مجتمع

كندالي: التحاقي بالصحافة لم يكن صدفة وصاحبة الجلالة فقدت مصداقيتها

نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون “في عمق” المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان.

التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح.

ضيف هذه الحلقة مع الصحفي بجريدة الاتحاد الاشتراكي جلال كندالي، ابن مدينة سطات.

ما الذي تتذكره من طفولتك؟

تلك أيام كانت فيها أرواحنا متخمة بالطهر والعفوية، وقلوب تتنفس الصفاء والإخاء بعيدا عن ثقل الحياة اليوم.

ككل الطفولات الأخرى، عشتها بشغبها الجميل، لا نحسب أي حساب لصروف الزمان، كما نقول “كل نهار ورزقو”. نلعب إناثا وذكورا لعبة “الغميضة “أو “كاش كاش” أو كما كنا نسميها “قاش قاش” دينيفري أو زينيفري “اللبي الترونبية”.

في المساء نكون متعبين، وكانت حناتي رحمها الله بمثابة ملجأنا، حيث نتحلق حول هذه الجدة الاستثنائية، فتقص علينا الحكايات الشعبية مثل قصة “هاينة والغول” و”صابرا والديب” وغيرها من الحكايات العجائبية والغرائبية، إلى درجة أننا كنا نعيش عالمين منفصلين تماما، عالم الواقع وعالم الخيال، لذا استوعبت ولم تدهشني بالمعنى السلبي الأزلية للمرحوم محمد حسن الجندي حينما كانت تبث على أمواج الإذاعة الوطنية.

فبرنوخ الساحر وعاقصة وسيف ذي يزن وعيروض وغيرهم من الشخصيات الخرافية، ليست بغريبة عن مخيلتي، ويعود الفضل إلى ذلك الى الحكايات التي كانت تسردها جدتي الحاجة عائشة رحمها الله، وهو ما دفعني وأنا في سن المراهقة، أن أدون هذه الحكايات مروية على لسان حناتي وعلى لسان نساء دوار اطواسة بقبيلة أولاد سعيد سطات، ولما كبرت والتحقت بعالم الصحافة نشرت هذه الحكايات بجريدة الاتحاد الاشتراكي في إحدى فسحات رمضان، حيث تولى الشاعر الباحث الصديق عبدالرحيم بوعسرية رحمه الذي كان يوقع باسم رضا أبوشادي قراءة هذه الحكايات، وأذكر أن العديد من الأصدقاء والقراء حرصوا على تجميع هذه الحلقات لسرد الحكايات على أطفالهم قبل النوم.

كيف جاء التحاقك بالصحافة؟

الالتحاق بعالم الصحافة لم يكن صدفة، إذ كنت أراسل جريدة الاتحاد الاشتراكي من مدينة سطات، حيث كانت الجريدة واجهة لفضح الفساد الذي ينخر المؤسسات آنذاك وغيره، وكان لهذه المقالات أثرها وصداها، بحكم أن الراحل إدريس البصري وزير الداخلية القوي كان ابن المنطقة، وبالتالي فكل مسؤول كان يتخوف من المقالات خاصة التي تنشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي، خوفا من لعنة البصري، وقد وجدت في الصديق والزميل الهادن الصغير السند القوي، قبل أن التحق سنة 2001 بالمقر المركزي بالدار البيضاء لجريدة الاتحاد الاشتراكي.

هل كنت تتوقع يوما أن تصير صحافيا؟

بالعكس كان هناك توقع، إذ قبل الالتحاق الرسمي بمهنة المتاعب، كنت بحكم الالتزام النضالي في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نعقد لقاءات سواء في المقر أو المقهى، حيث عادة ما أثير موضوعا للنقاش، سواء تعلق الأمر بالوضع السياسي أو الإجتماعي في المغرب، وكذلك حول البرامج التلفزية، وأتولى كتابة موضوع في هذا الباب خاصة في الجانب المتعلق بالبرامج التلفزية، ويتم نشرها في ملحق إذاعة وتلفزة بجريدة الاتحاد الاشتراكي في عهد الراحل مصطفى المسناوي.

بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك في السياسة والثقافة والرياضة والمجتمع؟

طبعا تدرجت في كل المناصب الحزبية في حزب الاتحاد الاشتراكي، انطلاقا من كاتب فرع الشبيبة الاتحادية بسطات وعضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية وعضو مكتب فرع الحزب بسطات والكتابة الإقليمية والكتابة الجهوية لجهة الشاوية ورديغة وعضو اللجنة المركزية للحزب في عهد سي عبدالرحمان اليوسفي.

كما كنت من مؤسسي الرابطة المغربية للزجل سنة 1997 إلى جانب أسماء وازنة مثل أحمد لمسيح، ادريس المسناوي محمد مثنى عزيز بنسعد ادريس العطار بوعزة الصنعاوي محمد جنيح حفيظ لمتوني والفقيد محمد الراشق والإعلامية نهاد بنعكيدة وغيرهم، كما أتولى مهمة الرئيس المنتدب لجمعية المحمدية للإعلام والتواصل والكاتب العام لجمعية المغرب العميق لحماية الثرات التي تنظم المهرجان الوطني للوتار بالإضافة إلى العضوية في في المجلس الإداري للنقابة الوطنية للصحافة المغربية وأنا مستشار بجماعة سطات.

ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟

سطات طبعا، لأنها مسقط الرأس والهوى. سطات بلادي

ألم تشعر بالندم لأنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟

الصحافة في المغرب كانت تمارس كقيم ومبادئ ونضال وكانت تمثل صوت المجتمع، وشكلت رسالة مجتمعية، للأسف ملامح الصورة التي كانت تحملها المهنة ويحملها المهنيون تغيرت بشكل كبير اليوم، وانتشر ما نسميه (بالنجارة وسراق الزيت) للأسف. من هذا المنطلق نادم على هذا الاختيار.

ألا تظن أن دور الصحفي ليس هو دور السياسي؟

أعتقد أن دور الصحافي الحقيقي أعمق من دور السياسي، فالصحافي دائما في خط تماس مع قضايا البلاد الحارقة، التي عادة يكون فيها السياسي في موقع المساءلة والمتابعة.

هل تفضل أن يصفك الناس صحافيا أم كاتبا؟

الأصل في الصحافة في المغرب هو الكاتب، والنماذج عديدة هنا، الفقيد محمد عابد الجابري، أحمد السطاتي عبدالكريم غلاب محمد الأشعري عبد اللطيف جبرو محمد الحبابي عبدالجبار السحيمي عبد الرفيع الجواهري محمد البريني محمد باهي … هؤلاء وغيرهم أصل القصة والحكاية، لي الشرف أن أحمل صفة الكاتب.

هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟

إذا كان السؤال مرتبطا بالعمل الصحفي، فأخلاقيا ملزم بذلك بمنطق الواجب المهني، أما بالنسبة للإبداع فالأمر مرتبط بالمزاج والظروف النفسية.

ما رأيك في واقع الإعلام المغربي؟

من كثرة ما تعددت العناوين ضاعت الحقيقة، ولم يعد القارئ أو حتى المتتبع قادرا على معرفة أين الحقيقة، إذ نجد الخبر ونقيضه في نفس الآن، دون أية مساءلة، في حين أن القاريء في الماضي لم يكن يعاني من هذه الإشكالية، ومن عايش هذا الزمن يتذكر أن لا أحد كان يشكك فيما ينشر إذ كان يقال تدليلا على المصداقية “راها خارجة فالجورنال”.

هل من طُرفة وقعت لك في محراب صاحبة الجلالة؟

ذات مرة اتصل بي أحد المناضلين، طلب مني أن أنشر له تعزية، لكن اختلط الأمر واختلطت علي الاسماء، وعوض أن أنشر اسم المتوفى، نشرت اسم والده، وقد اطلع على التعزية بعد النشر معارفه وأصدقاءه وتوجهوا إلى البيت لتقديم واجب العزاء، ليتفاجؤوا بأن الرجل حي يرزق وأن المعني هو ابنه رحمه الله.

ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟

الحرية: مطلب فطري وطبيعي وتعجبني مقولة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”. ما أحوجنا اليوم إلى هذه الحكمة.

الحب: به نحيا ونعيش وعليه، ومن لا يتنفسه يموت.

الوطن: هو “لاكارت ناسيونال” الحقيقي للمرء، وهو بصمة القلب والإحساس، ولا يحس بمكانة الوطن إلا من افتقده. فمن تربته تشكلت عظامنا، وعلى رأي الكاتب الكبير جلال عامر “قد نختلف مع النظام لكننا لا نختلف مع الوطن ونصيحة أخ لا تقف مع «ميليشيا» ضد وطنك حتى لو كان الوطن مجرد مكان ننام على رصيفه ليلا”ً.

ما رأيك في هؤلاء؟

اليوسفي: رجل بوطنيته الكبيرة أنقذ المغرب من السكتة القلبية، كبير في إيمانه بالوطن، قل فيه اليوم الكبار ما أحوج الوطن اليوم لأمثاله.
علال الفاسي: عالم ومفكر وسياسي ومجدد ومن الأسماء التي دعت إلى نوع من السلفية التجديدية في القرن العشرين، رفقة محمد عبده ورشيد رضا ومحمد الطاهر بن عاشور. والكل يتذكر نضاله لاستقلال البلاد.

محمد عابد الجابري: فيلسوف مفكر، ربى أجيالا بصفته أستاذا جامعيا، أعطى الشيء الكثير للإنسانية من خلال مؤلفاته القيمة، وهو أيضا كان صحفيا ولي الشرف الكبير أن أكون ضمن هيئة تحرير صحيفة الاتحاد التي كان ينتمي إليها رحمه الله.

الطيب الصديقي: قامة كبيرة في الثقافة والمسرح والحياة، عرفته أكثر من خلال حوار / سيرة ذاتية مع الراحل الفنان القدير مصطفى سلمات، حيث كان لي الشرف بصحبة الزميل العربي رياض نشرها بجريدة الاتحاد الاشتراكي عبر حلقات.