اقتصاد، سياسة، ملف

هل يحتاج المغرب لتوسيع الوعاء الجبائي أم لمحاربة التهرب الضريبي؟

قُدرت الموارد الإجمالية العادية لميزانية المغرب برسم سنة 2019 بأزيد من 417 مليار درهم، تُشكل حصة الضرائب المباشرة وغير المباشرة ورسوم التسجيل والجمارك أزيد من 217 مليار درهم منها، أي أن الضرائب تشكل نصف موارد الميزانية، وبهذا تحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة (41.45 بالمائة)، تليها الضرائب غير المباشرة (36.98 بالمائة)، ثم رسوم التسجيل (7.49 بالمائة)، وأخيرا الرسوم الجمركية (3.87 بالمائة).

وتأتي الضرائب على (الدخل، والشركات، والقيمة المضافة، والتبغ) على رأس القائمة، إذ تبلغ حصيلة الضريبة على الدخل أزيد من 44 مليار درهم، والضريبة على الشركات 51 مليار درهم، والضريبة على القيمة المضافة في الداخل 20 مليار درهم، والضريبة على القيمة المضافة 40 مليار درهم، والضريبة على التبغ 11 مليار درهم، والرسم على المنتجات الطاقية 16 مليار درهم، ورسوم الاستيراد 9 ملايير درهم.

ومن الناحية الفعلية، أظهر التقرير السنوي حول “أنشطة عن المديرية العامة للضرائب 2018″، أن صافي العائدات الضريبية بلغ حوالي 149.8 مليار درهم، أي بنسبة تحصيل قدرت بـ100.2 في المائة مقارنة بالنسبة المستهدفة. وتوزعت على الضريبة على الشركات أزيد من 58 مليار درهم، والضريبة على الدخل أزيد من 44 مليار درهم، والضريبة على القيمة المضافة أزيد من 39 مليار درهم، وواجبات التسجيل والتمبر أزيد من 17 مليار درهم.

لكن التهرب الضريبي، يكشف واقعا آخر ومعطيات أخرى، فالمغرب يتكبد خسائر ضريبية بقيمة 2.45 مليار دولار سنويا جراء التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات. وأضاف تقرير لمنظمة “أوكسفام” بعنوان “ضريبة عادلة، من أجل مغرب منصف”، أن 82 في المائة من العائدات الضريبية على الشركات تُستخلص من 2 في المائة من الشركات فقط.

ثقافة التهرب الضريبي

وبما أن التهرب الضريبي تحول إلى آفة ثم إلى ثقافة عند الشركات الوطنية وكذا الشركات العابرة للقارات، فقد تأثر أصحاب المهنة الحرة بها، ويتبين ذلك من قيامهم برفض الامتثال لأداء الضريبة، وقد أدرج تقرير المديرية العامة للضرائب الأطباء والمحامين والصيادلة والمهندسين ضمن أكبر المتهربين من أداء الضرائب.

ولاحظ التقرير أن 246 محاميا فقط دفعوا الضرائب من أصل 1929 محاميا، و139 صيدلانيا من أصل 1155، و143 طبيبا للأسنان من أصل 985، و72 مهندسا معماريا من أضل 612، و106 أطباء عاملين من أصل 581، و95 طبيبا مختصا من أصل 486، و22 طبيبا بيطريا من أصل 168 طبيبا بيطريا، وبالتالي يبلغ معدل الامتثال 577 فقط من أصل 5916 شخصا.

والثقافة المنتشرة لدى الشركات وأصحاب المهن جعلت المواطن المغربي المتمثل في الموظف بالقطاع العام والأجير بالقطاع الخاص، يتحينان الفرص من أجل القيام بالتجنب أو التهرب الضريبي، وقد كشف تقرير مؤسسة “أروباروميتر” عن سعي أكثر من نصف المغاربة للتهرب من أداء الضرائب. ولأن الضرائب المتعلقة بالمواطنين تؤخذ من المنبع فلا يجدون أي سبيل للتهرب، لذلك يؤدي 75 في المائة من الأجراء والموظفون مداخيل الضريبة على الدخل.

تُظهر المؤشرات والأرقام أعلاه أن محاربة التهرب الضريبي كفيل بتوفير موارد مالية للميزانية العامة للمغرب، يعفيه من توسيع الوعاء الضريبي الذي يثقل كاهل المواطن البسيط أصلا، ومن هنا تجد أسئلة عديدة مبرر لطرحها من قبل هل المغرب في حاجة لتوسيع النظام الضريبي أم في محاربة التهرب الضريبي؟ هل المغرب في الحاجة للجميع بين توسيع ومحاربة التهرب الضريبي؟ هل بإمكان مسؤولين متهربين من أداء الضرائب إقرار قوانين وإجراءات عملية لمنع التهرب الضريبي؟

الحاجة لخفض الضرائب

وقال الخبير الاقتصادي رشيد أوراز إن “السياسة الضريبية المغربية في حاجة إلى خفض نسب الضرائب والقيام بالإصلاحات المؤسساتية الضرورية لجذب مزيد من الاستثمارات”، مضيفا أن الوضعية الحالية تتسم بالثقل الضريبي سواء على الاستهلاك أو على العمل أو على الأرباح، يرافقها بطء في النمو الاقتصادي، واصفا هذه الوضعية بـ”غير السليمة”.

وأفاد الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات أن تشجع الاستثمار يقتضي القيام بإصلاحات ضريبية يتم من خلالها خفض نسب الضرائب على الأرباح وعلى الاستهلاك وعلى العمل، قائلا “نرى حتى في الاقتصادات العظمى يتم اللجوء لتخفيضات ضريبية من أجل تشجيع الدينامية الاقتصادية، فكيف لا يقوم اقتصاد في طور النمو بذلك”.

ورأى أوراز أن هناك أسبابا معقدة للتهرب الضريبي، منها ما يتعلق بثقل الضرائب، وما يتعلق بالفساد، وما يتعلق بغياب الثقة في المؤسسات الاقتصادية والسياسية، علاوة على فشل الدولة في وضع أسس عقد اجتماعي عادل ومنصف، موضحا أنه في هذه الحالة تبحث البورجوازية الصغير عن كل الطرق من أجل التهرب من التزاماتها تجاه الوطن، وتبرر ذلك بفشل الدولة وبغياب العدالة في المجال الضريبي.

وحول قدرة فاعلين يجمعون بين المال والسياسة على فرض إجراءات لمنع التهرب، قال أوراز إن “القواعد السياسية والمؤسسات يجب أن تضمن عدم تضارب المصالح، فالاقتصادي لا يجب أن يختلط بالسياسي، لأن ذلك يضر بمصالح المستهلكين، وعلى المشرعين أن يضعوا تشريعات لتصحيح الوضع، كما على مؤسسات الحكامة أن تقوم بالمهمة المنوطة بها، وخصوصا مجلسي المنافسة وهيئة محاربة الرشوة.

محاربة التهرب والريع

وشدد الخبير الاقتصادي نوفل الناصري على أن تطوير النظام الجبائي وتوسيع وعائه يكون بمحاربة التهرب الضريبي، وتضريب بعض القطاعات الاقتصادية المعفية، وكذا الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة، موضحا أن هذه المجالات الثلاثة تضيع على الدولة مداخيل عدة، داعيا إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية بشكل حازم ومستعجل من أجل تدارك هذه الاختلالات.

وأفاد الباحث في السياسات العمومية أن المجالات الثلاثة (الإعفاءات الضريبية، تهرب أصحاب المهن الحرة، الاقتصاد غير المهيكل) تضيع على خزينة الدولة مداخيل جبائية تقدر بـ34 مليار درهم سنويا، أولها هيمنة اقتصاد الريع والولوج بكثرة إلى منح الامتيازات والإعفاءات الجباية الذي وصول إلى 30 مليار درهم، حسب تصريحات ومعطيات مديرية المراقبة بالمديرية العامة للضرائب.

ينضاف إلى ذلك وجود حوالي 5093 من ممتهني المهن الحرة من الأطباء والمحامين والمهندسين لم يمتثلوا لأداء الضرائب (تهرب ضريبي)، على الرغم من إشعارهم خلال السنة الماضية، كما ذكرت مديرية الضرائب أن نسبة الامتثال من طرفهم كانت ضعيفة في حدود 13 في المائة، علاوة على مشكل القطاع غير المهيكل الذي يزداد بمعدل 19 ألف وحدة سنويا، حيث وصلت حاليا إلى حوالي مليون و700 ألف وحدة غير مهيكلة.

وقال الناصري “ينبغي إرساء سياسة جبائية وطنية تقوم على 5 دعامات محورية: “العادلة والإنصاف والوضوح والانسجام والنجاعة”، وفق “رؤية بعيدة المدى”، وباعتماد مقاربة “عقلانية وتشاركية وتوافقية وطنيا” بين جميع الفاعلين والمتدخلين في هذا المجال، مع “إرادة سياسية قوية في التنزيل” و”منطق تدريجي في التفعيل”، مع مراعاة “الثوابت والإكراهات والتشريعات الوطنية والدولية”.

وشدد الناصري على أن نجاح الإصلاح الضريبي ليس هو تحقيق التوازنات بين المصالح القطاعية والفئوية بل هو مرهون بمصلحة الوطن والمواطن، موضحا أنه هي المقصد الأسمى لكل إصلاح وهي الضامن لانخراط الجميع فيه.

مشكلة العبء الضريبي

وكشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2016-2017 عن العديد من المعيقات التي تعرقل مناخ الاستثمار في المغرب، منها العبء الضريبي، إلى جانب الاقتصاد غير المهيكل، والفساد، وقطاع القضاء، ونظام تسوية المنازعات بالمغرب.

وسجل المجلس الأعلى للحسابات في تقرير حول “تقييم منظومة الإنعاش الاقتصادي” أن “العبء الضريبي يشكل أهم المعيقات التي تعرقل مناخ الاستثمار في المغرب، إذ يظل مرتفعا مقارنة مع نظيره في معظم البلدان الناشئة الأخرى، وذلك بالرغم من الإصلاحات الضريبية التي عرفها المغرب منذ عام 2007”.

يذكر أن المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات دعت إلى اعتماد قانون إطار للجبايات، وإحداث مجلس وطني للاقتطاعات الضريبية، بالإضافة إلى الالتزام بواجب الشفافية والحق في المعلومة، عبر إعداد تقرير سنوي حول الرسوم شبه الضريبية مرفق لقوانين المالية، ونشر المعطيات الجبائية والقانونية بشكل دوري مع وضع نص مرجعي موحد سهل الولوج بما فيها الدوريات.

ودعت توصيات المناظرة في شق الإنصاف الجبائي، إلى ترسيخ مبدأ التضريب على أساس الداخل العام بالنسبة للضريبة على الدخل، وتوسيع مجال الضريبة على القيمة المضافة ليشمل جميع الأنشطة الاقتصادية، وذلك بتحويل تلك الموجودة خارج نطاق التضريب إلى إعفاء أو إخضاعها لسعر 0 إن اقتضى الحال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *