وجهة نظر

عاصفة كتاب “النار والغضب ” تجتاح البيت الأبيض..

ماذا لو كان مؤلف الكتاب مسلما أو من بلادنا العربية!!

لا زالت عاصفة كتاب “النار والغضب في البيت الأبيض”،

(Fire and fury, inside the white house)

تجتاح الولايات المتحدة، وتشغلها أكثر من العواصف الثلجية الهوجاء التي أصابت بعض الولايات مدة أسابيع حتى بداية هذه السنة الجديدة.. .

وصدر يوم الجمعة كتاب “نار وغضب” مثيرا هذه العاصفة السياسية ليس فقط في بلد العم سام بل قد تصل لهز عروشنا في عالمنا العربي..

وتصدر الكتاب قائمة الأكثر مبيعا في موقع “أمازون”، فيما تسابقت وسائل الإعلام إلى نشر بعض مضامينه، وتحوّل مؤلفه إلى نجم تتسابق الفضائيات على طلب استضافته

كما نشرت صحيفة “غارديان” البريطانية مقتطفات عنه، إلى أكثر من 200 مقابلة مع الرئيس وشخصيات بارزة داخل وخارج الإدارة الامريكية. وهي تشمل الحكايات حول اللاعبين الرئيسيين في الإدارة، بما في ذلك الصفقة بين ابنة ترامب الكبرى وزوجها اليهودي

وتقول مجلة “نيويورك تايمز”، التي اقتبست بدورها من الكتاب: “أنه، فيما بين الزوجين (ايفانكا وجاريد)، كانا عقدا صفقة جادة: إذا ما أتيحت الفرصة في المستقبل، فإن أول امرأة ستتولى رئاسة أمريكا لن تكون هيلاري كلينتون، بل ستكون إيفانكا ترامب التي اعتنقت ديانة زوجها.”

وصاغ ستيف بانون مصطلح “جارفانكا” الذي يعد استخدامه الآن أكبر من أي وقت مضى في البيت الأبيض، والذي يعتزم على المزج بين اسمي الزوجين للدلالة على التنسيق بينهما، وقد مثّل خبر الاتفاق بينهما صدمة مرعبة له

كتاب قنبلة، يصف الرئيس بطفل أحمق وغبي، ولا يقرأ ولا يسمع

وانتقد ترامب بانون بشدة، وأصدر بيانا قال فيه: “ستيف بانون لا علاقة له بي أو برئاستي، وعندما أطلق المصطلح، لم يفقد وظيفته فقط، لكنه فقد عقله.”

وسبق لوالدة إيفانكا وطليقة ترامب، إيفانا ترامب، أن كتبت عن مستقبل ابنتها السياسي المحتمل في مذكراتها “رايسينغ ترامب”، وقالت إن إيفانكا يمكن أن تدير المكتب البيضاوي “ربما خلال 15 عاما” وأضافت: “من يعلم؟ قد تكون أول امرأة وأول يهودية تتولى الرئاسة.”

ونفي البيت الأبيض بشدة الروايات الواردة في كتاب وولف. وقالت المتحدثة الإعلامية، واصفة إياه بأنه “مليء بالروايات الكاذبة والمضللة من أفراد لا يستطيعون الوصول إلى البيت الأبيض.”

في هذا السياق أكد “مايكل وولف” مؤلف الكتاب على دقة المعلومات الواردة في الكتاب، معتبرا أن نفي ترامب لها، وهجومه عليه يمنحه دعاية مجانية.

قائلا أنه ” الأشخاص المحيطين بترامب من أسرته ومستشاريه يشككون مئة في المئة في قدرته العقلية وجدارته بالرئاسة.

وأضاف: “أقرب المقربين من ترامب يصفونه بأنه مثل الطفل، وكبار الموظفين يقولون إنه أحمق وغبي، ولا يقرأ ولا يسمع”.

وأكد “وولف” أنه التقى ترامب قبل وبعد انتخابه، الأمر الذي نفاه ترامب.

وقال “وولف”: “لقد تحدثت مع الرئيس بالتأكيد، ولا أعرف إذا كان يدرك أن ذلك كان حوارا أم لا، ولكن الشيء المؤكد أن الحوار مسجّل.”

وتابع قائلا: “لقد قضيت حوالي 3 ساعات مع الرئيس خلال حملته الانتخابية وفي البيت الأبيض”.

وتابع الصحافي الذي له مساهمات في العديد من المنشورات، أنه خالط محيط ترامب طيلة 18 شهرا من الحملة الانتخابية إلى البيت الأبيض وأنه طرح أسئلة على “أكثر من 200” شخص ابتداءّ بالرئيس إلى مقربين منه كثر.

الإدارة الأميركية و عملية الاستحواذ على القرار في دول المشرق.

ويتناول الكتاب أيضاً دور الإدارة الأميركية الحالية في صعود محمد بن سلمان إلى ولاية عهد السعودية، وسياسة أمريكا في الاستحواذ العلني على القرار السياسي في دول الخليج، وصفقات مع روسيا..

ولعل الفصل السابع عشر من الكتاب هو أثمن فصوله بالنسبة للقارئ العربي، إذ يتضمن هذا الفصل معلومات لم تكن منشورة من قبل عن قصة العلاقة السرية بين إدارة ترامب والقيادة السعودية الجديدة التي يتصدرها ولي العهد محمد بن سلمان.

ففي هذا الفصل يصف الكاتب الشيخوخة القيادية والجمود المؤسسي في السعودية، ثم يعقب على ذلك بأن “محمد بن سلمان المدْمن على ألعاب الفيديو نمطٌ جديد من القيادة في السعودية” لأن “رؤيته رؤية ترامبية”. ويجد الكاتب أوْجُه شبه عديدة بين ترامب وابن سلمان، منها التعجل، والسذاجة السياسية، وضعف الإلمام بالشؤون العالمية. بل إن الكاتب ليجد شبَهاً عاماً بين آل سعود وآل ترامب.

ويذكر المؤلف أن محمد بن سلمان سارع بالاتصال على جاريد كوشنر (صهر ترامب ومستشاره) بعد فوز ترامب. واعد إياه بأنه سيكون “رجُلَه في المملكة السعودية”! وهو وعدٌ يبدو أن صاحبه قد وفى به تماما. لذلك ينقل الكاتب عن ترامب قوله لأحد أصدقائه المقربين: “لقد كسب جاريد العرب إلى جانبنا”.

وفي زيارة ترمب للسعودية؛ يذكر الكاتب أن القيادة السعودية أنفقت 75 مليون دولار على الحفلة التي نظمتها على شرف ترامب ووفده المرافق.

ومما يهم القارئ العربي للكتاب أيضا تلك الشذرات المتناثرة فيه عن القضية الفلسطينية، مثل ما ورد من قول ستيف بانون في مدخل الكتاب “إن ترمب سينقل السفارة الأميركية إلى القدس من اليوم الأول”، وقوله أيضا: “دع الأردن يأخذ الضفة الغربية، ومصر تأخذ غزة. دعهم يتعاملون مع الأمر، أو يغرقون وهم يحاولون ذلك، فالسعوديون على وشك الانهيار، والمصريون على وشك الانهيار، وكلهم يكادون يموتون فزَعاً من بلاد فارس”.

تنبؤات الكاتب بنهاية المشوار السياسي لترامب، قبل نهاية عهدته

ومن الأمور المثيرة للاهتمام تنبؤات بانون عن مستقبل ترامب السياسي التي ختم بها وولف كتابه، إذا يعتقد بانون أن الاحتمالات في هذا المضمار ثلاثة بالتساوي، وهي: عزل ترمب على يد الكونغرس جراء التحقيقات التي يجريها مدير (أف بي آي) السابق روبرت مولر في علاقاته بالروس. الاحتمال الثاني هو عزله على أيدي وزرائه بحجة عدم الأهلية العقلية للرئاسة (طبقا للتعديل الخامس والعشرين من الدستور الأميركي)، والاحتمال الثالث هو تمكنه من التشبث بالسلطة إلى نهاية ولايته. مع يقين بانون أن ترمب ليس أمامه فرصة للحصول على ولاية ثانية في البيت الأبيض. وفي كل الأحوال؛ يرجح بانون أن ترمب لن يكمل ولايته الحالية، بنسبة احتمال تصل إلى66% .

ماذا لو كان مؤلف الكتاب مواطنا مسلما في بلادنا العربية

و أنا أطالع فصول ما كتب عن هذه القنبلة تساءلت انبهارا و تقديسا لاحترام الحريات في أمريكا، وقلت في نفسي ماذا لو كان مؤلف الكتاب مواطنا عربيا مثلي أو مثل أي واحد من كتابنا العرب، بل مَن مِن الناشرين العرب يجرأ على قبول نشر كتاب ينتقد مسؤولين في حكوماتنا!؟

هذا الكتاب يعبر عموما عن وضعنا المخزي في بلادنا العربية على ندرة ما كتب من جهة، ويعطي من جهة أخرى شرعية كبيرة لحرية التعبير في بلاد العم سام، بحيث حاول محامي الرئيس الأمريكي، منع صدور هذا الكتاب القنبلة الذي يصور الخلل في عمل البيت الأبيض، ويرسم صورة قاتمة عن إدارة يسخر أفراد فيها من رئيس يعتبرونه غير مؤهل وغير قادر على قيادة البلاد، ماذا لو تجرأ أحد كتابنا لانتقاد حكامنا او أفراد من عائلاتهم ؟؟.

وهنا اعود بذاكرتي للوراء، منذ عشرين سنة خلت، لأتذكر لما طلب مني شيخنا المرحوم، الدكتور توفيق الشاوي نشر كتابه التاريخي القيم ” مذكرات، نصف قرن من العمل الإسلامي”، الذي انتقد فيه سياسة بعض رؤساء دولنا عربية قديما، كما انتقد رموزا و قيادات في العمل الإسلامي عموما و الإخواني خصوصا، علما أن الدكتور توفيق الشاوي من أبرز قادة “الاخوان” في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، بل لا ابوح سرا إن قلت أنه رشح، بدل الشيخ القرضاوي و غيره من رموز الحركة، مرات عديدة لتولي منصب المرشد العام للإخوان و رفض.

و كما يعرف بعض إخواني أن أستاذنا الكبير الدكتور توفيق، أعطاني كما أعطى لغيري نسخة مسودة الكتاب لمراجعتها، و قد صارحته حينها، في إحدى زياراتي لمكتبه في جدة، أن هذا الكتاب لا ولن يقبل بنشره أي ناشر عربي، لما به من قنابل قد تأتي على عروش لازالت تقتات على غفلتنا، وكما أخبرته بإمكانية نشر الكتاب بسهولة في أوروبا، لكن إدخاله للقارئ العربي في ذلك الوقت مستحيل، فقال لي أنا جمهور قرائي مرحليا هم العرب المسلمون، اما ترجمات المذكرات فلا بأس، ان تطبع لاحقا في الخارج، و كلفني بالتنسيق لترجمة الكتاب باللغة الفرنسية مع مترجم متخصص، و قد أخبرني أنه كلف أحد الأساتذة العرب في فرنسا.. لكن ترجمة كتاب المذكرات للغة الفرنسية تعثرت و تعطلت، لا لشيء إلا لأنه لما قرأ المترجم الإسلامي التونسي في فرنسا أن الدكتور توفيق ينتقد بعض سياسات و رموز “تياره الاسلامي” تماطل في الترجمة و سوف الامر، حتى توفي صاحب الكتاب ؟

هذا الكتاب ” مذكرات، نصف قرن من العمل الإسلامي”، الذي يسرد فيه المرحوم الدكتور توفيق حياته مع الرؤساء وصناع القرار في العالم الإسلامي، صال و جال بمسودته المؤلف شخصيا وبعض معاونيه يوم كان رئيسا لمدارس” المنارات” بالسعودية، قصد طبعه فلم يستجب له من الناشرين، إلا دار ” الشروق” اللبنانية العريقة، التي نشرت قبل ذلك و لا زالت أمهات الكتب الإسلامية منها كتب سيد قطب و محمد قطب و غيرهما.. استجابت دار الشروق لنشره شريطة حذف بعض الفصول، قصد “عدم إحراج بعض الدول العربية”، فرفض الدكتور توفيق نشر الكتاب مبتورا، فحاولت إقناعه مع غيري لقبول الصفقة، على أن ينشر في مناسبات أخرى كاملا بحول الله، فقبل على مضض، و لا زل بعض الاخوة يحتفظون بالنسخة الاصلية ولله الحمد..

إرادة الشعوب المؤمنة من إرادة الله، وإرادة الله لا تقهر

فلنقارن نحن الآن كيف تعومل مع الكتابين ؟ بين كتاب ” النار و الغضب” و “مذكرات” الدكتور توفيق الشاوي ؟! فالرئيس الأمريكي بسلطته و جبروته، لم و لن يستطيع وقف نشر كتاب يتهمه شخصيا و هو في سدة الحكم في أعظم دولة في العالم، وبقوة القانون هو مجبر على المرور وفق القنوات الحقوقية الديمقراطية.. ولا و لن يستطيع سجن الكاتب الأمريكي بجرة قلم، ولا أن يستطيع تعليق الناشر على حبل المشنقة أو قتله .. و لا ولن يصادر الكتاب بل و لا و لن يحرق المطابع !! ..

و ما على المسؤول الأول في الدولة، وفي مبادرة تبقى رمزية، إلا أن يعود للقنوات الحقوقية حفاظا على ماء الوجه، بحيث وجه محامي الرئيس ترامب رسالة إلى مؤلف الكتاب وولف وإلى ستيف روبن، رئيس دار “هندري هولت أند كومباني” التي تنشر الكتاب مطالبا بـ”وقف فوري” للتوزيع بحجة أن الكتاب يتضمن تشهيرا، لكن رد الناشر الذي سر- على الأرجح- لهذه الخطوة التي ساهمت في تسليط الأضواء على الكتاب، كان سريعا إذ قرر تقديم موعد إصدار الكتاب إلى الجمعة بعد أن كان مقررا في التاسع من يناير الحالي،.

وكتب وولف الصحافي المخضرم (64 عاما) في تغريدة ” للقراء الأمريكان “بإمكانكم شراء الكتاب (وقراءته) غدا.. شكرا سيدي الرئيس”..

هذه دروس و عبر في احترام الرأي المخالف بين الراعي و الرعية، في بلاد ” الكفر” كما يحلو لبعض السذج، نعتها، وأين نحن اليوم في بلاد الإسلام الذي تنتهك فيه الأرواح قبل الحريات في مشاهد درامية لا مثيل لها من تقديس للحاكم الطاغية و لو كان مجنونا أو مشلولا ..

فمتى يستفيد العرب من دروس الغرب من هذه العدالة العمرية الراشدة، التي تحتكم إلى عدالة البشر قبل حساب رب البشر، فإقامة العدل أمر رباني، لقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.)، و عن عائشة رضي الله عنها قالت سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ فِى بَيْتِى هَذَا « اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ » .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *