وجهة نظر

هل يحمل رشيد أيلال راية يهوذا في هدم الحضارة الإسلامية‎

يكفي اليوم و نحن في عالم ضغطة الزر و محرك البحث أن نجلس ساعة من نهار لموضوع ما فنصير فيه باحثين وعلماء و مشايخ ، كل هذا جميل إذا ما اقترن بالموضوعية و الصدق و تحري الدقة و الأمانة في نقل الأخبار و نسبة القول لقائله بدل ادعاء الأصالة الفكرية و السبق المعرفي و اكتشاف الأسرار و الخبايا.

ما أثير اليوم حول وجود الخليفتين ابي بكر و عمر رضي الله عنهما ما صاحب ذلك من جدال ونقاش حول هذا الاكتشاف العظيم للباحث رشيد أيلال، يطرح علينا السؤال الآتي : هل فعلا حقق الأخ رشيد أيلال سبقا معرفيا و اكتشافا خطير يثير الجدل و يسيل لعاب البحث و المعرفة و يخلق الدهشة التي هي أساس السؤال الفلسفي حول التاريخ و الحضارة ؟ أم أننا نعيش خدعة فكرية تجرنا دون شعور إلى إعادة إنتاج منتوجات فكرية قديمة و موجودة فشل أصحابها في الدعاية لها و يحاول أصدقائنا اليوم تجميعها و تلميعها بقالب حديث يعتمد النت و الشهرة و البوز و الأضواء. …

في قراءة سريعة في مجريات الأحداث منذ بداية النقاش حول شخصية ابي بكر و عمر و أنهما مجرد خيال و ان التاريخ المادي يجهل هاتين الشخصيتين سوف نجد أن هذا طرح ليس جديدا البتة و ليس فيه اية أصالة فكرية كما عهدنا على الاخ رشيد عندما طرح كتابه صحيح البخاري نهاية أسطورة للنقاش ، بل غاية ذلك أن فكرته تدخل ضمن فكرة عامة تبناها طائفة من علماء الآثار يسمون بالمنقحين The Révisionniste و على رأسهم عالم الآثار اليهودي يهوذا دي نيفو الذي عاش في إسرائيل ما بين 1932 و 1992 . هذه الطائفة من أهم قواعدها

1 : لابد من توثيق أية معلومات تنفرد بها الروايات الإسلامية بشواهد أثرية مادية و في حالة التناقض تفضل الثانية .

2 : عدم وجود شاهد خارجي لحدث انفردت به الروايات الإسلامية يعد دليلا إيجابيا على أن الحدث لم يحدث .

هكذا روج المنقحون لفكرتهم دون اعتبار المعطيات السوسيولجية للمجتمعات بلاد العرب وبلاد الحجاز خاصة و أخذوا يضعون المقارنات العجيبة و التساؤلات الغريبة لماذا توجد نقوش بزنطية و رومانية و لا توجد نقوش عربية .؟! ولو درس هؤلاء الباحثين مقدمات فقط في علم الاجتماع و العمران لعرفو الجواب و سوف نفرد له مقالا خاصا. لقد أصبح أصدقائنا يروجون لفكرة الآثار المادية مهللين بها على أنها سبق و فتح علمي عظيم ، و لو علم الأستاذ انه بهذا يكرر نفس المقدمات المفضية إلى نفس نتائج يهوذا دي نيفو و التي هي باختصار شديد ما ذكره بنفسه قائلا : ” إن حفريات أجريت في مناطق صحراوية من الاردن قد كشفت عن آثار يونانية و نبطية و رومانية ……إلى أن قال : و هذا يعني أن المصادر الإسلامية أخذت معلومات عن الجاهلية و الوثنية السائدة في النقب ثم نسبتها إلى تاريخ الحجاز و مكة في القرن السادس الميلادي و من ناحية أخرى اكتشفت في النقب عدد من النقوش العربية تشير إلى وجود اليهودية و النصرانية هناك جنبا إلى جنب مع فكرة التوحيد بدون ذكر القرآن و لا الإسلام و لا الرسول. …” نقلا من كتاب مزاعم المستشرقين حول القرآن الكريم لمحمد مهر علي صفحة 290 ، و فيه مناقشات جيدة أعرض عنها أصدقائنا متعمدين ذلك من أجل تلميع صورة الأصالة الفكرية للأسف ، هنا يتبن كيف يعمد يهوذا دي نيفو إلى نفي كل ما له صلة بالتاريخ الإسلامي و ادعاء أن كل النقوش الاثرية العربية مزورة و مكتوبة وهو نفس طرح رشيد أيلال و صدينه محمد لمسيح ، مما يؤكد أن الأخ رشيد لا أصالة فكرية له في الموضوع سوى الترويج و حمل لواء غيره في هدم الحضارة الإسلامية.

لقد نشر الاستاذ لمسيح محمد فيديو على صفحته للباحثة التونسية هالة الوردي و هو يحاورها حول كتابها ايام محمد الأخيرة الذي أصدرته في مارس 2016 و هو كتاب باللغة الفرنسية من 364 صفحة و الصادر عن دار البن ميشال، و قام الأخ رشيد أيلال بمشاركته أيضا على صفحته من باب دعم تصوره حول التاريخ الإسلامي و انه غير موثوق و ما إلى ذلك … و لا ادري هل يعرف من هي هالة الوردي ام لا !؟

هالة الوردي لمن لا يعرفها باحثة في التراث والحضارة الإسلامية خلصت باختصار شديد انطلاقا من قواعد يهوذا دي نيفو اليهودي إلى خلاصات أهمها :

1 – محمد لم يكن صاحب رسالة و لم تكن له قداسة عند أصحابه و انه جاء بفكرة نهاية العالم فقط دون نية تاسيس دين اصلا.

2- الصحابة هم قتل النبي صلى الله عليه وسلم و خاصة ابو بكر و عمر لما تآمرو عليه و رفضوا الخروج مع جيش أسامة خوفا من يعطي الخلافة لعلي و هكذا رفض عمر كتابة النبي للوصية قبل موته و عائشة سممت النبي لينال ابو بكر الخلافة ..

هالة الوردي التي يحاورها محمد لمسيح و يستنجد بها أيلال خلصت في الأخير إلى أن التاريخ لا أصل له و اننا أماما تاريخ مزور و انا الحضارة الإسلامية هي امتداد مشوه و محرف للمسيحية فقط و هي نفس فكرة المنقحين حين قالو ان الاسلام صنع على يد الخلفاء كما صنع بولس الرسول المسيحية بعد عيسى عليه السلام ….

هذا الاضطراب الفكري و المنهجي الذي سقطت فيها الباحثة هالة الوردي ناتج اساسا عن عدم القدرة على وضع آليات علمية لتنقيح الروايات و النصوص بدل افتعال صراع العقل و النقل و الذهاب بعيدا إلى تخيل تسلسل زمني منطقي في اعتقادها الخاص ثم الخلاص بعد التيه المنهجي إلى العدمية بحجج أوهن من بيت العنكبوت. وهو أثر تأثيرا مباشرا على مقالات الأخ أيلال حيت ظهر عليه الاضطراب و التردد بين النفي ذات و نفي الوثائق و إثبات الروايات الشفهية و القول بانعدام الآثار المادية في حالة من الفوضى الغير مفضية إلى العلم الدقيق
رسالة إلى الأخ رشيد :

من الامانة العلمية حينما نفيت صحت النقوش الموجودة و انت تنقل كلام من نفاها أن تنقل الجواب عليها من طائفة المستشرقين أنفسهم من باب فسح المجال للبحث و الحوار العلمي الرصين، و ذلك من أمثال Fred Donner و Estelle Whelen الذين ردو بشكل علمي و موضوعي على يهوذا دي نيفو و غيره من المنقحين و أكدوا وجود تقدم الروايات الإسلامية الصحيحة و كذا مجموعة من الآثار و النقوش التي تؤرخ للحضارة الإسلامية الأولى.

* طالب مجاز في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الانسانية عين الشق- الدار البيضاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *