وجهة نظر

“منارة المتوسط” بين الوهم والحقيقة

إعفاء ثلاثة وزراء وكاتب دولة ليس زلزالا سياسيا بقدر ما هو ضرب على الطاولة ليتطاير على وجه حكومة “حزب العدالة والتنمية” فنجان قهوة استأنس به في مسار نضاله الديموقراطي بحلوه ومره. فالخاسر الأكبر هو حكومة العدالة والتنمية التي فقدت سندها الرئيسي في الأغلبية هو حزب التقدم والاشتراكية بأعمدته الرئيسية. رغم ذلك، ورغم بساطة الضربة فقد فاجأت باندهاش ملحوظ الذين قرأوا الخطابين الأخيرين قراءة المبتدئين في السياسة.

من حيث الاجراءات فهي غير مناسبة لحجم الاختلالات الواردة في تقرير جطو؛ بناء على هذا التقرير غُيب مسؤولون حقيقيون عن مخرجات المحاسبة، وعوقب آخرون رغم أن أسماءهم إنما حشرت في المشروع دون علمهم ودون علم رئيسهم؛ بالإضافة إلى عدم توصلهم بوثيقة الاتفاق ومضامينها إلا بعد شهور من توقيعها. لم يعاقب المسؤولون الحقيقيون، ربما تقديرا للوضع السياسي أو لحجم الأشخاص ومكانتهم السياسية والاقتصادية، أو لسبب أخر.

رغم الصيغة التي قدم بها التقرير السيد جطو يبقى حاملا في طياته لأسئلة كبيرة ومحرجة؛ أسئلة لا يستطيع جطو الاجابة عنها وستبقى لاصقة ببنية النموذج التنموي الفاشل في المغرب إلى حين أخر.

التحليل المغرض وسؤال مسؤولية ابن كيران.

ملاحظة مهمة وأساسية، ربما هي السبب الرئيسي لفشل برنامج منارة المتوسط برمته، لم يشر إليها تقرير جطو واكتفى بالحديث عن وزراء “عهد الحكومة السابقة”، وهي عدم إشراك رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران ووزراء حزبه في البرنامج؛ بل لم يُشرك حتى في حفل تدشينه؛ وأكثر من ذلك لم يُخبر ولم يَعلم به إلا من خلال الاعلام الرسمي؛ بمعنى أن هناك جهة أخرى هي التي أعدت البرنامج من غير علم رئيس الحكومة. لكن السحر انقلب على الساحر فخرج ابن كيران ووزراء حزبه سالمين من الإجراءات التأديبية. فمن يتحمل مسؤولية هذا الخلل الكبير الذي تنعكس آثاره على حرمة المؤسسة الملكية والوطن كله؟ الجواب عنه يصعب الوصول إليه

بلغة مشفرة تختبئ وراء اسم ابن كيران، يحمل المحلل السياسي عبد الرحيم منار السليمي المسؤولية للملك، في تصريحه لإحدى المواقع، حيث أجاب بقوله “فمسؤولية بنكيران واضحة رغم عدم ورود اسمه لكون الحكومة كان لها رئيس من المفترض أنه يُنسق أعمالها ويتابع تنفيذ المشاريع الموكولة لقطاعات وزارية تحت إشرافه؛ لذلك فنحن أمام مسؤولية تقصيرية لمؤسسة رئيس الحكومة السابق”. وهو جواب يحمل رسالة مشفرة خطيرة يبلغها السليمي باستدراكه على بلاغ الديوان الملكي وتقرير جطو، وعبارته سهلة التفكيك ليستنتج المواطن دلالتها ومرماها، فهو يريد أن يقول في تحليلاته المشفرة مختبئا وراء اسم ابن كيران أن مسؤولية الملك واضحة رغم عدم ورود اسمه، ولكون الحكومة هي حكومة جلالته من المفروض أن يتابع تنفيذ المشاريع الموكولة لحكومته. وإذا تابعنا تحليل السليمي المشفر نجد أنفسنا أمام “مسؤولية تقصيرية لمؤسسة رئيس الدولة الذي هو الملك”!

إذن، منار السليمي من حيث يدري أو لا يدري، بتحليله المشفر والملغوم والمحرف لبلاغ الديوان الملكي، يرسل رسالة خاطئة وخطيرة للمواطنين، من شأنها أن تزعزع صورة المؤسسة الملكية في قلوبهم.

لو تحدث منار السليمي ومن سار على دربه من المحللين انطلاقا من تخصصهم عن مسؤولية المديرين الفعليين لبرنامج منارة المتوسط، وعن الاختلالات التدبيرية للعلاقة بين مؤسسات الدولة وعلاقة كل ذلك بالدستور والحاجة إلى تغييره لأفادوا الناس وأراحوا أنفسهم من هذه التحليلات المشفرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *