من جمالية الدين

إن المتأمل في فلسفة هذا الدين الخالد، يكتشف أن الإسلام دين شامل، جامع ومانع، يقول الله عز وجل: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فكمال الدين من جماله، وكمال الإسلام يتجلى في تمام أحكامه وتشريعاته وصلاحيتها لكل زمان ومكان، يقول الله تعالى:( ما فرطنا في الكتاب من شيء)، فمن يقرأ كتاب الله بتدبر وتفكر يستشف الحس الجمالي للإسلام، يقول الله تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)، فالأنعام فيها منافع كثيرة للناس، لكن الله تعالى تكلم عن المنفعة هنا في سياق مستقل عن الجمال، فالاستمتاع بجمال الأنعام يضاف إلى المنافع التي تحققها للإنسان.

وقد اكتفيت بالإشارة إلى نموذج الأنعام في القرآن فقط، وإلا فكتاب الله مليء بالجمال، ومن هنا أود أن أشير إلى دافع الكتابة في هذا الموضوع (من جمالية الدين).
أولا: عندما أهاجر بعيدا عن الوطن إلى بلاد العم سام، وأحاول عقد مقارنة بين المغرب وأمريكا، تتبين لي فوارق كبيرة سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا… وهنا أتساءل: ديننا دين الجمال ومع ذلك نفتقده في حياتنا اليومية؟ وعندما أّذكر لك أخي وأختي الجمال فلا ينصرف ذهنك إلى زاوية محددة فقط، بل إني أقصد الجمال بشكل عام وسوف أحدد بعض تفصيلاته في ثنايا هذا المقال المتواضع.

ثانيا: قراءة كتاب (جمالية الدين معارج القلب إلى الروح) لشيخنا فريد الأنصاري رحمه الله، الذي فتح شهيتي للموضوع أكثر، فهذا الكتاب جعلني أكتشف معنى الجمال في الدين، وأن الدين ليس مجرد شعائر نقوم بها، وأن الإحساس بالجمال يزيد فهمنا للدين.

فما دام المقال عن الجمال أو الجمالية في الدين، فيستحسن أن نقف عند هذا المفهوم، فما معنى الجمال؟

1ـ الجمال: المفهوم والتأصيل

أـ الجمال في اللغة:

لا أريد أن أتوسع في تعريفه من الناحية اللغوية، سأكتفي ببعض التعاريف فقط.

الجمال: الحسن الكثير، وهو مصدر الجميل، وهو ما يتجمل به ويتزين، وهو ضد القبح، والفعل منه جمل يجمل، يقال: جمل ككرم، فهو جميل وجمال، وجمال (بالضم

والتشديد)على التكثير أجمل من الجميل، وجملهم: أي زينهم.

والتجمل: تكلف الجميل، وامرأة جملاء وجميلة، وهي التي تأخذ ببصرك على البعد، زيادة شيء على الأصل ويقال جاملت فلانا مجاملة: إذا لم تصف له المودة والإخاء،

والمجاملة: المعاملة بالجميل، ويقال: وقد جمل الرجل بالضم والكسر جمالا فهو جميل، وتجمل تجملا: تزين وتحسن: إذا جلب الحسن والبهاء والإضاءة.

ب ـ الجمال في الاصطلاح:

اعتمد العلماء في تعريفهم للجمال اصطلاحا على المعنى اللغوي له، فعرفوه اصطلاحا بأنه رقة الحسن، وهو قسمان: جمال مختص بالإنسان في ذاته، أو شخصه أو فعله وجمال يصل منه إلى غيره، وقال بعضهم بأنه لا يقبل التعريف لأنه معنى وجداني يختلف الناس في تقديرهم له، وإنما يعرف من خلال الأشياء الجميلة.

ج ـ الجمال عندبعض العلماء:

عند ابن القيم: (اعلم أن الجمال ينقسم إلى قسمين: ظاهر وباطن، فالجمال هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته كما في الحديث ” إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بسب ما اكتست روحه من تلك الصفات، فإن المؤمن يعطى مهابة وحلاوة بحسب إيمانه… ”

عند الإمام الغزالي: إن تأثر حجة الإسلام بالصوفية جعل منه يسلك مسلكا خاصا في الوصول للمعرفة، حيت لا يمكن الوصول إلى العلم بالتعلم المجرد، بل بالذوق (نور عرفاني) يقذفه الله في قلوب أوليائه الصالحين، فيعرفون الحق والباطل، ففلسفة الغزالي في ماهية الجمال تقوم على الشك من أجل الوصول إلى اليقين، واستعان بفن الموسيقى في تهذيب ذوقه الجمالي، فلا يعنيه الصوت الموسيقي لذاته بل يؤكد على معنى الصوت الذي يساهم في نقاء الروح، ويقترن الجمال لدى الغزالي بالنسبية من خلال إصدار الأحكام الجمالية، والإنسان أقدر على تذوق الجمال لامتلاكه القدرة العقلية للتمييز بين الجمال الحسي والظاهري، يقول رحمه الله: (لا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم إلا وهو حسنة من حسنات الله، وأثر من أثار كرمه، وغرفة من بحر وجوده، سواء أدرك هذا الجمال بالحواس أم بالعقل، وجمال الله سبحانه أكمل الجمال) .

2ـ الجمال في القرآن الكريم والدعوة إلى ترجمته:

أ ـ الجمال في القرآن:

لابد من الإشارة إلى أن موضوع الجمال في القرآن الكريم من المواضيع التي اهتم بها العديد من المفكرين والباحثين منذ القديم، فمنهم من تكلم عن الجمال من حيث الشكل وتناول الخط العربي وأبرز لنا إعجاز اللغة وسحرها على القلوب، وهنا أذكر لكم كتاب (الجلال والجمال في رسم الكلمة في القرآن الكريم) للدكتور سامح القليني.

ومنهم من تناول الجمال من ناحية المضمون واستخرج لنا منه الكنوز الكثيرة، كما فعل الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله، في كتابه (جمالية الدين معارج القلب إلى حياة الروح)، وكل كتاباته تسير في نفس الاتجاه الجمالي القرآني.

وأحببت أن أقف عند هذا الكتاب لأنه كان سببا داعيا للتفكير في كتابة هذا الموضوع، فجمالية الدين تعني أن الله عز وجل جعل هذا الدين جميلا حتى يكون التدين جميلا، فلا يعقل أن يتصف الدين بالجمال في أحكامه وتشريعاته ولا نجد تجليات هذا الجمال ظاهرة على شخصية المسلم ظاهرا وباطنا، فالجمالية هنا متعلقة بتلك الإرادة الإلهية الجميلة التي قضت أن يتجمل الناس ويتزينوا بزينة الدين، قصد تحقيق العمران البشري في الأرض.

إن جمالية الدين مفهوم شمولي، يمتد ليغطي كل جوانب الحياة وينظم كل العلاقات التي تربط المسلم بربه، وبأخيه الإنسان، ثم في علاقته بالكون، ويمكن أن نضيف علاقة المسلم بالحيوان، وما يطبع ذلك من معاني الحب والجمال، يقول فريد الأنصاري رحمه الله: (ولن يكون التدين ـ من حيث هو حركة في النفس والمجتمع.

جميلا إلا إذا جمل باطنه وظاهره على السواء، إذ لا انفصام ولا قطيعة في الإسلام بين شكل ومضمون، بل هما معا يتكاملان، وإنما الجمالية الدينية في الحقيقة هي: (الإيمان) الذي يسكن نوره القلب، ويغمره كما يغمر الماء العذب الكأس البلورية، حتى إذا وصل إلى درجة الامتلاء فاض على الجوارح بالنور، فتجمل الأفعال والتصرفات التي هي فعل (الإسلام)، ثم تترقى هذه في مراتب التجمل، حتى إذا وصلت درجة من الحسن ـ بحيث صار معها القلب شفافا، يشاهد منازل الشوق والمحبة في سيره إلى الله ـ كان ذلك هو (الإحسان).

إن القرآن كتاب أدب وبيان وبهاء، وجمال وجلال في عباراته، يخاطب فينا القلب والعقل، ويزكي فينا نزعة الخير وينفرنا من الشر، وقد كان لروعته البيانية وحسنه الأخاذ وجماله الفائق أثرا بالغا في نفس الذين كفروا به حتى وصفه الوليد بن المغيرة وقد تأثر بجماله وروعته: (وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه مثمر، وما يقول هذا بشر)، فكيف نستفيد من جمالية القرآن في حركة التدين؟

ب ـ كيف نترجم جمال الدين في حياتنا؟

وفي هذه النقطة سوف أتكلم عن السبب الأول الذي دفعني للتفكير في كتابة هذا الموضوع، والذي يرتبط بهجرتي للعم سام، فدائما يتبادر إلى ذهني فكرة أساسية مضمونها، لماذا يتميز الغرب بالجمال وبلاد العالم الثالث بالعشوائية؟ علما أن ديننا يتميز بالجمال ويدعونا لكي نتحلى بصفات الجمال ظاهرا وباطنا، في حين نجد الغرب يطبق فلسفة الجمال في القوانين التي تنظم حياة مواطنيه، وإليكم المحورين اللذين أريد أن أتكلم عنهما:

1 ـ المسلمون وجمالية الدين أية علاقة؟
2 ـ الغرب وجمالية الدين تطبيق دون قصد.
1ـ المسلمون وجمالية الدين أية علاقة؟

إن الجمال جوهر أساسي في الدين، تشع أنواره من كل تشريعاته وأحكامه، لهذا فالخطاب القرآني كله خطاب الجمال، بين للأمة المعالم الكلية لمنهج التجمل بالدين، فإذا حسمنا في قطعية جمالية النصوص الشرعية فلماذا تعيش الأمة حالة من الارتجاج والتصدع؟

حيث ظهرت فيها الأمراض والأعطاب، اقتصاد مشلول، تعليم متخلف، صحة متدنية، تخلف ورجعية في جميع الميادين …

فمن يتأمل القرآن الكريم سيجد أنه قدم لنا الدين على أنه الجمال الأعلى، وعرضه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة، فقال الله عز وجل عنه (وإنك لعلى خلق عظيم) أي خلق جميل، وقالت أمنا عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن، وعلى نهجه ذهب أصحابه رضوان الله عليهم، لكن مع مرور العقود بدأ فهم الأمة لجمالية الدين يتغير، فتغيرت أحوالها، وفقدت البوصلة، وتشوهت جمالية الدين حتى أصبح التدين يقابل الإرهاب، يقول الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله:(إن معاني الجمال في الدين من صفاء الروح، ومنازل الإيمان، وأحوال الإحسان، لم يستفد منها جمهور كبير من أبناء الصحوة الإسلامية المعاصرة…) .

إن الفهم الضيق لنصوص الوحي ساهم في ظهور فكر متشدد شوه جمالية الدين، فلنتكلم قليلا عن جمالية الدين في بعض المجالات مشيرين إلى ما نحن عليه وما يجب علينا أن نقوم به حتى نحقق الجمال الذي جاء به الدين، وإليكم ما يلي:

جمالية الدين في التعليم: يقول الله عز وجل: ( اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم)، ويقول تعالى في سورة الزمر (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، فالآيات التي تحث الأمة على التعلم والتعليم كثيرة، بل إن أول آية نزلت على سيدنا محمد هي (اقرأ)، فيها جمالية الدين بتعليم الأمة العلم النافع الذي يبني حضارة إسلامية قوية، لكن إذا ما نظرنا إلى الواقع التعليمي بالعالم العربي والإسلامي نجد غياب الجمالية التي جاء بها الدين، وحضور الأمية والجهل، واحتلال الرتب الأخيرة في التعليم عالميا، ناهيك عن غياب الجمالية في مدارسنا ومقرراتنا، فهل حال تعليمنا فيه ما يوحي بجمالية الدين؟

جمالية الدين في الاقتصاد: يعرف النظام الاقتصادي مجموعة من القواعد المنبثقة من الأصول الإسلامية، وتكمن جماليته في بناء قوة اقتصادية تحقق للأمة اكتفاء ذاتيا، ففي السنة النبوية نجد الرسول صلى الله عليه قد فصل في مجموعة من الشرائع التي تمكن الأمة من تحقيق قوة اقتصادية كالزكاة مثلا، وفي مقابل ذلك حرم بعض الأمور التي تضر بالاقتصاد، فحرم الربا قال الله عز وجل: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وجاءت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لتبين لنا مقاصد التحريم، كما حرم الاحتكار والغش في المعاملات، فجمالية الدين في شريعة الزكاة وتشجيع الاستثمار من أجل محاربة الفقر وتشغيل الشباب العاطل، لكن إذا ما نظرنا إلى حال الأمة وجدنا اقتصادها هش ومغشوش، ولم تستطع أن تحقق اكتفائها الذاتي في الأكل والشرب، فكيف لها أن تصنع وسائل الدفاع عن دينها وحدودها؟
فالأمة الإسلامية في حاجة ماسة لمراجعة نظامها الاقتصادي، فجمالية الدين تفرض عليها مراعاة النصوص الشرعية وفهم مقاصدها لتقوية الاقتصاد…

وبعد هذا أحببت أن أشير إلى بعض المواضيع انطلاقا من كتاب الشيخ فريد الأنصاري (جمالية الدين)، نظرا لأهميتها وهي:

جمالية الصلاة أم العبادات: إن المقصد الأساسي من فريضة الصلاة هو ذكر الله تعالى والتقرب إليه، يقول الله عز وجل: ( وأقم الصلاة لذكري) طه الآية 14. واللام في (لذكري) للتعليل، أي أقم الصلاة لأجل أن تذكرني، ولأن الصلاة مناجاة العبد لخالقه، يقول فريد الأنصاري: وللصلاة في الإسلام جمال الدخول في موكب الكون العابد، سيرا إلى الله تسبيحا وتمجيدا. فذلك إذن مقام الأنس الإلهي، حيث يستشعر العبد صحبة الكائنات كلها، تنافسه في حبه الجميل، ووجدانه العليل، وتسابقه في مسراه عبر قافلة العابدين الراجين الخائفين: (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) الرعد الآية 13.

فلننظر حال الأمة اليوم وهي تصلي؟ كم عدد المصلين في المساجد؟ وهل حققت جمالية الصلاة فيها؟ فالإمام يقول في كل يوم (فإن تسوية الصفوف من إقام الصلاة)، ومع ذلك في جل مرافقنا نجد الفوضى، فعندما فرضت الصلاة كان من بين مقاصدها تنظيم الوقت، وفي المقابل نجد أكثر الناس الذين لا ينظمون أوقاتهم أغلبهم مسلمون، يقول فريد الأنصاري: (كان الوقت فكانت الصلاة، وإنما الوقت هو الصلاة)، فاعلم أيها القارئ (ة) أن الصلاة من جمال الدين، هي فضل كلها، ورحمة كلها، بها تصعد روحك في مقامات السماوات إلى رب العالمين لمناداته ومناجاته.

جمالية التوبة:

يقول الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله: (فالتوبة توحيد: ذلك أن العبد العائد إلى الله تائبا، هو عائد إلى الله أولا، ثم هو عائد إلى الله وحده. وفي ذلك ما فيه من اعتقاد أن الله هو وحده سبحانه التواب الرحيم، إذ لا ملجأ منه إلا إليه…).

فمن جمال هذا الدين أن العبد قد يعمل مجموعة من الأعمال الخاطئة فيتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا فيتوب الله عليه.
ويقول رحمه الله: (والتوبة استغفار: إذ هي منزل، أو مقام، والاستغفار بابها، أو إن شئت فمفتاحها، ولذلك قال سبحانه: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه) هود الآية 3.
والتوبة تسبيح: لأنك إذ تستغفر الله وتتوب إليه، وتفرده في عليائه موحدا لذاته وصفاته …فاستقرار هذا المعنى في نفس العبد الفقير، العائد إلى ربه عود ذل وافتقار تنزيه لله في كماله، وتسبيح له في عليائه.

والتوبة دعاء: لأن بابها الاستغفار كما سلف. ولذلك فهي دعاء بما للكلمة من معنى.

إن الأمة اليوم في حاجة ماسة للتوبة لله عز وجل، حتى تتمكن من تحقيق جمالية الدين في الحياة وتبني حضارة إسلامية رائدة.

3 ـ الغرب وجمالية الدين تطبيق دون قصد:

ينظر بعض المسلمين إلى بلاد الغرب على أنها دار كفر، مما يستوجب محاربتهم ومقاطعتهم، بل من المسلمين من يعيش في دولهم ويستفيد من خيراتهم ويمارس شعائره الدينية بحرية أكثر مما عليه في وطنه الأصلي، ومع ذلك عندما يصعد المنبر يدعوا عليهم بالدمار؟؟؟

فمن جمالية الدين أن نطلب لهم الهداية، فإذا نظرنا للغرب من الناحية الإيجابية وجدناه يطبق جمالية الدين دون قصد، ففي الغرب تحفظ كرامة الإنسان، ويتمتع بجميع حقوقه المادية والمعنوية.

ومن جمالية الدين في الغرب:

تعليم جيد، ونسبة الأمية قليلة أو تكاد تكون منعدمة في بعض الدول مقارنة مع العالم العربي والإسلامي، فالغرب يطبق جمالية الدين في طلب العلم، فحقق بذلك نهضة حضارية تجاوز بها الأمة الإسلامية بسنوات عديدة …

الخدمات الصحية بالعم سام: تشير المؤشرات الدولية إلى أن أمريكا من أكثر دول العالم التي تنفق على الخدمات الصحية، فحكومة بارك أوباما خصصت 17 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على النفقات العلاجية، بمعدل 7290 دولار للفرد سنويا، ومع ذلك نجد المواطن الأمريكي يشتكي من ضعف الخدمات، وبهذا فإن الغرب يطبق جمالية الدين في حماية صحة الإنسان وحفظ كرامة مواطنيه، فالنظام الصحي الأمريكي مثلا يتكون من تأمين صحي حكومي يتم تغطية تكاليفه بنسبة 46 في المائة من الحكومة، وهنا يمكننا أن نتساءل كم تساهم حكومات العالم الثالث في المجال الصحي من أجل مواطنيها؟

الصناعة بأمريكا: ولست هنا لأفصل في موضوع الصناعة في أمريكا، لأن هذا ليس من اختصاصي، ولكن بحكم إقامتي بها سوف أتكلم عن الصناعة من خلال ما لاحظته وعلاقته بجمالية الدين، فكما تعلمون تشكل الولايات المتحدة أكبر قوة اقتصادية عالمية، وهذه القوة لم تأتيها هكذا، فقد ساهم المواطن والدولة في هذا الإنجاز بإخلاصهم وتفانيهم، فمن جمالية الدين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس منا)، فالصناعة الأمريكية قائمة على هذا المنهج، فإن خيرت في جهاز معين بين منتوج مغربي وآخر أمريكي فلاشك أنك ستأخذ الأمريكي، لكونك تعتقد أن الجودة في صناعتهم والغش في منتوجاتنا، فأي الطرفين أحق بتطبيق جمالية الدين في الصناعة من إتقان وإحسان؟

وأكتفي بهذا القدر في هذا الموضوع لأخرج بخلاصات مفادها:
-المشكل ليس في الدين ولكن في تنزيله على أرض الواقع.

-الأمة في حاجة ماسة إلى فهم الدين والفهم في حاجة إلى جمال الذوق والجمال في حاجة إلى العلم.

– ذكر العم سام والثناء عليه ليس من باب الانبهار، ولكن من أجل المقارنة، وأخذ كل ما هو مفيد.

وفي الختام اسأل الله عز وجل التوفيق والسداد، وأن يهيئ للأمة أمر رشدها حتى تحقق جمالية الدين الحقيقية.