وجهة نظر

أعطوني تفويضا على هامش التنابز بين الحمامة والمصباح

لم يجف بعد مداد الحبر الذي كتب به الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة ومباشرة بعد تعيين الحكومة حتى اندلع تنابز بين الحمامة والمصباح !

وذلك على الرغم من أن أبرز مضامينه كانت دعوة الطبقة السياسية الى ان تكون في مستوى اللحظة السياسية التي سيقبل عليها المغرب بالتعاطي الإيجابي وانخراط الجميع بمزيد من الوحدة والثقة والتعاون والبعد عن الصراعات السياسية وتضييع الوقت تعاطي الإيجابي فضلا عما تضمنه من توجيهات يتعين اخذها بعين الاعتبار من قبيل ضخ الحكومة بالكفاءات وإفساح المجال للشباب حتى فتحت مرحلة جديدة من التنابز والمناوشات بين الحزبين اللذين يتطلعان الى الفوز بانتخابات 2021

الدكتور العثماني وحزبه اللذين خرجا منتشيين بالتعديل الحكومي رغم أنه كان من اكبر الأحزاب فقدانا لمواقع حكومية ، لم يتمالك نفسه في غمرة ذلك من التعبير عن ذلك وهو يشير الى أن ” توزير ” الكاتب العام لشبيبته يعتبر ” ” أعجوبة الزمان ” متنذرا بحزب ” الحمامة ” دون أن يذكر اسمه بكونه لم يف بوعده بفتح المجال للشباب!

زعيم ” الحمامة ” اعتبر حزبه معنيا بخرجة العثماني ولم يتمالك نفسه حيث شن نقدا عنيفا على رئيسه في الحكومة ومن عليه أنه لؤلؤ لا تعاونه معه لما شكل حكومته الثانية وكأنه يذكره بصنيعه مع بن كيران ،

قدم العثماني دون أن يقصد إلى ذلك للزعيم المذكور ولقيادته الحزبية هدية ثمينة لأنهم رغم موقعهم داخل الحكومة يسعون الى الظهور بمظهر من هو قادر على إقامة التوازن مع حزب ” الإسلاميين ” ، ومن هو قادر على القيام بالدور الذي فشل فيه من سبقوه إلى ذلك ،
ولذلك فقيادات الحزب المذكور يسعون إلى تقليده في إقامة اللقاءات التواصلية الاستعراضية بفارق كبير في المضمون مع وجود الشبه ،تماما كما أن المتسابق الذي يريد الحلول في المركز الأول في مسابقات المسافات المتوسطة هو في حاجة إلى أرنب سابق ، على نهج بعض الميكيافيليات السياسية التي تقول :إن لم يكن لك خصم فحاول أن تصنع خصما !

غير ان بعض مسؤولي ” الحمامة ” قد خرج في احد تجمعات حزبه التي يستعان على إقامتها بالإنفاق الضخم والموائد الفخمة وينقل الناس من اجل حضورها إليها تنقيلا قد خرج في ذات التجمع ، بخطاب شبيه بما صدر عن مسوؤل عربي كان قد انقلب على رئيسه وطلب تفويضا من أجل القيام بما قام به من بعد قائلا : أعطونا تفويضا !!

لقد شهدنا كيف دخلالحزب المذكورفي حملة سابقة للأوان وأن بعض مسؤوليه الحكوميين يقومونبجولات مكوكية في المغرب وخارج المغرب ويقدمون ذلك على الحضور الواجب لمجالس الحكومة أو للبرلمان

بداوا حملتهم الانتخابية مبكرين وفي كثير خطاباتهم يركبون على المشاريع المهيكلة ويحاولون صبغتها بصبغتهم الحزبية من قبيل المخطط الأخضر واليوتيس والإقلاع الصناعي رغم أنها مخططات دولة تدخل في نطاق السياسة العامة بالتعريف الدستوري وتتجاوز الزمن الحكومي والاعتبار الحزبي؛ وفي نفس الوقت يبخسون عمل القطاعات الحكومية الأخرى

لقدآن الآوان رغم ذلك كله لتقييم وقع تلك المخططات بالنظر إلى كلفتها وحقيقة آثارها الاجتماعية بالنظر لكلفتها وما شابها من خلل في التنزيل كما أبرز ذلك تقرير المجلس الألى للحسابات

يتعين أن نتذكر ان “مهديهم ” غير المنتظر ،كان قد غادر الحزب للدخول الى الحكومة ، ثم رجع الى الحزب كي يدخل الحكومة بدرجة أمين عام من درجة ضابط لإيقاعات عملية البلوكاج ، بعد أن فشلت طبخة ” الوافد الجديد ” رحمه الله ولا شماتة في ” زعيمه ” ، وهو الذي كان “المنجمون” قد تنبؤوا له بقيادة حكومة 2016 ، وانتهى به الأمر معزولا من رئاسة الحزب ومن رئاسة الجهة .

هؤلاء يدعون عزا ليس لهم ، وينسبون لأنفسهم كل خير وفضل في الحكومة الحالية او حكومة بن كيران –أيا كان تقييمنا لحصيلتهما سلبا أو إيجابا “،وكل شر كان ونقص إلى غيرهم ،وذلك بلغة حزب الله المختار والحزب المهدي المنتظر ، ويمنون النفس ب 2021 رغم ان ” مهديهم ” لا يقوىعلى ارتجال خطاب بالدارجة إلا مكتوبا على لوح رقمي ،

البعض منهم يجر وراءه تاريخا اسودا من التملص من الضرائب والإضرار بحقوق العمالوامتصاص دماء الفقراء والتحكم في أرزاقهم من خلال التحكم في أسعار المحروقات والتلاعب فيها ، هذا البعض خرج بكل وقاحة يطالب بتفويض من الشعب بلغة اكبر الانقلابيين الممقوتين على طول الساحة العربية وعرضها

لا يستحيي هؤلاء حين يتكلمون عن العمل الحكومي بمنطق القبيلة فيزعمون ان القطاعات الإنتاجية التي يقودونها هي الشامة في جبين حكومة فاشلة وأن القطاعات الاجتماعية لم تكن أداء وحصيلة مثل ” قطاعاتهم ”

لا نريد أن ندفع بحجة ” التضامن الحكومي ” الذي يعني التضامن في الغنم والغرم لأن هذا منطق يتكلم به الراسخون في الساسية وليس الذين ورودها ويتكلمون فيها بمنطق التجار ” الشطار ” ، ولكن نريد ان نبين ثلاث حقائق :

أولا : أن كثيرا مما تحقق خلال حكومة بن كيران التي دخل أولئك نسختها الثانية وأيضا في حكومة العثماني – بغض النظر عن إخفاقات في جوانب أخرى – غير مسبوق على مستوى احداث مناصب الشغل أو على مختلف برامج الدعم الاجتماعي من قبيل برنامج تيسيير وراميد وصندوق التكافل العائلي وتوسيع التغطية الصحية والاجتماعية والانفاق على البرامج الاجتماعية مثل الصحة والتعليم . والأرقام في ذلك ناطقة .. واذا جاز الحديث بلغة عبس ودبيان وداحس والغبراء التي يتحدث بها قادة ” الحمامة .” فلا فضل لحزب ” التفويض ” في شيء من ذلك ، ولربما جاز لحزب ” المصباح ” ان يتحدث هو الآخر بلغة شبيهة بلغة حزب التفويض علما أنه لم يكن من الممكن لأي من تلك البرامج أن تنزل دون إرادة ودعم من الجهات العليا !

ولا نتحدث عن الجرأة وتحمل المسوؤلية السياسية في طرح وتبني إصلاحات ضرورية رغم قساوتها وأيا كان موقفنا وتقييمنا لها من قبيل تفعيل مبدأ الأجر مقابل العمل وإنهاء عصر الإضرابات العشوائية والشروع في تفعيل إصلاح نظام التقاعدوخوص ورش إصلاح العدالة بجرأة وشجاعة والصمود في وجه حملة المقاطعة … الخ، وهو ما لا قبل للأيادي الناعمة والبذل البيضاء به ولا ” كبدة” لها كي تخرج لمواجهة الجمهوروحجج المعارضين بحج مقابلة، وبطرح في مقابل طرح آخر ، لأن ذلك يحتاج إلى مناضلين حقيقيين منبثقين من رحم الشعب ، ويعيشون في دروبه وأحيائه ، ويركبون معه في النقل العام برا وجوًا ، وليس في السيارات الفارهة من أحدث الطاقات والطائرات الخاصة .! وهو ما ينبغي الاعتراف به لبن كيران والعثماني لوزراء حزب العدالة والتنمية رغم كل الانتقادات التي يمكن توجيهها لأدائهم

ثانيا :وإذا جارينا أوطروحة أهل التفويض ، الذين يقولون إن كل خير في الحكومة هو لهم وأن الشر لغيرهم ، فإن سؤالا خارقا يطرح نفسه بحدة دون الحاجة الى ما كشفه تقرير المجلس للحسابات من بياضات في هذا الخطاب ومصائب في الاستراتيجيات المشار إليها ، وهو علاقة البرامج القطاعية والإنتاجية بالجانب الاجتماعي ؛ فالتعليم والتشغيل والصحة والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية لا ينفصل التقدم فيها عن التقدم في التنمية الشاملة التي إحدى دعاماته نجاح البرامج والاستراتيجيات القطاعية!!

ما فائدة المغرب الأخضر اذا لم يكن قد أسهم في خلق فرص الشغل للشباب القروي وتثبيت الساكنة القروية من خلال القيمة المُضافة لسلاسل الإنتاج ؟

لماذا عجز عن خلق طبقة متوسطة هي التي بإمكانها أن تخلق الاستقرار في العالم القروي وتبني المقاولات الصغرى والمتوسطة وتخلق تبعا لذلك مناصب الشغل ؟

لماذا طالب ملك البلاد خلال الإعداد لليوم الوطني للتشغيل بضرورة إشراك وزارة الفلاحة والتنمية القرويةلإسهام في الإجابة على الأسئلة السابقة ، مما فيه إشارة واضحة الى أن التشغيل والصحة والتعليم والشباب والفوارق الفئوية والمجالية ليست قضايا قطاعية منعزلة بل هي قضايا أفقية تسائل بالدرجة الأولى السياسات والبرامج القطاعية ؟ وما فائدة أليوتيس ومخطط الإقلاع الصناعي ؟

وما حقيقة الأرقام التي اطلقها من ينسب لنفسه مخطط الإقلاع الصناعي فيما يتعلق بإحداث مناصب الشغل وما ذَا تحقق منها وما لم يتحقق بالمقارنة بالمعطيات المتوفرة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي يمكن الرجوع إليها ؟

و عشرات الأسئلة تواجه طالبي التفويض وتنتظر عليها جوابا كي يتأكد الشعب أن طالبي التفويض يستحقونه !

وعلى فرض أن لهم من كفاءة التقنية و قدرة على صبغ التقنوقراط وإنزالهم بالمظلة الى المسؤولية الحزبية ؛ فإن نجاح التدبير الحكومي لا يحتاج الى تلكالكفاءة فقط ، وأنه يمكن تسييره بمنطق شركة للتأمين او استيراد وتوزيع المحروقات ، بل بقدرة عالية من الكفاءة السياسية والقرب الحقيقي مع المواطنين والقدرة على انجاز الإصلاحات الكبرى التي هي ضرورية على الرغم أنها فد تكون غير شعبية !

ففي زمن اهتزت فيها فرائص عدد من القيادات السياسية المصطنعة والنخب الاقتصادية التي راكمت ثروات فلكية من خلال مختلف اشكال الريع مو قبل حركة شبابية مثل حركة 20 فبراير ، واهتزت ممالك الريع من حركة لم تنزل الى الشارع هذه المرة وإنما نزلت فقط الى مراكز التواصل الاجتماعي ويتعلق الأمر بالدعوة الى المقاطعة ، يبدو من العبث التعويل على ” أسود ” من ورق او “وزعامات” كارطونية ،

الحل الحقيقي هو تحرير الحياة السياسية وتقوية مؤسسات الوساطة المنبثقة من رحم الشعب حقا وصدقا ، والحديث هنا ليس عن حزب العدالة والتنمية كما يفهمه البعض من خلال المقال وإنما عن الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمدنية بمختلف توجهاتها ومشاربها ، فقد ولى زمن البلوكاج والبريكولاج !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *