وجهة نظر

خطأ وخطيئتا منيار

لما كنا تلاميذ بالسلك الثانوي كان معنا من يعاني الأمرين مع الرياضيات وتؤثر عليه سلبا في باقي المواد العلمية، وكان إذا سئل عن سبب توجهه إلى شعبة العلوم التجريبية أجاب بأنه هرب من “الحفظ” الذي تفرضه المواد الأدبية إلى “الفهم” الذي تتميز به المواد العلمية، كما كان بين أصدقائنا التلاميذ الأدبيين من يستنجد بنا نحن العلميون لنشرح له الفروق بين الاستعارة المكنية والتصريحية أو بين المجاز العقلي والمرسل وغيرها من التفاصيل التي كان أولى أن يكون هو من يتحفنا بتفاصيل لم يسمح لنا تخصصنا بمعرفتها والوقوف عليها.

النموذجان معا ضحية لمنظومة تعليمية فاشلة ومقاربات توجيهية فاسدة، أنتجت لنا تلاميذ علميين غير منطقيين وآخرين أدبيين لا مبدعين، هم الطرفين معا “ابتلاع” محتويات المقررات وكلام الأساتذة، واجترارها دون هضم يوم الامتحان، هذه المنظومة جعلت من القادر على حفظ واستظهار الدروس بغير حاجة لقراءة ما بين السطور هو الأنجح والمتربع على عرش المراتب الأولى.

هذه المنظومة الفاشلة بتأكيد جميع التقارير والتصنيفات العالمية، هي من جعلت تلاميذ اليوم في حاجة إلى “أستاذ معجزة” و”معلم خارق”، وعبارات أطلقت على شباب امتهنوا التدريس في القطاع الخاص وتخصصوا في الساعات الإضافية في مدن عدة، وليس مهدي منيار وحيدا بينهم ولا حالة شاذة أو غريبة في هذا الباب، فلماذا أغلقت مقرات عمله التي أطلق عليها اسم “معاهد منيار”؟

منيار الذي تخرج مثلنا جميعا من هذه المنظومة الفاشلة استطاع ابتكار حل ناجع يمكن تلاميذه من التأقلم مع متطلباتها وامتلاك القدرة على الابتلاع والاجترار مما جعلهم، حسب ما يروجون، ناجحون في تحدي الحصول على العلامات اللازمة لتجاوز عقبة وعتبة الباكالوريا التي نسجت حولها فزاعة أكبر من حجمها، فاستطاع “الأستاذ المعجزة” كسب رهان التفوق في تكييف التلاميذ مع المنظومة التي هندسها أصحاب القرار في قطاع التربية والتكوين، وهذه “خطيئته” الأولى.

أما “الخطيئة” الثانية التي ارتكبها المنيار هي أنه زاحم أباطرة التعليم الخاص و”تجار” الساعات الإضافية، وفرض نفسه في سوق متسمة بالعشوائية والفوضى، الغاية والوسيلة الوحيدة هي “جلب أكبر ما يمكن جلبه من الأشخاص، لربح أكبر ما يمكن ربحه من أموال”، والأعداد التي استقطبها منيار ضيقت السوق على منافسيه، والفاهم يفهم.

الشاب ابن 21 سنة، ارتكب في نظري خطأ مهنيا واحدا، وهو أنه لم يستطع الفصل بين التسويق الجيد لمنتوجه وبين البروباغندا الإعلامية وجعل كل الأنظار متجهة له، فقد قبل بوصف “الأستاذ المعجزة” وسمح بنشر وتداول مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بغير تأطير تسويقي، كما خرج في عدد من المقابلات الصحفية منها ما أظهرته بطلا خارقا يشكل خطرا على منافسيه ومنها من حاولت تبخيس مستواه ومنتوجه والاستخفاف به.

لو وجد منيار من يؤطر خرجاته إلى الإعلام وإدارة سياسته التسويقية لاستطاع تمديد فترة عمل “معاهده”، ولو احتمى بصاحب سلطة مالية لتمكن من وضع تلك “المعاهد” في سكة يقبلها القانون ويصعب اتخاذ قرار اغلاق في حقها، أما لو كان في بلد يحترم مواهب شبابه ويقدس إبداعات شعبه لحظي بالدعم والتكريم، ونال ما يحتاجه من التأطير والتوجيه، ولكتب اسمه في موسوعة المبدعين والمبتكرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *