلى موادي الخاصة وتغطياتي للشأن المغربي حسب ما يسمح به ضغط العمل.

ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟

الحب: إكسير الحياة، يموت المرء بدونه وهو على قيد الحياة

الوطن: هُوَ البَطنُ الثَانِي الذِي يَحمِلُنَا بَعدَ بَطِنِ الأُمِ.

الحرية: شرط وجود كل إنسان

ما رأيك في هؤلاء؟

أمينة السوسي: أو أمينة أجانا عاشقة الميكروفون وأيقونة الأثير

عائشة الشنا: لسان الأمهات العازبات بالمغرب

العربي المساري: إعلامي ودبلوماسي وذاكرة حية لا تموت، أثر فيّ كثيرا مساره الغني وما تركه من مؤلفات في موضوعات أدبية وسياسية وتاريخية.

الطيب لعلج: هرم فني كبير