منتدى العمق

“العنف والتعاقد” السبيل نحو الخوصصة

إن المتتبع لما يحدث بالمؤسسات التعليمية المغربية في الآونة الأخيرة يستنتج بجلاء ووضوح كبيرين أن في الأمر شيء يطبخ وراء الكواليس، فليس من باب الصدفة أن تتوالى هذه الأحداث وتتعاقب واحدة تلوى الأخرى من غير دافع أو جهات تحركها.

فمن المعروف أن الدولة منذ مدة تسعى جاهدة وبكل ما أوتيت من قوة أن تخوصص قطاع التعليم إسوة بالقطاعات الأخرى، وقد جاء ذلك على لسان العديد من المسؤولين والذي كان آخرها تصريح للسيد لحسن الداودي بمجلس النواب الذي قال بالحرف الواحد: (لي بغا يقرا خاصو يخلص).

وكذلك السيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي قال: (ليس هناك نية إلغاء مجانية التعليم ولكن سيتم فرض رسوم التسجيل على الأسر الميسورة.) ونحن نعلم جيدا أن الأسر الميسورة لا تدرس أبناءها في التعليم العمومي. فهذه المسألة كانت مجرد تبرير لسياسة الخوصصة التي تعتزم الدولة فرضها بالقوة على آخر قطاع شبه مجاني وليس مجانيا بالكامل.

ولتحقيق هذا الهدف الذي وضعته الدولة نصب عينيها ومن أولى اهتماماتها، قامت بمجهودات جبارة منذ سنة 2000 إلى حدود اليوم. فمن منا لا يتذكر الصفقات الخيالية التي أنفقتها على مشروع بيداغوجيا الإدماج الذي لقي فشلا ذريعا وأغرق قطاع التعليم في أزمة مالية خانقة التي سيكون لها التأثير المباشر فيما بعد على عدد الأطر التي يجب توظيفها من أجل حل مشكلة الخصاص المهول وكذا الاكتظاظ في صفوف المتعلمين، الشيء الذي أثر بشكل كبير على جودة التعليم والتي ستلقي بمسؤولية تراجع هذه الأخيرة على عاتق الأستاذ طبعا.

أضف إلى ذلك السياسة الواضحة الهدف (خوصصة التعليم) التي تنهجها الحكومة في تسيير هذا القطاع. فما إن يكاد الأمر يستقر على تصور معين حتى تقوم الدولة بتغيير سائق القاطرة ( الوزير) الذي سيضرب بعرض الحائط كل ما بناه من سبقهويبني تصورا جديدا خاصا به كما لو أن التلميذ والأستاذ فئران تجارب يجربون فيهم تصوراتهم ويلقون بإخفاقهم في الأخير على عاتق الأستاذ كالعادة.

وهناك العديد من المحاولات الأخرى الرامية لخوصصة هذا القطاع التي لن يكفينا مداد الأقلام كلها لكتابتها، ولكن في كل محاولة من هذه المحاولات تجد الدولة نفسها أمام جدار إسمنتي منيع يحاول صد هذه الهجومات ويقف حاجزا بينها وبين مخططاتها، إنه الأستاذ الذي يشهد له التاريخ بالاصطفاف إلى جانب الشعب وأبناء الشعب.

لكن لكل تضحية ضريبة ولكل نضال ثمن، والضريبة التي سيؤديها رجال ونساء التعليم ثمنا لهذا الإخلاص والإستماتة هي كرامتهم التي أصبحت تداس بالأقدام. فمن أجل هدم هذا الحاجز وتسهيل تنفيذ مخططاتها لم تترك الدولة سبيلا من السبل إلا وجربته، فكانت بداياتها بالإجهاز على مجموعة من الحقوق التي يتمتع بها الأستاذ حيث تم حرمانه من متابعة دراسته كأول خطوة كي لا يحصل على شواهد عليا تخول له الترقية وتحسين وضعه المادي.لتقوم بعد ذلك بمنع الترقي بالشهادة بصفة نهائية في إشارة واضحة أنه لا ترقية للأستاذ مطلقا إلا بإرادتهم وشروطهم بمنطق: كن عبدا ذليلا تترقى.

ومع ذلك لم تفلح في كسر شوكة الأستاذ الذي أبان عن مناعة قوية ومحصنة ضد كل أشكال الإهانة والإجهاز على المكتسبات التاريخية.

وهنا ستتجه الدولة إلى أسلوب آخر ظنا منها أنه سينهي هذه الأنفة ويهدم هذا الكبرياء الذي يتمتع به رسل الأمة.حيث قامت بشرعنة ما يسمى بالتوظيف بالعقدة وأصبح لزاما على كل أستاذ أن يوقع عقدة عمل مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كما لوأنه يشتغل بإحدى الضيعات الفلاحية الإسبانية ، وكل هذا من أجل إخضاع حصان بري يأبى القيود والترويض ومن أجل تسهيل عملية عزل كل من يقف ضد قراراتها.

كل هذه الأشياء لم تُخْضِع الأسد الذي ألف الدفاع عن كرامته بكل قوة وإصرار وأمام هذا التحدي والصمود وبعد أن استنفذت الدولة كل أسلحتها وما بقي في جرابها سوى رمح واحد والذي استخرجته مكشرة عن أنيابها وهي مستعدة كي تغرزه في الجسد التربوي وبه ستكون الضربة القاضية لتعبيد الطريق نحو هدفها(خوصصة التعليم) فسخرت كل ما في وسعها من مذكرات البستنة وهيئات الدفاع عن حقوق الطفل التي بدورها لا يظهر لها الطفل إلا حيمنا يتعلق الأمر بالعنف (أستاذ – تلميذ) متجاهلة إياه في كثير من الظروف الأخرى. حتى قامت باستعداء المتعلمين ضد أساتذتهم والقيام باستفزازهم بل تعدى الأمر ذلك وصولا إلى الاعتداء الجسدي وبالأسلحة أيضا حتى أصبح الكل يرى في المؤسسات التعليمية حلبة صراع وساحة وغى لحروب طاحنة.

وهنا أستطيع أن أجزم أن الدولة على وشك الوصول لهدفها المنشود وأصبحت وشيكة من دق آخر مسمار في نعش مجانية التعليم. فقد أصبح الكل يرى في التعليم الخصوصي الملاذ والملجأ الآمن لأبنائه هروبا من المؤسسات التعليمية العمومية المتسخة سمعتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *