منتدى العمق

“الحرب الباردة”

ان تفاعل الشعب المغربي ضد تمرد المفسدين عن طريق المُقاطعة أبان على أنهم يتمتعون بوعي سياسي مجتمعي قادِر على حل الكثير من المعضلات التنموية المتمثلة في مقاطعة منتجات شركة الحليب وشركة أخرى للمحروقات وثالثة لمياه الشرب، عقب الزيادة في أسعارها، والشركات المقصودة بالمقاطعة هي الكبرى في قطاعاتها، مما أدى إلى زحزحة الحقل التنموي , لكن المواطن المغربي أبان على نضجه المجتمعي و تضامنه اللامشروط . لطالما اعتبرنا أن الانتقال الديمقراطي مرهون بانتقال مجتمعي موسع …

فها نحن اليوم نشرف على نموذج حي للانتقال المجتمعي مؤطر من طرف جماعة فايسبوكية تم إلى شريحة كبيرة من المجتمع ( مواطنين مسحوقين. فلاحين . مستهلكين…) لتواجه ثقافة المزايدة بين من يشكك في الدوافع الحقيقية وراء إطلاق هذه الحملة, لدرجة انه قد وصفها البعض بأن ثمة خلفية سياسية لهذه الحملة، وليست مطالب اجتماعية. ليبين المواطن نفسه عن حقيقة الدوافع المتشكلة في العَوَز و الحاجة, وصعوبة مواكبة السوق الاستهلاكي.

إنها ولا شك مرحلة فريدة من نوعها، يقودها الشعب ولا احد غير الشعب ، لكن هذه المرة بحلة جديدة، صعب على المستبدين إيقافها، والحد من استمراريتها رغم محاولاتهم الاستفزازية التي باءت بالفشل، إنها نوع استراتيجي ناجح وضع محل الاحتجاجات الشعبية الميدانية التي كانت تتمثل في شكل مظاهرات واحتجاجات و وقفات تنديدية ضد الجهات المعنية لكن صرعان ما يتم صدها ، بواسطة وسائل القمع المخزنية ،مما يؤدي ذلك من عنف و اعتقالات في صفوف المحتجين بالجملة و هكذا تصبح المطالبة بالتغيير أمرا وهميا لا أساس له من الواقعية في حكومة ترى أن الشعب عبارة عن “مداويخ” و “خونة” و أن مصالحها الكبرى فوق كل شيء …

لماذا شركة إفريقيا غاز وسنطرال و سيدي علي وليست شركات أخرى ؟

الأمر بسيط، بما أن إفريقيا غاز تعد اكبر شركة خالصة لتوزيع المحروقات في المغرب ، و هي على رأس الاقتصاد في هذا المجال بتحكمها في سوق النفط، فهي من لها الصلاحية التامة بفرض الزيادات أو التخفيضات في سعر المحروقات، على الصعيد الوطني . إذن هنا يتبين لنا جليا أن بمقاطعة هذا الأخير سيتم خنقه و اضطراره لوضع حل ترقيعي يلاءم متطلبات الشعب و قدرته الشرائية و استجابته لمطلب التخفيض.. و نفس الشيء وقع مع شركة سنطرال لإنتاج الحليب و مشتقاته و شركة سيدي علي للماء المعدني .

إلى هنا نستطيع القول أن الشعب عبر عن وعي عالي السقف في مجال المقاطعة، ولم تردعه تهديدات الوزراء أو تصريحات المتحكمين، الذين لاشك أنهم سلكوا كل الطرق لطمس هذه الثقافة بمساعدة أخصائيين في علم الاجتماع و علم النفس و آلاف الحسابات المزورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل إخفاء أو تقليص حدة التشبث بمبدأ المقاطعة ، لكن سرعان ما تستمر الخسائر و تستمر الحرب الباردة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *