مجتمع

موسم طانطان .. الحسابات التجارية تهدد بنسف “ألموكار” أهل الصحراء

محمد سليماني – طانطان

بهمة عالية، وعنفوان البدو، وشهامة أهل الصحراء، اتحدت سواعد جميع القبائل الصحراوية لإحياء موسم طانطان وإعادة أمجاده الخالدة كفضاء تتلاقى فيه كل قبائل “البيضان”، فكانت الانطلاقة والبداية سنة 2004.

صفّق الجميع حينها للمبادرة وساهموا في إنجاحها ماديا ومعنويا، بل تسابقت القبائل وتنافست فيما بينها على البروز في الموسم والمساهمة بشكل أكبر بما يليق بمقامها وسمعتها وجاهها.

بعد توالي الدورات، وبعد منحى تصاعدي أخذه تنظيم هذا الاحتفال السنوي حتى وصل للعالمية كتراث عالمي للإنسانية، صار اليوم مثل باخرة في طريق غرقها، فأصبح البحارة ينطون منها قبل وصولها إلى القاع، ذلك ما حل بموسم طانطان الذي أصبح اليوم “علامة تجارية” لدكان يفتح أبوابه أياما قبل موعده، ويغلقها في اليوم الأخير من عمره. وهكذا تعالت أصوات “رافضة ومقاطعة” لهذا الموسم، وتعالت صيحات أخرى ممن احتضنوا هذا المولود سنة 2004 للمطالبة بإعادته إلى سكته الحقيقية.

هكذا انطلق الموسم

بعدما فرضت السلطات الاستعمارية الاسبانية، ضريبة على ساكنة الصحراء، اجتمعت القبائل حول الشيخ “محمد لغظف” لمناقشة سبل الرد على إسبانيا، غير أنه في سنة 1960 رحل الشيخ لغظف إلى دار البقاء، فوري جثمانه الثرى بمنطقة “الدْراع” بأحد الجبال المطلة على مدينة الطنطان، كما شيد على قبره ضريح، أضحى مزارا للقبائل الصحراوية، بل تم تنظيم لقاء ديني وروحي وثقافي بجواره سنة 1963، وأضحى هذا الموسم الذي كان يحمل اسم “ألموكار طانطان” محجا لكل القبائل الصحراوية من المغرب ومن دول مجاورة كموريتانيا والسنغال ومالي والنيجر والجزائر. استمر الموسم حتى سنة 1973 ليتم إيقافه بعد بروز مشكل نزاع الصحراء.

في سنة 2004، وحينما كان محمد جلموس عاملا على إقليم الطنطان، قبل أن يعين واليا على العيون بعد ذلك، جمع أشراف وكبراء القبائل الصحراوية، ونادى فيهم أن يهبوا لإحياء موسم عرفت به الطنطان وعرف بها. حينها صفق الجميع للفكرة وتسابقوا لاحتضانه ودعمه، فعقدت كل قبيلة اجتماعات متواصلة فيما بينها حول طريقة المساهمة والدعم والمشاركة.

تنجد الجميع سلطات وسكان وفعاليات، ومرت دورته الأولى بشكل رائع، مما جعل منظمة اليونسكو تمحنه سنة واحدة بعد إحيائه (أي في سنة 2005) حق تسمية “رائعة العبقرية الإبداعية الإنسانية” و”تراث إنساني لامادي”، كما أصبح الموسم بتعبير المدير العام لليونسكو الذي زار المنطقة سنة 2004 للمشاركة في أنشطته “الشهادة الحية للثقافات الشفهية والفنية المغربية” كما أضفت رعاية اليونسكو طابعا خاصا على المهرجان، حين اعتبرته تعبيرا عن التراث الثقافي العالمي، مؤكدة أنه يستحق أن تتمص يانت وتنميته للحفاظ عليه كثقافة حية والسماح قبائل الرحل الالتقاء والانفتاح على العالم في جو يطبعه التسامح والسلام.

مأسسة الموسم

كان تنظيم الموسم في بداياته يتم من قبل أبناء المنطقة، فمنذ الدورة الأولى سنة 2004 إلى غاية الدورة التاسعة سنة 2013 كانت عمالة الإقليم بمعية فعاليات جمعوية وحقوقية ونشطاء المدينة وأعيان القبائل هم من يشرفون على تنظيم هذا الملتقى. بعد ذلك، تفتقت فكرة أخرى حول مأسسة هذا الموسم، ولأن أصحاب الفكرة كان لهم بعد نظر، سرعان ما اقترحوا أن يتم تعيين شخصية مقربة من دوائر القرار المركزي على رأس هذه المؤسسة، وهو ما تم بالفعل، إذ أشرف الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الشرقي الضريس سنة 2014 على التوقيع على اتفاقية لإحداث مؤسسة “أموكار طنطان”، والتي ستسهر على تنظيم الموسم كل سنة، وذلك بحضور الكاتبين العامين وزارتي الثقافة والسياحة، ووالي جهة كلميم السمارة، وعامل إقليم طانطان.

في البداية رحبت ساكنة المدينة بفكرة المأسسة، لأنها ستقطع مع العفوية والبساطة التي كان يتم بها التنظيم، ثم أيضا من أجل معرفة المخاطب والمسؤول عن الموسم من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تطوير الموسم بما يخدم ثقافة البدو وأهل الصحراء، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي سفن أبناء المدينة، فالعفوية والبساطة التي كان يتم بها تنظيم الموسم كانت أفضل مما حل به بعد دورته الحادية عشرة حسب مصادر متطابقة، وكمؤشر واحد فقط، فقد بنيت سنة 2004 حوالي 7000 خيمة بساحة “السلم والتسامح” كانت تعج ليلا ونهارا بكل ما يعيشه أهل الصحراء في يومهم، لكن بعد دورته الحادية عشرة، لم تعد تتجاوز الخيام التي تنصب بالساحة 200 خيمة.

غياب تصور وغموض الأهداف

بالرغم من أن دفتر التحملات الموقع ما بين “موسم طنطان” ومنظمة اليونسكو يؤكد على ضرورة حماية الثقافة المحلية والهوية الصحراوية، إضافة إلى ضرورة جعل الموسم رافعة للتنمية الحقيقية، وأن يكون عاملا مساعدا في تحريك عجلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمدينة، إلا أن ذلك أضحى بعيد المنال بشهادة كل أبناء المدينة الذين رفعوا أصواتهم عاليا من أجل إعادة قطار الموسم إلى سكته الحقيقية. بل تحول الموسم إلى علامة تجارية، حيث يروج في الصالونات المغلقة بالمدينة أن ميزانية هذا الموسم العالمي تصل إلى 4 ملايير سنتيم سنويا، تقدم اليونيسكو جزء منها، فيما تساهم مؤسسات عمومية أخرى ماديا فيه، كما تساهم في ميزانيته دول خليجية أخرى إلا أن التعتيم يحيط بالموضوع، بالرغم من المحاولات العديدة للوقوف على ميزانية الموسم ومداخله ومصاريفه.

واستنادا إلى معطيات حصرية، فإن وزارة الداخلية لم تعد راضية على طريقة تنظيم هذا الموسم، خصوصا بعد توصل مصالحها المركزية بتقارير تفيد تنامي حجم الغضب الشعبي من طريقة تنظيم الموسم الذي أضحى بدون تصور ويفتقد لاستراتيجية واضحة ولم يعد يضع أهدافا ملموسة يحققها. فبعد سنوات من التنظيم وصرف الملايين، لم يُسجل أي انعكاس للموسم على الساكنة، بل حتى الوجوه التي تحل بالمدينة تأتي قبيل انطلاقه، وتحزم حقائبها في اليوم الأخير تاركة وراءها ديونا ومستحقات غير مؤداة لمقاولات مشاركة.

وما يزيد من تأزم الوضع حيال موسم طانطان، هو مركزة قراره بمدينة الدار البيضاء، ففي الوقت الذي كان أبناء المدينة يشاركون في تنظيم موسمهم، صاروا الآن زوارا يشاهدون ما يقوم به آخرون لا يزورون المدينة إلا قبيل افتتاح كل دورة.

لكن الغريب أن فضاءات الموسم يتم توزيعها وفق المكانة الاعتبارية للزوار، بحيث أن الوزراء والشخصيات الكبيرة تجهز لهم فضاءات خاصة بمنطقة الشبيكة (50 كيلومتر جنوب طانطان) لا يلتقون مع الساكنة، بينما بقية القوم يترددون بين ساحة السلم والتسامح وساحة السهرات الليلية.

وهذه السنة تم تحويل مكان علية القوم والوزراء والزوار إلى منطقة مصب وادي درعة، حيث نصبت لهم خيام سياحية من نوع 5 نجوم، وجهزت لهم منصة للسهرات، بعيد عن أعين وتلصص المصورين والسكان من الدرجات الدنيا. وقد أحدث هذا التحويل من الشبيكة إلى مصب وادي درعة صراعا كبيرا بين رئيسي الجماعتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *