وجهة نظر

إلى السيد عبد الباري عطوان: لن تقوم للأنظمة العسكرية قائمة من دون ديمقراطية

1 – لسنا في حاجة إلى التذكير مجددا بالمكانة الرفيعة التي يحظى بها السيد عبد الباري عطوان في الساحة الإعلامية العربية و الدولية ، و لسنا ملزمين في الآن عينه بالتأكيد على صدق مبادئه و مواقفه إزاء قضايا أمتنا الكبرى ، و نضاله اللامشروط من أجل غد عربي حافل بالاستقرار و الوحدة والتقدم ، فمنذ رئاسته لتحرير جريد القدس العربي ، ثم بعد ذلك رأي اليوم التي أسعد بنشر بعض مقالاتي على صفحاتها الغراء ، و هو ماض منتصب القامة نحو الدفاع عن حق الأمة العربية في الاستقلال التاريخي المجيد .. و نحن إذ نقاسمه نفس هذا المبتغى المقدس ، و ذات التطلعات التي قد تعيد لأمتنا العربية الخالدة مكانتها بين الأمم ، فإننا نعبر عن اختلافنا معه في الوسيلة المؤدية إلى بر الأمان ، و القارب الموصل إلى ضفة السكينة ، و “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية” !

2 – بعد أن حصلت الأقطار العربية على “استقلالها” السياسي في مستهل النصف الثاني من القرن العشرين ، و بعد معارك نضالية مشرفة ضد المستعمر الأجنبي ، كانت الشعوب العربية تتطلع و بحماس منقطع النظير إلى بلورة تجربة سياسية مدنية وحدوية ، مستندة إلى القيم الديمقراطية المتعارف عليها كونيا ، غير أن عوامل خارجية غير بعيدة عن الأطماع الامبريالية ، و دواعي داخلية موسومة بنزعات الفساد و الاستبداد حالت دون تحقيق الحلم العربي بالإقلاع الحضاري . و قد تدفقت مياه غزيرة تحت جسر الأمة العربية الجريحة ، “لنكتشف” أننا كنا كشعوب ألعوبة بيد “أصحاب القرار” الذين “أجلوا” خطوات البناء الديمقراطي و الإصلاح التنموي ، من أجل التفرغ “لصد و ردع” العدو المشترك و “تحرير” فلسطين كل فلسطين ! فما هم حرروا فلسطين و لا هم أقاموا نظاما سياسيا رشيدا ، إلى أن زلزلت ساحات التحرير و التغيير تحت أقدام الشباب المتعلم و المنفتح على مستجدات وسائل التواصل الحديثة منذ 2011 ، مناديا بالحرية و العدالة و الكرامة الإنسانية ، و بقية أحداث “القصة المأساوية” معروفة .

3 – و كنا نمني النفس أن يقف رجال الفكر و الإعلام إلى جانب الشعوب العربية المضطهدة التي لا تطالب سوى بإصلاحات اجتماعية عادلة و غير مكلفة ، بعد عقود من “الخسران العربي المبين” ، و كنت أعتقد اعتقادا أن السيد عبد الباري عطوان سيكون في طليعة المطالبين بالانتقال الديمقراطي المفصلي ، بيد أنه اختار طريقا مغايرا ربما بسبب ما يملكه من “معطيات مفصلة” حول “مؤامرة” تقسيم الأقطار العربية “الفاعلة” و نشر الدمار في ربوعها الآمنة ! لذلك رأينا السيد عطوان منافحا صلدا و مدافعا لا يشق له غبار عن الأنظمة العربية العسكرية الموغلة في الاستبداد و القمع و الجبروت ، مشيدا بالديكتاتور الدموي الليبي معمر القدافي و المقامر بأمن و استقرار بلده بشار الأسد ، لا بل إنه صاغ مقالات صحفية تذكرنا بقصائد المدح في حق الانقلابيين على إرادة الشعوب العربية و حقها في تقرير المصير . و لعل الكلمة الأخيرة التي كتبها في حق الراحل أحمد قايد صالح ، دليل واضح على اصطفافه إلى جانب أعداء الاختيار الديمقراطي . فهل فعلا “أكمَل مسيرته بعد أن قاد البِلاد إلى برِّ الأمان، حقّق الاستقرار، أو مُعظمه، وحافظ على الدّستور والدّولة المدنيّة، وانتصر للشّارع وانتِفاضته، وأطاح بالزّمرة الفاسِدة، ونظّم انتخابات شَهِد لها الكثيرون بالنّزاهة” !؟ عن أي أمان تتكلم سيدي عطوان ؟ و ما هو الاستقرار الذي حققه و بأي ثمن ؟ و ما هي الدولة المدنية التي “أنجزها” ؟ و هل فعلا انتصر الراحل للشارع الجزائري ؟ و إلى أي مدى أسقط الزمرة الفاسدة ؟ و هل مرت الانتخابات في مناخ نزيه و شفاف ؟ و لماذا أهملتم الكلام عن تضحيات الشعب الجزائري العظيم ، الذي رسم ملحة نضالية سلمية أبهرت العالم كله ؟ “مالكم كيف تحكمون” !

4 – لن تقوم للأنظمة العربية “الجمهورية و الملكية و الأميرية” قائمة مهما ملكت من موارد طبيعية استثنائية ، ما لم تقطع الحبل السري مع الفساد و الاستبداد ، و تنجز نقلة مفصلية إلى الممارسة الديمقراطية بحصر المعنى ، حيث الدولة المدنية العصرية المستندة إلى الأعراف و المواثيق الدولية ، و الاحترام الكلي للنظام الديمقراطي و التداول السلمي على السلطة ، في ظل تنافس حر و نزيه على السلطة من قبل هيئات سياسية وطنية و الفصل بين السلطات ، و استقلال للإعلام و القضاء و منع الجيش من حشر أنفه في ميدان تدبير الشأن العام للبلد ، و هذا ما حققته الجمهورية التركية الحالية بقيادة السيد رجب طيب أردوغان ، الذي لا تكن له السيد عطوان الود و الاحترام المطلوبين ، و تراه أو تنتظره يقترب من .. “الانزِلاق كُلِّيًّا في المُستنقع الليبي” !

* كاتب من المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *