وجهة نظر

مؤتمر حاسم: أزمة حزب المصباح والخيارات الممكنة

منذ إعفاء رئيس الحكومة المكلف والأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران بعد حوالي ستة أشهر من تعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة، ثُمَّ تعيين رئيس المجلس الوطني للحزب سعد الدين العثماني، بدأت بوادر أزمة سياسية حقيقية تحدق بالحزب الفتي نسبيا ذي المرجعية الاسلامية الذي أوصلته رياح الحراك الشعبي سنة 2011 إلى المشاركة في تدبير السياسة العمومية من موقع رئاسة الحكومة بعد دستور وضع تحت ضغط الشارع بسقف مرتفع نسبيا قبل أن يتم اليوم وبشكل متسارع الالتفاف عليه.

وقد ارتبطت تلك الأزمة بعدة عوامل يمكن إيجاز أهمها في:
ـ إعفاء الأمين العام للحزب من تشكيل الحكومة وتعيين رئيس المجلس الوطني من قبل القصر الملكي، وهو ما جعل الحزب في وضعية مشكلة جديدة لم يحسن طريقة التعاطي معها سياسيا حيث أصبح الحزب وكأنه يسير برأسين.
ـ الطريقة الملتبسة التي شكل بها سعد الدين العثماني الحكومة حيث تم الانقلاب جذريا على منهجية بنكيران التي كان آخر فصولها رفضه دخول ما تبقى من حزب الوردة بقيادة ادريس لشكر، والتي يفترض أنها منهجية مؤسسة حزبية بأمانتها العامة وليس شخصية تخص بنكيران، لكن طريقة تشكيل العثماني لحكومته أوحت بأن بنكيران كفرد هو الذي أفشل تشكيل الحكومة.
ـ تركيبة الحكومة التي ضمت شخصيات تعتبرها عدة قيادات داخل حزب المصباح وجوها “وقحة” للدولة العميقة والتي يرى الكثير منهم أنها هي في العمق من يؤثر في قرارات حكومة العثماني أكثر من سلفه الذي كان يبدي مقاومة شخصية كانت أبرز تجلياتها ما يحدث في الجلسات الشهرية التي أكسبت بنكيران شعبية غير مسبوقة في التاريخ السياسي المغربي بعد الاستقلال.
كل ذلك أدخل الحزب في وضعية غير مسبوقة تبلورت في تشكل تيارين داخل الحزب. أحدها يرى في إعفاء بنكيران تصرف سلطوي لا ينسجم مع روح الدستور والديمقراطية التي تفترض أن الأمين العام للحزب هو ضمنيا المرشح لرئاسة الحكومة، وبالتالي يجب مواجهة تلك السلطوية عبر التشبث بالأمين العام المعفى بصفته رمزا لتلك المواجهة ولو اقتضى الأمر تعديل القانون الداخلي للحزب للسماح له بولاية ثالثة.

والثاني يرى أن الإعفاء هو نتيجة سياق دولي وإقليمي ضاغط أدى إلى تراجعات كبيرة على مستوى احترام إرادة الشعوب العربية التي مازال جلها يعاني الأمرين في عدة دول في منطقة المشرق العربي.
وللتدقيق هنا فإن حديثنا عن تيارين يقتصر على أعضاء حزب المصباح ممن يكتبون أو يصرحون حول الأزمة الحالية وقضية ولاية ثالثة في مختلف وسائل التواصل وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يشمل الأغلبية الصامتة.

وبغض النظر عن المؤيدين أو المعارضين، فإن القضية موضوع الخلاف في النهاية تسري عليها سنن وقوانين أي تجمع حزبي أو جمعوي أو بشري يهدف إلى تحقيق رسالة إنسانية عالمية مضمونها إقامة العدل الذي من أجله بعث الأنبياء والرسل جميعا، تلك القوانين المتمثلة في ضرورة ضمان حرية التعبير عن الرأي، وتوظيف آليات الشورى، والنزاهة والموضوعية بعيدا عن الذات والنفس ورغباتها، والركون إلى المؤسسات لحسم الخلاف وفق قاعدة “الرأي حر والقرار ملزم”.

وبناء عليه واستحضارا للسياق الذي وُلِدت فيه هذه الأزمة الحزبية الأولى من نوعها يمكن الإدلاء ببعض الأفكار حول الموضوع من منطلق مواطن مغربي يهمه مستقبل بلاده بعيدا عن الاصطفاف الحزبي الضيق.
أولا: من حيث تعديل القانون للسماح بولاية ثالثة أو عدم تعديله، فإن من يضع القانون هو الإنسان لتنظيم شؤونه اجتماعه، وتحقيق أهداف هذا التجمع التي يفترض في حالة هذا الحزب أنها من أجل الإصلاح بغض النظر عمن سيساهم فيه قليلا أو كثيرا. وإن ما يحدد طبيعة القوانين ومضامينها هي التفاعلات بين مختلف القوى والافراد في الواقع.

وهذه الأخيرة ـ أي التفاعلات ـ عندما تتجاوز القانون بحيث يصبح قاصرا عن حل المشكلات المستجدة يتحتم تغييره. إذ كلما تغير السياق الذي فرض قانونا معينا إلى سياق جديد كلما تطلب الأمر قانونا جديدا. ومثال ذلك تغيير الدساتير وفق تغيرات الواقع كما حدث مع دستور 2011 الذي كان نتيجة حراك اجتماعي. والشيء نفسه ينطبق على الأحزاب والمنظمات ومختلف الهيئات التي مالم تغيير قوانينها فستكون متخلفة عن الاستجابة لتحديات هذا الواقع الجديد.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن السياق الذي جعل حزب العدالة والتنمية (يبالغ) في الديمقراطية الداخلية ويحدد ولاية الأمين العام في اثنتين كل واحدة في أربع سنوات ـ فضلا عن الحاجة الملحة للديمقراطية الداخلية ـ هو دفع تهمة الاستبداد التي يرمي بها الحداثيون خصومهم الاسلاميين بمجرد انتظامهم في أحزاب تنافس في الانتخابات، حيث كانت التهمة الجاهزة هي أن الاسلاميين يختفون وراء الديمقراطية للوصول إلى السلطة ومن ثم الاستبداد باسم الدين.

لكن هذا السياق/التهمة الذي لم يصبح حقيقة يوما لم يعد له مبرر، حيث بمجرد ما أن يصل أي فصيل إسلامي إلى السلطة يتم الانقلاب عليه عسكريا وبدعم من القوى الحداثية والعلمانية العربية والغربية منذ انتخابات الجزائر 1991 مرورا بانتخابات فلسطين التي فازت بها حماس وليس انتهاء بالتجارب الوليدة بعد الربيع الشعبي العربي، هذا الأخير الذي زاد الأمور وضوحا بخصوص هذا السياق.

ثانيا: إن ما يمنع الاستبداد ليس هو القانون في حد ذاته ، بل بالدرجة الأولى هي القيم الأخلاقية التي تجعل أي سياسي يأبى أن يكون مستبدا، ثم يقظة ونقد وتقويم من يحيطون به، أي من يقوم بدور ‘قوموني” التي طلبها أبو بكر رضي الله عنه في خطبته الشهيرة ” إني وليتكم ولست من أخيركم ، وإنما أنا بشر مثلكم فإن أصبت فاحمدوا الله وإن أخطأت فقوموني ، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يعصم بالوحي ..” وكأن من سيقوم بدور الوحي اليوم هو مؤسسات الحزب. وكل من الرئيس والمرؤوس يمارس مهامه وفق ضوابط وقوانين. ولا يمكن أن يقوم هؤلاء المرؤوسين بدور الوحي إلا إذا تمثلوه نظريا وسلوكا بجعل مشروع الاصلاح وإقامة العدل هو جوهر تحركاتهم وليس الطموح الشخصي الذاتي.

غير أن حدود العلاقة بين الشخص بصفته رئيسا أو أمينا عاما والمؤسسة التي يرأسها (دولة أو حزبا أو جمعية …) معقدة جدا، وتتضمن تفاصيل أكثر من أن تُخْتَزَلَ في البعد القانوني فقط أو عدد الولايات. لذلك لم يربط الاسلام ولا تجربة الدولة النبوية ولا تجربة الصحابة ولاية الشخص/الحاكم بالزمن أو بعدد محدد من الولايات، بل تم ربطها بعدل الحاكم وقوته وأمانته وحرصه على المال العام، ومتى انْتَفَتْ فيه تلك القيم انتفى معها مبرر ولايته. فإن استمر كذلك استمرت ولايته وإن تخلى عن تلك القيم أُقِيلَ ولو بعد أشهر من تولي المسؤولية. وتشربه لتلك القيم هي التي تمنعه من أن يكون مستبدا.

وعليه فإن دور المؤسسات كهيكل تنظيمي هو التقويم والتتبع وفسح المجال للقياديين للتأثير، لكن الذي يلهم خيال الشعب ويقوم بتعبئته هو القائد، والقادة الذين يقومون بهذا الدور عبر التاريخ قليل. لذلك كلما ظهر قيادي مؤثر كانت الفرصة سانحة لاستثماره للتقدم خطوات في التعبئة والإقناع الضروريان لنجاح أي مشروع إصلاحي. وكلما كان الزعيم قادرا على ذلك كان من مصلحة ذلك المشروع الابقاء على ذلك الشخص، وهذا لا يتنافى مع الديمقراطية باعتبارها تجسيد لقيم العدل والحرية والجرأة في النقد وليس مجرد تداول على السلطة.

ويمكن التمثيل في هذا السياق بتركيا أردوغان وألمانيا أنجيلا ميركل وقبلهما ماليزيا مهاتير محمد ….الذين استثمرت أحزابهم قوتهم وقدرتهم على التعبئة والإلهام للتقدم خطوات كبيرة في مشروع بناء الدولة. وعكسهما وفرنسا وبريطانيا عندما فقدتا زعيم قادر على التعبئة والاقناع وإلهام الشعوب وتعبئتهم فدخلتا في مشاكل تدبير داخلية تنعكس سلبا على الاقتصاد والتعليم وغيره من المجالات.
ثالثا: ارتباطا بالفكرة الثانية فإن قبول إعفاء الأمين العام للحزب من قبل الأمانة العامة بمن فيهم بنكيران، وطريقة تشكيل حكومة العثماني التي تمت بسرعة فائقة حيث تم قبول كل الشروط التي كانت مرفوضة قبل الإعفاء، شكلا صورة عامة مفادها أن من كان يضع تلك الشروط هو شخص واحد هو ـ الأمين العام الحالي ـ وبالتالي فهو المسؤول عن فشل تشكيل الحكومة برئاسته.

في حين أن عمل المؤسسات يفترض أن تلك الشروط بدءا من التشبث بحزب الاستقلال قبل حادث موريتانيا وانتهاء برفض مشاركة حزب الوردة من بوابة رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الجديد، يفترض أن المؤسسة الحزبية هي من وضعتها، ويترتب عن ذلك أن تشرح هذه المؤسسة لقواعدها وللرأي العام السياق الذي جعلها تتراجع عن تلك الشروط. وكان هذا الاجراء سيفوت تكوين تلك الصورة عن الأمين العام الحالي عبد الإله بنكيران. تجدر الإشارة إلى أن العودة إلى هذه النقطة الثالثة إنما من باب الاستفادة من الماضي من أجل التأسيس للمستقبل.

والآن وفي ظل هذا الوضع الذي أفرزته كل تلك المعطيات السابقة يمكن التساؤل حول السيناريوهات الممكنة، وما هي فوائد قرار دون غيره في المرحلة الراهنة؟
بخصوص قضية تعديل القانون من أجل ولاية ثالثة فإنه من الضروري منهجيا وعلميا الفصل بين الأمرين بناء على ما أوردناه في السابق حول سياق وضع القوانين وتعديلها، وذلك حتى لا يتم تكريس فكرة تفصيل القانون على مقاس الأشخاص. وإن كان الزخم الشعبي الذي راكمه الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية طيلة ولايتيه السابقتين (2008 ـ 2016)، والشعبية التي راح يتمتع بها هما العاملان الحاسمان في تشبث البعض بولاية ثالثة، وعليه ففكرة هؤلاء في تعديل القانون لا ترتبط بالشخص في حد ذاته، وإنما بما راكمه من نجاح في تجربته السابقة التي كان يمكن أن يراكمه أي شخص عوض بنكيران فيتم التشبث به كذلك. بدليل أن من هؤلاء اليوم من كان بالأمس ضد بنكيران وخصوصا عشية 20 فبراير عندما كان هذا الأخير ضد الخروج للشارع.

وهذا مؤشر صحي على أن الدافع إلى فكرة التعديل هو المرجعية التي سلفت في خطبة أبو بكر من أن دور الأتباع هو التقويم الذي قد يصل إلى العزل في حالة ضعف الأداء أو انحرافه عن أهداف المشروع الإصلاحي تماما كما التثبيت في حالة قوة الأداء والسير في طريق المشروع الذي هو الغاية وليس القوانين باعتبارها وسائل فقط لتحقيق المشروع.

بهذا الاعتبار فالولاية الثالثة مُبرَّرة ليس بمنطق القانون، ولكن بمبرر ما هو أكبر من القانون وهو السياق الذي يفرز القوانين، وهو هنا أداء الشخص وشعبيته غير المسبوقة في تاريخ المغرب الحديث على غرار شعبية المهدي بنبركة أو علال الفاسي…
لكن السؤال المباشر هو: ما فائدة ولاية ثالثة للأمين العام الحالي على رأس حزب المصباح ما دام الدستور لا يُلزِم بتعيين الأمين العام للحزب الأول في الانتخابات رئيسا للحكومة؟ وهذا ما تكرس مع الاعفاء وتعيين شخص آخر من الحزب نفسه. هنا تبدو الولاية الثالثة غير مجدية، هذا إن لم تكن ـ في حالة تحققها ـ سببا في تعميق الأزمة الداخلية لحزب ناشئ، حيث سيصبح برأسين بقوة الواقع، رأس الامين العام ورأس رئيس الحكومة، وهو وضع ناذر الحدوث في الديمقراطيات إن لم نقل منعدم فيها.

لكن بالمقابل فإن الاستسلام للواقع الذي فرضته الدولة على الحزب بتعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة بانتخاب هذا الأخير أمينا عاما للحزب سيُنظَر إليه على أنه ليس اختيار حر في العمق بقدر ما هو تعيين للشخص الذي فضلت الدولة التعامل معه، وهذا لا يختلف نسبيا وفي الجوهر عن ما فعلته الدولة مع أحزاب أخرى كالاتحاد الاشتراكي والاستقلال حيث اتهمت عدة قيادات في هذه الأحزاب الدولة بالتدخل لفرض الأمين العام للحزب. والاختلاف هنا بينها وحزب المصباح هو أن فرض العثماني تم بطريقة غير مباشرة عبر تعيينه رئيسا للحكومة التي عرف كل المتتبعين من كان مسؤولا عن عرقلة تشكيلها قبل الاعفاء.

في ظل الوضع الحالي سيكون أعضاء المؤتمر القادم للحزب أمام خيارين أحلاهما مر، فمن جهة فالولاية الثالثة غير مجدية في ظل الوضع الحالي الذي يتميز بالالتفاف عن الدستور وروح الديمقراطية القاضية بتكليف الأمين العام للحزب الأول في الانتخابات بتشكيل الحكومة، وفي حالة فشله في ذلك تتم الدعوة إلى انتخابات جديدة، كما حدث مؤخرا في اسبانيا وفي تركيا وهو ما تتجه إليه ألمانيا بعد فشل مفاوضات ميركل في تشكيل حكومة ائتلافية. ومن جهة أخرى فانتخاب العثماني هو خيار قد يفهم منه من قبل الرأي العام أنه قبول بمن اختارته الدولة لرئاسة الحكومة وبالتبع فهو من تفضله الدولة لقيادة حزب المصباح مرحليا ريثما يم تهيئة سياق التخلي التدريجي عن هذا الحزب في تدبير الشأن الحكومي أو حتى عدم المشاركة فيه.

ومن غير الخيارين السابقين هناك خيار ثالث آخر يتمثل في أن يتم تعديل القانون الحالي لكي لا يكون هو المحدد لعدد الولايات، بل المحدد هو قوة الأداء والاقناع والمردودية الانتخابية والحفاظ على أهداف المشروع الاصلاحي، ومتى ظهر ضعف شديد في تحقيق تلك الأهداف يمكن الاكتفاء بولاية واحدة عبر عدم إعادة انتخاب الأمين العام المسؤول في تلك الفترة، هذا إن لم يتم وضع مسطرة عزله في حالة الضعف الشديد والانحراف عن الأهداف الذي قد يهدد المشروع برمته إذا أكمل ولايته كما هو معمول به في عدة دول ديمقراطية.

والغاية من هذا الاجراء هو تفادي تضخيم الوسيلة (القانون) على حساب الغاية (خدمة المشروع)، ومن أجل استثمار زخم شخص ما وقوته للدفع قدما في المشروع الاصلاحي كما سبقت الاشارة إليه في تجارب دولية. وبالموازاة مع هذا الإجراء يتم الاختيار في المؤتمر القادم بين باقي قيادات حزب المصباح من دون الأمين العام الحالي ورئيس الحكومة والجلس الوطني الحالي.

وهناك خيار رابع في يتمثل في صياغة أطروحة حزبية جديدة ذات نفس مُبادِر قادرة على استيعاب التحولات الكبرى الجارية في المنطقة والعالم، وقادرة على خلق وضعيات يكون فيها الحزب في وضعية قوة تتيح له التصرف أكثر بحرية وبمبادرة منه بدل أن يكون في موقع دفاع عما ترفضه السلطوية داخل الدولة.

ومن أول شروط هذه الأطروحة هو الانسحاب من الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن تكون معها الولاية الثالثة للأمين العام للحزب عبد الاله بنكيران مجدية، وربما مؤثرة في اتجاه استعادة ما تم الالتفاف عليه منذ انتخابات السابع من أكتوبر 2016 إلى اليوم. وبدون تلك الأطروحة ستكون تلك الولاية الثالثة مجرد إبقاء على الوضع الحالي المتأزم للحزب. اللهم إذا قبل رئيس الحكومة العثماني ووزراء حزبه الخط الفاصل الذي يمكن أن يُرسَم بين الحزب والحكومة في حالة إعادة انتخاب بعد الإله بنكيران.

والخيار الأخير هو أن يتم التغاضي عن مجمل ما يرتبط بخارج الحزب، وتصرف الدولة في تعيين شخص آخر لرئاسة الحكومة، واعتبار العوامل الداخلية والديمقراطية هي الحاسمة في اختيار أمين عام جديد بغض النظر عن أي قراءة أو رسالة خارجية يمكن فهمها من قبل الرأي العام في أي شخص تم اختياره سواء بتعديل القانون لولاية ثالثة، أو بعدم تعديله واختيار رئيس الحكومة الحالي أو أي شخص آخر قادر على كسب تحديات المرحلة.

وإذا كانت تلك مجرد خيارات، وهي في العمق أراء واجتهادات يمكن أن تنجح أو تفشل، فإن الأهم من ذلك كله هو أن تكون لدى حزب المصباح قدرة كبيرة على التمييز بين الأشخاص والأفكار، وبين خدمة المشروع والطموح الشخصي الذي غالبا ما يكون عائقا أمام تقدم المشروع لما يميز النفس البشرية من رغبات ذاتية.

والأخطر من ذلك كله هو أن تكون لدى كل قيادي وعضو قدرة غير عادية على الامتثال للقاعدة المشهورة “الرأي حر، والقرار ملزم” بغض النظر عما إذا كان هذا القرار موافقا لرأيه أو مخالفا له. والالتزام هنا ليس على سبيل “المَضَض” وإنما بطوعية كلية مادام القرار صادرا عن مؤسسة عبر آليات ضمان التعبير عن الرأي بحرية وديمقراطية وشورى. وليس الالتزام بالقرار فحسب، وإنما فعل كل ما في وسع الأفراد ـ وخصوصا الذين كانوا قبل التصويت ضده ـ لإنجاحه باعتباره قرار جماعي يعني الجميع.

من غير ذلك سيكون مصير هذا الحزب الفتي هو مصير أحزاب عتيدة وقوية في تاريخ المغرب انتهت إلى حالة تحلل وشتات حزبي يلهث وراء فتات سلطة شكلية تؤثث الفضاء السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *