منتدى العمق

رئيس الحكومة و”دون كيشوط” حزب العدالة والتنمية

من المتعارف و المصطلح عليه، أن الرواية العالمية “دون كيشوط”،تعود إلى الأديب الإسباني “سيرفانتيس”.غير أن هناك رأي مخالف، ينسبها إلى العربي الأندلسي “سيدي حامد الإيلي”.

وأي كان صاحبها و مؤلفها،فهو يتمتع بموهبة فذة ،إلى درجة تجعل القارئ و هو يقرأ في فقرات هذه الرواية ، و فصولها، و ما تحويه من أحداث عجيبة غريبة ،يعجز عن إخفاء الابتسامة التي ترتسم على محياه بين الفينة و الأخرى .لا لشيء،إلا لإعجابه بشخصية بطل الرواية، النبيل الشجاع: ” دون كيشوط”.

تحكي الرواية عن شخص(دون كيشوط) عاش في بداية الزمان ، في بلد طاله الظلم و النسيان.و لنبله،و شجاعة قلبه ،تحيّر كثيرا في إيجاد حلّ للأزمة التي كان يتخبّط فيها العالم حينذاك.كان كثير الحب للقراءة و المطالعة،فتصادف أن وقعت يداه على كُتب تحكي عن حياة و عمل “الفرسان الجوالة “.و منذ تلك اللحظة ،أصبح منغمسا كليا في البحث و القراءة ،لا يبرح مكانه إلا لماما.و ما إن بدأت فكرة “الفرسان الجوالة” تتسرّب إلى قلبه رويدا رويدا ،حتى استقرت في أعماق روحه ،وامتلأ بها خاطره،فاقتنع قناعة تامة على أنها الفكرة المناسبة لتخليص العالم من ألامه وشروره ،وبلسما شافيا للمعذبين فوق سطح الأرض.

لم يكن ينام إلا ساعات قليلة ،و لم يكن يقتات إلا فتات الطعام ،حتى خولط في عقله ،و هزل جسده.و بعد أن حسم أمره، قام من فوره لتوفير ما يحتاج إليه تطبيق الفكرة من عدّة،و مدّ يد المساعدة،تماما كما كانت تفعل “الفرسان الجوالة” .

و للإشارة،فقصة الفرسان الجوّالة ،لم ينسُجها مؤلف الرواية من خياله،بل هي حقيقة واقعية .والتاريخ لا يزال يحتفظ بها في ذاكرته..ففي زمان معين من تاريخ البلاد الاسكندينافية،كانت الكنيسة تعمل على تعميد بعض المترشحين من الرجال، للقيام بهذه المهمّة .وبعدها ،يجوبون مشارق الأرض و مغاربها.يحاربون الفساد و يطاردون قُطّاع الطرق ،ويقدمون الخدمة لمن يحتاج إليها.ومن جملة الشروط المتطلبة لبلوغ رتبة “فارس جوال “،أن يتمتع المترشح بالنبل و يحرص على القيام بالعمل الجاد.

إن التفاعــل مع هذه الرواية من خلال القراءة ،و ما تعالجه من مواضيع ،خاصة سيرة “النبيل دون كيشوط”،قد يتولد عنها إحساس عميق، مفاده، أن ما يجري اليوم من أحداث،خاصة هنا في المغرب، تتشابه إلى حد كبير مع الأحداث و المواضيع التي تعالجها.ولعل هذا،أي تكرار وقائعها و شخوصها بشكل دائم و مستمر وواقعي،هو ما جعل النُقّاد يصنفونها ضمن كرائعة من روائع الأعمال الأدبية على مرّ التاريخ .

و كصورة واضحة (لروعتها )،ولوجه الشبه بين أحداثها الخيالية و بين أحداث المغرب الواقعية ،هو ما صدر عن ( “دون كيشوط “حزب العدالة و التنمية ).

فحينما انطلق “دون كيشوط ،سيرفانتيس” في عمله كفارس جوال ،ممتطيا جواده ،و مسلحا بسلاحه ،و في إثره حامل سلاحه،راكبا ظهر حماره،كان يتصرّف و كأن الزمن الذي يعيش فيه، غير الزمن الحقيقي الذي يعاصره،بل زمن الفرسان الجوالة ،الذين تحكي عليهم الكتب و المؤلفات التي أثّرت في عقله و غيرت مجرى حياته.أما “دون كيشوط” حزب العدالة و التنمية ،فقد اعتقد أيضا نفس الاعتقاد عن رجعية الزمان ،لمّا انطلق ذات يوم نحو مدينة فاس، حيث المحكمة التي كان مزمعا أن يمثُل أمامها أحد أدرعه في الحزب ،المتابع بتهمة المساهمة في ارتكاب جريمة “قتل “.عندها خطب في أتباعه و مريديه بما مفاده:من قبل كنتم تقولون، في سبيل الله ما أحلى المنون ..و اليوم ،أصابكم الرهب، لمجرد استدعاء من المحكمة .. “.فقد قال هذا وكأنه لا يعلم أن زمن الشهادة، قد ولّى و أدبر.

هذه (الخرجة) لم تكن الأولى بالنسبة له،فقد سبق أن قال كلاما أشد وطئا و تناقضا من سابقه. فأمام حشد غفير من أتباعه و مريديه ،صرّح بالحرف الواحد كما ورد في جريدة هسبريس الالكترونية بتاريخ 8نونبر 2018، وكأنه يقدّم لهم ما يشبه الوعظ و الإرشاد في السياسة:”انتقدوا الحكومة ،وانتقدوا الأحزاب ،و لكن الملك وقّروه .يجب أن يظل موقرا ،و أن تحفظ له مكانته الخاصة .”

و في تناقض تام لهذا القول، أضاف،و العهدة دائما على جريدة هسبريس:”أنا الذي كنت سببا في نزع القداسة عن الملك في الدستور ،لأنها جاءت من الأوروبيين الذين كانوا يعتقدون أن الملك مقدس من عند الله ،و نحن لا يوجد شيء كهذا في تراثنا الإسلامي “.

ثم إن وجه الشبه بينه و بين “دون كيشوط”، لا يقف عند هذا الحد ،بل يتعداه إلى أكثر من ذلك، خاصة في العلاقة التي تربط الأول بحامل سلاحه ،و تربط الثاني بأتباعه و مريديه .”دون كيشوط”، رغم يقينه بعدم صوابية أفعاله و تصرفاته التي تجافي العقل و المنطق ،كان يضع لها تبريرات حتى تبدو صادقة.. و يصدقها حامل سلاحه،الذي كان كلما أبدى امتعاضا مما يحصل له من مطبات ،كان سيّده يساومه و يعده في نهاية النصر المبين،بالتتويج على رأس أكبر مقاطعة من مقاطعات الأرض التي سيغزوها،تماما ،كما هو الشأن عند أتباع “دون كيشوط”حزب العدالة و التنمية ،الذين يصدقون كلامه الذي لا يمتّ لواقع المغرب بصلة .

بدوره ،خليفته في الأمانة العامة للحزب،وفي رئاسة الحكومة،لا يشذ عن (خرجات )”دون كيشوط”.ففي عزّ الأزمة التي سبّبها حزبه للمغرب ،و أصبحت الأرض تترنّح بما تحمله،أطلق الكلام على عواهنه ،مشيدا بالأوضاع ،في تفضيل تام عمّا هي عليه في فرنسا ،بلاد الأنوار.

قد لا يسعف المقام لذكر كل التفاصيل،لأنها تحتاج إلى مؤلف كبير.لكن و مهما يكن،ف”دون كيشوط، سيرفانتيس” ،رغم كل ذلك ، كان مدفوعا بدوافع إنسانية محضة ،وكان سبب همّه واهتمامه نابع من نبل شخصه.أما هنا في المغرب ،فالكل يعلم أن السياسة أصبحت بالدرجة الأولى لعبة تمارس من أجل قضاء المآرب الخاصة على حساب مصلحة الشعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *