وجهة نظر

الملكية البرلمانية

من الطبيعي أن يرفض ـ شأنه في ذلك شأن الآلاف من المستفيذين أمثاله ـ الملكية البرلمانية ويفضل عنها الملكية التنفيذية. نعم طبيعي جدا، وأكثر من الطبيعي أيضا، لأنه في الأنظمة البرلمانية لا يمكن للملوك أو الرؤساء أن يمنحوا تقاعدات استثنائية أو يوزعوا العطايا خارج القانون، ولا يمكنهم أن يعطوا ملّيما واحدا من ميزانية دافعي الضرائب خارج المساطر القانونية أو في إطار الاستثناءات.

بل إنه في الملكيات البرلمانية لا يمكن للملوك حتى الحصول على تمويلات إضافية تخصهم هم أنفسهم، فلما طلبت ملكة ابريطانية من رئيس حكومتها تجديد يّختِها الهرم، واجهها دافيد كامرون بجملة قصيرة وبسيطة: “الظروف لا تسمح، إننا نعيش حالة التقشف”. ولما تزوج ولي عهدها، طلبت الملكة من كنّتها أن تشمر علي ساعديها وتخرج للعمل لمساعدة زوجها، لأن الظروف صعبة. ولما رفض عمال اسبنانيا سياسة التقشف وخرجوا في مسيرات، خاطبهم الملك: “نعم، على سياسة التقشف أن تسري علينا كلنا، وأطلب من الحكومة أن تخفض راتبي وراتب ولي العهد بنسبة 7 في المائة”.

طيب من الذي يفعله رؤساء الحكومات عندما يغادرون مناصبهم في الملكيات البرلمانية و”تتزير” عليهم الأحوال؟ هل يحصلون على عطايا استثنائية؟

طبعا الجواب هو “لا” كبيرة، فتشرشل وهو أعظم شخصية في ابريطانيا تحول من رئيس حكومة (بعد ولايته الأولى) إلى كاتب سينارويهات “شارلي شابلن”، وتحول دافيد كاميرون إلى خبير دولي في الاقتصاد، ونفس الشيء بالنسبة وبروان وغيرهم، بل حتى رؤساء أعظم الدول يعودون إلى أعمالهم السابقة أو يشتغلون في شركات أو مكاتب محاماة، فكلينتون مثلا أصبح يشتغل في الاعلام، وأوباما عاد إلى مكتبه، ورئيس حكومة السويد رجع إلى قسم التدريس، بل إن نسبة 80 في المائة من منتخبي سويسرا لا يتقاضون أجورا حتى أثناء فترة انتدابهم.

طبعا، الملكية البرلمانية لا تأتي نتيجة للصدقة، أو برغبة منفردة من الحكام، وإنما هي نتاج مسلسل طويل من النضال والتداول. لا يُتصدّق بها على الشعوب، وإنما هي إفراز للإرادات المستقلة وللشعوب الواعية، وللإعلام اليقظ الذي وصفه مونتسكيوه بالسلطة الرابعة، وللنخب المتلزمة التي وسَمها غرامشي بالعضوية، ولرجال ونساء القانون الذين يدفاعون عن الحريات ولا يهدرون الحقوق، لفنانين وموسيقيين يطورون أذواق الناس ويعالجون قضاياهم بدل الانخراط في “الكلاشات” المتخلفة، وللطلاب والتلاميذ الذين يجتهدون ويطورون أنفسهم بدل البحث عن أذكى وسائل الغش، ولموظفين وعمال يقومون بواجباتهم، ولتجار وأرباب شركات يدفعون ضرائبهم ولا يتهربون منها، وقبل كل ذلك، لنقابات قوية تهتم بالأمور الجوهرية ولا تشغل نفسها بسفاسف الأمور، ولأحزاب ذات مصداقية تراهن على التغلغل داخل القواعد الشعبية ولا تراهن على التموقع داخل دواليب السلطة، ولبرلمان حقيقي يستطيع أن يناقش كل شيء ويرفض أي شيء لا يتوافق والمصلحة العامة.

في الملكيات البرلمانية التي يرفضها السيد ابن كيران وأمثاله، القاعدة القانونية عامة ومجردة وتسري على الجميع بدون استثناء، ولا فرق فيها بين الحمار والبغل ولا يوجد شيء اسمه “ما دون البغل وفوق الحمار” لأن البغل في جميع الأحوال هو من نسل الحمار، سواء كانت أمه فرسٌ أو أثانٌ (أنثى الحمار).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *