وجهة نظر

الأدوار الطلائعية للمجتمع المدني

يعتبر المجتمع المدني شريك أساسي ومحوري في التنمية، تلك هي العبارة التي تتردد كثيرا في كل المنابر التي تهتم بهذا المجال، ذلك ان المنظمات غير الحكومية يمكن ان تكون حلا للعديد من الإشكالات التي تعاني منها الدولة، وحيث ان عدد الجمعيات والمنظمات التي تأسست وبوثيرة سريعة ورهيبة بعد انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 والتي شجعت الجمعيات والتعاونيات على انجاز المشاريع التنموية في مختلف المجالات. اضافة إلى الأدوار الجديدة له بعد دستور 2011، إذ فتحت آفاق جديدة للجمعيات في الترافع على قضايا المجتمع الوطنية والمحلية امام مختلف مؤسسات الدولة. ان المكانة التي احتلها المجتمع المدني في المغرب يجعل منه رافعة أساسية للتنمية وواحد من مجالات اشتغال الشباب وفق الموارد البشرية والمالية المتوفرة. في ظل هذا السياق هل فعلا يؤدي المجتمع المدني ادواره الأساسية داخل المجتمع؟ وها هي الإشكالات التي تتخبط فيها ؟ وكيف يمكن تجاوز هذه الصعوبات للرفع من أدائه؟

ان الحديث عن الحياة الجمعوية في السنوات الأخيرة يستوجب الوقوف عند الوضعية التي تعيشها المنظمات غير الحكومية، ذلك ان الجمعيات تشتغل بمنطق التطوع وغياب تمويلات تغطي كل الحاجات الأساسية لها من أجل الإسهام في التنمية المنشودة. ومناقشة هذا الموضوع بالتدقيق لابد من ان نعرج على العديد من العناصر الأساسية المشكلة للصعوبات التي تعتريها والمشاكل التي تتخبط فيها:

1. الترسانة القانونية:

أصبحت الحياة الجمعوية تعيش ترسانة قانونية مهمة وخصوصا بعد دستور 2011، بهدف إعطائها مصداقية اكثر، وظهور مجموعة من المؤسسات التي تمثلها في مختلف هيآت ومؤسسات الدولة محليا وجهويا ووطنيا. هذا بالإضافة إلى أدوارها الدستورية في الترافع وتتبع الشأن المحلي، والوطني والتفاعل المستمر معه. الا ان هذه التحولات التي عرفها هذا المجال، فمازال يتخبط في معانات المساطر الإدارية والقانونية في تأسيس وتجديد المكاتب والفروع، وما زالت هذه النقطة جاثمة على صدور الفاعلين الجمعويين في انتظار حلول في تبسيط المساطر والإجراءات.

2. أجهزة الجمعيات والمنظمات وبرامجها:

ان المتتبع للشأن الجمعوي يعرف ما تتخبط فيه الجمعيات من نقص في التدبير الجيد لأجزتها وهياكلها، ذلك ان بنسبة مهمة منها تشتغل بشكل تقليدي بسيط في ظل التطورات السريعة التي يعرفها هذا الميدان، وهذا راجع إلى قلة الموارد البشرية التي يعاني منها وسوء تدبيرها ان وجدت، ثم ان ضعف التكوين في ثقافة استثمار الموارد البشرية يؤثر بشكل سلبي، من هنا وجب التوجه نحو تطوير قدرات الشباب عبر التكوين المستمر وتأهيلهم في اليات الاشتغال والرفع من المردودية.

اما عن المسؤوليات والادوار في مكاتب الجمعيات فهي تعيش مشاكل بالجملة، في غياب تام للديمقراطية والتداول على المهام، الشيء الذي يكرس ثقافة حب البقاء في المنصب وتصبح تلك الفئة مسيطرة على الساحة الجمعوية، وهو ما يفوت فرص إعطاء المشعل للطاقات الشابة الراغبة في تطوير العمل وتجويده. ان من اهم سبل نجاح عمل الجمعية وأهدافها هو التداول على المسؤوليات واندماج طاقات جديدة وتكليفهم بمهام محددة .

وفيما يخص البرامج والمخططات فالجمعيات تفتقر إلى مخططات واضحة ودقيقة تحدد رؤية المنظمة وسياسة اشتغالها، ذلك ان التفكير في ثقافة وضع مخطط استراتيجي للجمعية يوضح الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى بعد دراسة مصلحة تستحضر مجموعة من الشروط، ثم المخطط التشغيلي الذي يوضح البرامج السنوية وفق مؤشرات محددة تساعد تقييم الأداء، كما تساهم في تدبير الموارد الشرية وتوزيعها حسب الكفاءة والتخصص.

3. معضلة الإمكانات المادية والمالية

تعاني جل الجمعيات نقص كبير في الإمكانات المادية حيث غياب البنيات التحتية للاستقبال، حيث ان العدد الكبير التي تتأسس لا تواكبها بنيات تحية واسعة، وهي من اكبر المعضلات التي تعيشها الجمعيات، زد على ذلك دور الشباب التي تعيش وضعية هشة وعدم قدرتها على استيعاب الأنشطة المكثفة للجمعيات. ان المنظمات التي لا تملك مقرا يصعب عليها تنزيل برامجها بالشكل الذي ينبغي، بحيث تجد صعوبات في أوقات الاشتغال واستقطاب الأعضاء، في انتظار ان تجتهد الدولة في خلق مراكز للاستقبال وإبراز المواهب الجمعوية.

اما من ناحية الجانب المالي فمن اكبر ما يشكل معيقا لعمل المنظمات والجمعيات قلة الموارد المالية أو انعدامها أحيانا. فامام وفرة البرامج وتعدد المواهب والمبادرات الجمعوية الجادة تظل الجمعيات تعاني من خصاص مهول في الجانب المالي، وما يزيد الأمر صعوبة هو ان العاملين في بعض الجمعيات يعانون البطالة وبالتالي التضحية المالية تكون ضعيفة أو منعدمة، واذا نظرنا إلى المنح التي تقدمها الدولة للجمعيات نجدها ضعيفة لا تستجيب لحاجياتها سواء الاجتماعية منها أو الثقافية أو الرياضية.

وكما اشرنا سابقا فالمنظمات التي تشتغل بدون مخططات استراتيجي، تعجز عن إيجاد شراكات وتنسيق مع مختلف الفاعلين، مما ينعكس سلبا على مردوديتها في الإنجاز، وإيجاد موارد مالية أخرى تطور بها عملها.

ان المجتمع المدني كشريك أساسي في التنمية لا يمكن ان يكون شريكا حقيقيا دون تحقق مجموعة من الشروط وتوفر عدة عوامل أساسية تضمن استقراره. ذلك ان نسبة مهمة من من يشتغلون فيه يعانون من مشكل البطالة والعجز المادي، وبالتالي وجب التفكير في تحويل هذه الجمعيات إلى شركات منتجة تحارب فعلا الهشاشة والظروف المعيشية الصعبة. اما عن العمل الجمعي في العالم القروي فلنا معه مقال اخر.

وفيما يخص أدوارها الجديدة والتي أصبحت جوهرية ولا يمكن الاستغناء عنها، وخصوصا بعدما حظيت به من مكانة في مؤسسات الدولة فيمكن الإشارة اليها في مت يلي :

1. الترافع من أجل قضايا المجتمع المحلية والوطنية وذلك عبر الوسائل التي اتاحتها الدولة والتي اشارت اليها من خلال العرائض والأيام الدراسية والتنسيق مع مختلف الهيآت الأخرى التي لها نفس الأهداف.

2. الاسهام في التنمية المحلية عبر انجاز مشاريع تنموية محلية تستجيب للحاجيات المنشودة وفق تشخيص دقيق، والذي يتحقق كذلك عبر برامج متنوعة وهادفة تتجاوز بعض الأنشطة التقليدية والمستهلكة.

3. تأطير الشباب واليافعين ومساعدتهم على اكتساب مهارات مواجهة الصعوبات التي تعتريهم في الحياة، والاهتمام بمجال الطفولة لتطوير قدراتهم الفطرية، ناهيك عن الالتفات الة وضعية المرأة في العالم القروي بالخصوص.

4. الانتقال من العمل الجمعوي التقليدي البسيط الى الاحتراف وتحقيق نتائج مهمة بمجهود أقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *