منتدى العمق

المقاطعة ثقافة شعب

اعتادت الأنظمة العربية بكل تلوينها على أشكال الاحتجاجات التقليدية التي يخرج فيها المتظاهرون للشارع قصد المطالبة بكل حقوقهم. وهنا تستغل الدولة ثغرات القوانين لكي تنهال عليهم بالضرب والرفس…. وقد يصل الأمر إلى الاعتقال بحجة امتلاك الملك العام. وبعد الاعتقال تجد الفئة الاحتجاجية تأخذ منحى أخر، فبدل الاستمرار في المطالبة بتحقيق الملف المطلبي، يكون الهدف الرئيس هو الإفراج عن المعتقلين. وخير مثال ما حدث في حراك الريف مؤخرا. لكن مع نجاح مقاطعة بعض المنتوجات في كل من تونس والجزائر. كان حتميا أن يتبنى المواطن المغربي المقاطعة، ولما لا وهو الذي يعاني من ويل ارتفاع الأسعار في مختلف المنتجات الوطنية. لكن السؤال هو لماذا المقاطعة في هذه الفترة بالضبط؟ ولماذا مقاطعة بعض المنتوجات من دون غيرها؟ وهل فعلا فكرة المقاطعة وراءها مخططات سياسية غرضها الإطاحة ببعض الأحزاب أو بعض الأشخاص؟

إن بناء وعي المواطن يتطلب سنوات عدة، والمواطن المغربي رغم مؤشرات التنمية المتدنية، ورغم فشل منظومة التعليم، إلا أنه خضع لصدمة الواقع خاصة بعد 2011 التي ركب فيه حزب العدالة والتنمية على ما يسمى بالربيع العربي، والذي استغل فيها اسم الدين حتى يمتص غضب الشارع بتواطؤ واضح مع النظام المغربي، مستغلا سذاجة طبقة كبير من الأميين والباحثين عن البديل حتى ولو كان إبليس نفسه. خصوصا بعد أن رفع الأمين العام شعار محاربة العفاريت والتماسيح. إلا أنه اتضح فيما بعد أن قوله مجرد لغو الغرض من تضليل الناس وتحقيق مصالح خاصة بالنظام والحزب ومن حوله، من خلال ضرب جميع مكتسبات الشعب المغربي؛ محضر يوليوز، وفصل التوظيف عن التكوين أو ما يسمى بقضية الأساتذة المتدربين، ثم نظام العمل بالتعاقد في الوظيفة العمومية، ثم رفع الدعم عن بعض المنتجات، حراك الريف، الجرادة…… كل هذه الوقائع جعلت المواطن المغربي يفقد الثقة بكل الأطياف السياسية هذا من جهة، ومن جهة أخرى جعلته يعي تمام الوعي أن نظام الدولة لا ينفع معها صراع الشارع، لأنه محترف في مص غضبه. وبالتالي من يتساءل عن سبب المقاطعة في هذه الفترة، فإنه سيجيب عنه بنفسه. لأنها هي نتيجة تراكم لصدمات، وفقدان الثقة في الأحزاب السياسية التي سقط عنها القناع وكشف اللثام عن أكاذيبها التي لم تعد تعطي أكلها. فزيف الإيديولوجيات بادي للعيان. والاعتماد على رجال السياسة في تغيير وضعية المواطن أصبح أمر ميئوس منه، ولما لا ، وبعضهم يتحكم في اقتصاد الوطن، دون التصريح بما يملكه قبل دخوله لعالم السياسة. إضافة أنه منذ ولوجه لهذا المجال ممتلكته تزيد. فهو المتحكم في البر والبحر وتحت الأرض. فأين التوزيع العادل للثروات في الوقت الذي يعيش فيه المواطن على قروض صندوق النقد الدولي؟ أليس من حقنا الاستفادة ولو من قسط بسيط من العيش الكريم؟ مشاريع بالمليارات، ولا أي تجهيز في المدارس والمستشفيات.

لعل الأمر واضح الآن فالمقاطعة هي رد فعل على كل الممارسات السياسية الشاذة التي تستنزف خيرات الوطن وتزيد الغني غنا والفقير فقرا. ولهذا خطوة مقاطعة بعض المنتوجات المحتكرة للسوق نابعة من إرادة شعبية في تحسين وضعية المواطن البسيط الذي لا تكفيه أجرته في تغطية مصاريفه. وما بالك بالتكفل بالأسرة كلها.

أعتقد أنني تمكنت في هذا المقال المتواضع من الإجابة عن بعض معظم التأويلات الخاصة بالمقاطعة المعبرة عن إرادة واضحة في التغيير بعيد عن كل أشكال العنف. فالغرض منها ليس الإطاحة بأي حزب سياسي أو فئة معينة، أو شخصية كيف ما كانت مكانتها في المجتمع، وإنما الغرض منها إعادة النظر في الجسد السياسي، والبحث فيه كفاءات تفكر في مصالح الشعب وتضع مصلحة الوطن والموطن فوق كل اعتبار. كما أنها لا تجعل من العمل السياسي وسيلة للغنى والرقي بالطبقة الاجتماعية. لأن فضاء التواصل الاجتماعي الذي استطاع أن ينجح مقاطعة بعض المنتجات، يمكن أن ينجح مقاطعة أي شيء أخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *