وجهة نظر

“الأمل”.. في العفو عن قادة الريف !

شكلت الأحكام القضائية التي أصدرها القضاء المغربي في مرحلته الابتدائية يوم الثلاثاء الأخير، 26 يونيو 2018، الحدث الأبرز والمثير خلال هذا الأسبوع، بل خلال فترة امتدت لعدة أشهر لم يعرف فيها المغرب والمغاربة مخاضا مثيلا خَلَا مخاض المقاطعة التي أربكت العديد من الحسابات الصغيرة كما الكبيرة، كما حركت راكد الفساد الذي استوطن المؤسسات والشركات التي ظلت تتحكم في أرزاق المغاربة، ومعيشهم، وحاضرهم، ومستقبلهم.

فلقد شكلت هذه الأحكام الصدمة لدى العديد من المتتبعين للملف الريفي منذ اندلاعه بحر السنة الماضية، وما تلاه من اعتقالات لأيقونات الحراك، والمحاكمات التي امتدت لعدة أشهر، توسل فيها أكثر المتتبعين تشاؤما، عفوا ملكيا مؤكدا، أو براءة شاملة، تلملم الجرح، وتكفكف الدمع، وتلم الشمل، وتصحح المسار. بيد أن الأحكام الأخيرة أسقطت في الأيدي، وحولت كل التكهنات، والأماني التي ظلت معلقة إلى سراب حارق، ودهشة عميقة، لم يستطع أحد أن يفهم معها الرسالة الحقيقية التي تريد الدولة أن توصلها إلى من خرج يحتج من أجل مطالب اجتماعية، قيل إنها تبغي تحقيق الكرامة، والعدالة الاجتماعية في منطقة أجمع الجميع أنها منطقة منكوبة، ومختلة التوازن في السُّلَّم الاجتماعي، كما الاقتصادي. كما كانت محط اهتمام خاص من أعلى سلطة في البلاد، مما جعل للحراك الاجتماعي، هناك، ما يبرره سياسيا، قبل أن يكون اجتماعيا أو براغماتيا.

فرغم المحاولات المُنْبَتَّة والشاردة لبعض المتتبعين لتبريرهذه الأحكام “المثيرة” التي تذكرنا بمحاكمات سنوات الجمر والرصاص، واعتبارها، في شبه انحراف عن الصواب، عبارة عن أحكام معقولة، بل مخففة مقارنة بحجم الجرم أو الجرائم المرتكبة؛ فإن الغالبية العظمى من أهل القانون، والهيئات الحقوقية، وبعض أعضاء الحكومة، وعامة الشعب المغربي، فضلا عن أهل الريف، ومناصري القضية، لم تجد لما يبررها سندا. بل اعتبرها بعض المتتبعين خارج سياق المصالحة التي أسس لها المغرب، وشكرتها له الدول العريقة في الديمقراطية، حتى ظن الشعب المغربي، منذئذ، أنها بداية عهد جديد مع المصالحة الحقة، والقطع مع سياسة تكميم الأفواه، وتركيع الهامات، ووأد الحقوق. كما ذهب البعض الآخر إلى أن هذه الأحكام دليل آخر على ألا شيء تغير، وأن “الرصاص” لازال يلعلع في سماء المغرب، وأن القطيعة المدعاة، مجرد كلام ظرفي سياسوي ليس غير.

إن إيمان المغاربة باستقلالية القضاء، وتنزهه عن الحسابات الضيقة، وارتفاعه، بقوة القانون، عن تأثير الأحداث الطارئة، مهما عظُمت؛ هو الذي ترك في نفوسهم شيئا من الأمل في مراعاة هذا القضاء لواقع الحال الذي انبثقت منه هذه الأحداث، وسار بها درب الحراك إلى اقتراف ما اعتُبِر جرائم رتب عليها القانون أحكاما لا بد أن تجد لها طريقا إلى التنفيذ.

فلقد تناسلت الدعوات لمراعاة ظروف حدوث ما اعتبره القضاء جرائم لا غبار عليها، وتنزيل الأحكام بناء على واقع هذه البيئة التي أشعلت الحراك الاجتماعي، مادام القضاء كما يقال:” ابن بيئته”، ومراعاته لظروف ومناطات الاقتراف الجرمي أحد اختصاصاته الثابتة، واعتبار هذا الإمكان القانوني المخول لهيئة القضاء بصمة أمل للأضناء، من أبناء الحراك وذويهم، لتدارك الأحكام إياها خلال فترة الاستئناف، للقطع مع هذا المخاض المجتمعي الذي تلى صدور الأحكام، وقسم المجتمع المغربي إلى فريقين؛ فريق مؤيد، وآخر معارض ضمنه أهل القانون، والحقوق، ورجال الميدان؛ حتى يساهم هذا القضاء، كما هو معهود فيه، في قطع دابر الفتنة، والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ويؤسس لمصالحة تعيد الاعتبار للاحتجاج السلمي والمسؤول، وتكذب كل الأصوات الحاقدة والمتربصة بوحدة البلاد، وصفه الداخلي، والتي ركبت على الأحكام إياها للمس بنزاهة هذا القضاء واستقلاليته لحاجة في نفوسها المريضة.

فأمل المغاربة قاطبة أن يساهم هذا القضاء، الذي يثقون فيه ويقدرون رجالاته، في نزع فتيل الفتنة النائمة، ويعدل من هذه الأحكام، في المرحلة الاستئنافية، في اتجاه التخفيف، مراعاة لظروف حدوث الاقترافات المُدانة، والتي نتجت داخل سياق تدافعي انبثق عن هبات اجتماعية مشروعة، قبل أن تعتريها أحداث شاردة غير متحكم فيها.

وأملهم أكبر في تدخل ملكي حاسم لإصدار عفو شامل يبني لمصالحة مع أبناء هذه المنطقة العزيزة، تقطع الطريق على المقتاتين من الجِيًّف، ممن يتربصون بالمغرب والمغاربة الدوائر؛ في الداخل و الخارج، سواء !..

فهل سيستجيب القضاء المغربي لنداء الضمير، ويراعي “المناط الخاص” للاقترافات المُدانة، ويعيد إلى المغاربة بصمة أمل في انقشاع الغمة، ورص الصف والكلمة؟!! .

هذا ما يأمله كل مغربي حر وعاقل، يبغي لبلده الخير، ويخشى عليه الفتنة والضَّيْر.

دمتم على وطن.. !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *