مجتمع

مسؤولية السائق في فاجعة بوقنادل .. “العمق” تكشف الرواية الأخرى

س. درداف / ج. أمدوري

مباشرة بعد إعلان نتائج التحقيق الذي أعلن وكيل الملك بسلا فتحه عقب انحراف القطار رقم 9 يوم الثلاثاء 16 أكتوبر على الساعة العاشرة و20 دقيقة بمنطقة بوقنادل، لمح عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومن بينهم أشخاص قالو إنهم سائقو قطارات إلى شكوك حول عدم المسؤولية الكاملة لسائق القطار وحول النتائج التي صدرت بعد أسبوع فقط من الفاجعة والتي أكدت أن السرعة المفرطة للقطار والتي بلغت 158 كلم في مكان الحادث، الذي تم تحديد السرعة الأقصى به في 60 كلم، هي السبب الرئيسي للحادث الذي خلف سبعة قتلى وأزيد من 125 جريحا، بعضهم إصاباتهم بليغة، مما جعل النيابة العامة توجه للعربي الريش تهم القتل والجرح الخطأ وهي الجنح المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصلين 432 و 433 من القانون الجنائي، وتمت إحالته على هيئة المحكمة الابتدائية بسلا في حالة اعتقال لمحاكمته.

أعطاب وفوضى

ولأنها تبقى “شكوكا” إلى أن يتبث العكس، حاولنا التأكد منها من خلال الاتصال بأزيد من ستة سائقي قطارات، بعضهم التحق بالعمل حديثا والبعض الآخر قضى سنوات في المهنة، أربعة منهم رفضوا الخوض في تفاصيل الموضوع وتهربوا من الرد بدعوى “عدم الإلمام بتفاصيل الحادث” واثنان وافقا على الإجابة على أسئلتنا بشرط أن لا يتم نشر أسمائهما خوفا من أي عواقب من المسؤولين.

السائق الأول أشار في تصريحه لجريدة “العمق”، إلى أن “الـ ONCF سبق وأبرمت صفقة لشراء أجهزة تحذر السائقين في حالة عدم التجاوب مع علامات التشوير أو ما يسمى بـ ETCS (اختصارا لـ European Train Control System) لكن للأسف لم يتم استعمالها لحد الساعة على حد علمي”، مؤكدا أن “السائقين العاملين في المكتب الوطني للسكك الحديدية يعانون منذ مدة مع علامات التشوير”، لكنه في المقابل رفض أن يعلق على حادثة بوقنادل.


أما السائق الثاني والذي كان أكثر انفعالا من زميله فأشار في تصريح للجريدة أن “التحقيق كان مستعجلا ولم يفصل في وقائع الحادث، مما يدل على أن بعض التفاصيل الأخرى تم إخفاؤها أو أن من تم تكليفهم بالتحقيق لم ينتبهوا إليها”.

وأوضح المتحدث ذاته: “هناك فوضى في عملنا تفوق التصور، خاصة مع الأشغال الأخيرة التي تعرفها السكك الحديدية في عدد من المحطات تحضيرا لانطلاق المشروع الجديد (TGV)، فأسباب الحادث ليست كلها على عاتق السائق البسيط، بل إن المسؤولين لهم يد في ذلك، ووجب التحقيق بشكل أكبر.”

وأردف: “لا يمكن لسائق القطار وحده أن يتحمل المسؤولية الكاملة، أولا لأن سائقي القطار يعيشون وضعية صعبة، خاصة فيما يتعلق بالأجور، وثانيا لأن ظروف العمل متدهورة وفوضوية كما قلت سابقا، وسبق للعديد منا أن قدم شكايات تتعلق بعلامات التشوير وأعطاب تتوزع في مختلف سكك المملكة”.

الحالة الميكانيكية للقطارات مسؤولة أيضا

محمد الوالي الخبير في السكك الحديدية بهولندا، أكد في تصريح خص به جريدة العمق يوم الأربعاء 17 أكتوبر، أي بعد يوم من الحادث، أن هناك 4 فرضيات قد تكون وراء انقلاب القطار الذي كان يربط بين الدار البيضاء والقنيطرة.

وأوضح الوالي الذي اشتغل بقطاع السكك الحديدية منذ ثمانينيات القرن الماضي أن سرعة القطارات تكون محددة في كل خطوط السكك الحديدية كما هو الحال في الطرقات، مضيفا أنه لا يمكن للسائق مثلا أن يقود القطار بسرعة 140 كيلومتر في خط سرعته محددة في 40 كيلومترا كما هو الحال في المنعرجات.

وأضاف المتحدث ذاته، أن القطارات مزودة بنظام أوتوماتيكي للسرعة، يقوم بضبط سرعة القطار حسب الخط الذي يسير فيه، ولكن بعض السائقين لا يقومون بتشغيله، ما يؤدي إلى حوادث خصوصا أثناء تغيير مسار السكة، أو أثناء الانحراف في المنعرجات.

وبحسب الخبير المذكور، فإن الحالة الميكانيكية للقطارات تكون أحد أبرز أسباب وقوع الحوادث أيضا، مضيفا أن كل قطار تكون لديه مدة محددة لمراقبته وصيانته وفي الغالب مرة كل شهر، مشيرا في السياق ذاته، إلى حادث انقلاب قطار بألمانيا والذي خلف أزيد من 50 قتيل وتبين أن السبب هو خروج إحدى عجلاته عن السكة واصطدامه بقنطرة.

وأردف الوالي في حديثه مع الجريدة، أن نظام الفرامل في القطارات يستخدم ضغط الهواء، حيث يتم شحن خزانات الهواء في كل مقطورة، مضيفا أن ضغط الهواء الكامل يرسل إشارة إلى كل عربة للإفراج عن المكابح، لافتا إلى أن إصابة هذا النظام بعطل ناجم عن عدم مراقبة القطار قد يؤدي إلى انحصار عجلات قاطرة الجر وبالتالي انحراف القطار عن سكته.

فرضية أخرى قد تكون وراء انقلاب القطار، بحسب الخبير المغربي في السكك الحديدية بهولندا، هو إتلاف خط السكة من خلال وضع قضبان حديدية وسطها أو أحجار كبيرة قد تؤدي إلى انحراف القطار عن مساره خصوصا إذا كان يسير بسرعة كبيرة، لافتا في هذا الإطار إلى أن الأمطار قد تتسبب أيضا في إتلاف القضبان الحديدية حيث تؤدي إلى تأكلها، ما قد يؤدي إلى تضرر السكة وبالتالي خروج العجلات عن مسارها.

وشدد الخبير المذكور على ضرورة صيانة خطوط السكك الحديدة بشكل أسبوعي لإصلاح أي عطب قد يطرأ عليها تفاديا لوقوع مثل هذه الحوادث، مشيرا إلى أنه في هولندا هناك قطارات مزودة بكاميرات مهمتها مراقبة خط السكة وإرسال إشارات عبر القمر الاصطناعي إلى المصلحة التقنية والتي تقوم بتحليلها والتأكد من عدم وجود أي عطب في السكة، وإن وجد يتم إرسالة متخصصين لإصلاحه.

المتهم رفض التعليق

جميلة زوجة العربي الريش، أكدت في تصريح لجريدة “العمق” أن زوجها رفض الكشف أو التعليق على تفاصيل الحادث، موضحة أنه “مازال في حالة صدمة وتم استجوابه من طرف المحققين المكلفين بالحادث لأكثر من مرة وأثناء مكوثه في المستشفى جراء إصابته على مستوى الرأس”.

وأشارت إلى أن المسؤولين عن زوجها قدموا له “شهادات تقدرية” في أكثر من مناسبة تنويها بكفائته وإخلاصه في العمل.

قطارات متآكلة وبرمجة يدوية

وكان المجلس الأعلى للحسابات قد رصد في تقرير له صدر قبل قرابة الثلاث سنوات (2015 تحديدا) مجموعة اختلالات، أبرزها عدم تعميم التدبير الرقمي للبنيات التحتية،والبرمجة اليدوية للصيانة، فضلا عن عدم الاشتغال برقمنة التدبير على مستوى البنيات التحتية المتمثلة في أسلاك تزويد القطارات بالكهرباء والتشوير، والمنشآت الفنية، التي لا تدبر بواسطة نظم معلوماتية، علاوة على ضعف تعقب عمليات مراقبة القرب التي يجب القيام بها من طرف الهيئات الجهوية.”

ووقف تقرير المجلس الذي يرأسه إدريس جطو، على قصور استخدام بعض آلات الصيانة، من خلال تحليل إنتاج حظيرة الصيانة ذات المردودية الضعيفة مقارنة مع معدات من نفس الفئة، بفعل تقادم أجهزتها، كما تطرق إلى التأخر في صيانة المنشآت الفنية، وضعف تتبع مؤشرات أداء الصيانة، الذي يؤثر بشكل سلبي على الزيادة في طول الخطوط التي تتطلب تحسين مستوى الراحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *