ملف

قطع الرؤوس وتشويه الجثث .. بين هول الجريمة وتراخي الدولة

صدمت جرائم تقطيع الرؤوس والتنكيل بالجثث وإحراق الأطراف المجتمع المغربي، وبرزت تلك المظاهر العنيفة في جرائم ذبح السائحتين الاسكندينافيتين في إقليم الحوز، وفي فصل رأس سيدة بمدينة أزرو عن جسدها، وفي حرق جنينين في ضواحي مدينة الخميسات وغيرها من الجرائم التي شهدتها مناطق متفرقة من المملكة.

وأظهرت تلك الجرائم أن المجرم لم يعد يكتف بفعلي القتل والإفناء بل تعد ذلك إلى التفنن في فعلي التمثيل والتعذيب بشكل وحشي لا يمت بصلة لقيم الإنسانية، وقد دفعت تلك الجرائم هيئات المجتمع المدني إلى المطالبة بإنزال أقسى وأقصى العقوبات في حق المجريين، وسط أسئلة حول كيف وصل الإجرام إلى هذا الحد من البشاعة.

تراخي الدولة 

في هذا الصدد، يرى أستاذ علم الاجتماع، علي الشعباني، أن تطور القتل داخل المجتمع المغربي إلى تقطيع الرؤوس والتفنن في تفصيل الجثث، يرجع إلى سببين أساسيين، الأول تراخي الدولة وتعاملها بنوع من الاستخفاف مع الإجرام والمجرمين، والثاني انهيار المنظومة القيمية والدينية والاجتماعية”.

وقال الباحث في علم الاجتماع، في تصريح لجريدة “العمق”، “عندما تنهار القيم في المجتمع، وعندما تعمل مجتمعات بتفعيل بعض القوانين الأخرى في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وبتخفيف من العقوبات السجنية، وبتحسين الظروف داخل السجن، فالمجرم لن يخاف السجن ولا العقوبة فتكثر مثل هذه الأشياء”.

تدمير القيم

وزاد “فالسبب الرئيسي في تنامي تلك الظواهر هو ارتخاء الدولة، وكذلك تدمير مجموعة من القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها، والتي تعتبر بمثابة حصانة للإنسان ثقافيا واجتماعيا وحتى نفسيا للوقوع في مثل هذه الآفات، لكن عندما انهارت هذه المنظومة، وعندما تراخت الدولة وتساهلت مع الإجرام فكان لابد أن تظهر مثل هذه الانحرافات.

وأوضح السوسيولوجي أن المجرم فيه نزعة عدوانية حاضرة، قائلا “ولكن أن تصل المسألة إلى هذه الأشكال فمعنى ذلك أن هناك قراءة أخرى من طرف المجرمين للأوضاع القانونية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها”، موضحا أن هناك أسبابا ثانوية من قبيل العوامل النفسية المرضية أو بعض الحالات الاجتماعية والمعاناة من العقد الاجتماعية والنفسية وغيرها.

عقوبات خفيفة

واعتبرت الخبيرة في العلاقات الأسرية، نعيمة دريدي، تقطيع الرؤوس والتفنن في تفصيل الجثث بالمجتمع المغربي “ظاهرة معقدة يصعب البحث في أساليبها”، قائلة “لهذا نجد أن الدول الغربية رصدت للبحث في ظاهرة القتل باحثين لمعرفة الأسباب وراء ظاهرة القتل لكن هذا لا يمنع أن نبحث في الأسباب المؤدية للجرائم”.

وقالت مستشارة أسرية، “نجد في طليعة الأسباب التي تقف وراء الإقدام على جرائم القتل والتفنن في تقطيع الجثث وتوزيعها غياب العقوبات الرادعة، واستفحال ظاهرة تناول المخدرات التي تؤدي إلى القتل وتفنن المجرم بتلك الجثة تحت تأثير غياب الوعي والعقل، علاوة على تنامي ظاهرة العنف التي تؤدي في كثير إلى القتل من بدون نية مبيتة لإحداثه”.

وأضافت المحاضرة في مجال الأسرة، إلى تلك الأسباب “غياب صمام الأمان في المجتمع، موضحة أن صمام الأمان هو القيم والأخلاق، التي أدى غيابها إلى استفحال ظاهرة تقطيع الرؤوس والتفنن في تفصيل الجثث والتنكيل بها ليس فقط في المغرب وإنما في مناطق متعددة من العالم.

الأمل الأخير

واقترحت الأستاذة الباحثة لعلاج الظاهرة إصدار أحكام زجرية تتلاءم مع التركيبة الإجرامية للمجرم، وكذا القضاء على الظواهر المؤدية إلى القتل من مخدرات وعنف، علاوة على الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية، قائلة هي الأمل الأخير لمجتمعنا للعودة به إلى بلد الأمن والآمان.

ودعت الباحثة جميع المؤسسات المجتمعية والهياكل المؤسسة التي يقوم عليها بلدنا بما فيها المدرسة والبيت والمسجد والمجالس العلمية والمؤسسات المتعددة إلى الانكباب على إيقاظ التنشئة المجتمعية من أجل إحداث التوازن للجيل الصاعد حتى ينشأ في هوية صحيحة وسليمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *