وجهة نظر

تدابير وحملات لمناهضة العنف ضد النساء.. ولكن!

لقد انخرط المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي في الحملات التي تستهدف مناهضة العنف ضد النساء، حيث تم تنظيم أول حملة وطنية حكومية لمحاربة العنف ضد النساء سنة 1998 من أجل كسر حاجز الصمت الذي كان يحيط بهذه الظاهرة الاجتماعية، من خلال التحسيس بمظاهرها وتداعياتها النفسية والصحية والاجتماعية والتنموية سواء على جنس المرأة أو عموم المجتمع. كما قام المغرب سنة 2002 بوضع “استراتيجية وطنية لمحاربة العنف ضد النساء” شارك في بلورتها مختلف القطاعات الحكومية المعنية والجمعيات النسائية الحقوقية ومراكز الاستماع والإرشاد القانوني للنساء ضحايا العنف. وتم تنزيل مضامين هذه الاستراتيجية ضمن إطار أشمل هو “الاستراتيجية الوطنية للمساواة والإنصاف بين الجنسين لسنة 2006 “، إضافة إلى إطلاق وتفعيل البرنامج المتعدد القطاعات لمحاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي “تمكين 2008-2012”.

وفي إطار ذات الاستراتيجية، التي دعت إلى ضرورة خلق بنيات استقبال على مستوى المحاكم والشرطة والمستشفيات، قامت وزارة العدل سنة 2004 بإحداث “الخلايا القضائية للتكفل القضائي بالأطفال والنساء ضحايا العنف” على مستوى النيابات العامة لدى محاكم المملكة كجهاز قضائي يسعى إلى حماية الحقوق والحريات وتطويق العنف الموجه ضد النساء. والتي تمت مأسستها في قانون “محاربة العنف ضد المرأة رقم 103/13” الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 23 جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 12 مارس 2018)، والذي دخل حيز التنفيذ في 12 شتنبر من سنة 2018، كإطار تشريعي لمحاربة هذا السلوك المشين إما بشكل عام من خلال تحقيق التوعية بمخاطر اقتراف هذا السلوك والحذر من الوقوع فيه، أو بشكل خاص مباشر من خلال معاقبة مقترفي جريمة العنف ضد النساء سواء في الفضاءات الخارجية أو أماكن العمل أو داخل البيوت.

إلا أنه ورغم هذه الجهود الحكومية، وكذا مجهودات جمعيات المجتمع المدني الفاعلة في هذا المجال، فإن هذه الظاهرة لاتزال متفشية في الوسط المغربي بشكل مخيف، حيث كشف البحث الوطني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط في الفترة الممتدة بين فبراير ويوليوز من سنة 2019 على عينة من 12 ألف فتاة وامرأة و3000 فتى ورجل تتراوح أعمارهم بين 15 و74 سنة، أن نسبة العنف الممارس على النساء، كيفما كانت أشكاله ومجالاته، يصل إلى 57% من النساء. وأن معدل انتشاره في الوسط الحضري يبلغ 58% (5.1 مليون امرأة)، و55% في الوسط القروي (2,5 مليون امرأة). بل إن بعض حالات هذا العنف أصبح في السنوات الأخيرة أكثر وحشية لأنه يعتمد أساليب الإيذاء المؤلم للجسد بالحرق بالنار أو صب الماء أو الزيت الساخن أو بالاغتصاب الفظيع بأدوات حادة، أو بإحداث عاهات مستديمة من خلال رمي النساء أو الفتيات من مرتفعات شاهقة….

وهنا نتساءل لماذا لم تستطع – كل هذه التدابير المتخذة، وكذا الاستراتيجيات المرسومة، وكذا الحملات الوطنية المنظمة سنويا منذ سنة 1998، والتي صرفت عليها ميزانيات ضخمة من المال العام، وكذا التشريعات الزاجرة للعنف ضد النساء، وكذا المؤسسات الرسمية والمدنية الفاعلة في المجال…- الحد من هذه الظاهرة في مجتمعنا المغربي أو التخفيض منها إلا بنسب ضئيلة (المندوبية السامية للتخطيط أكدت أن العنف بشكل عام عرف تراجعا بين 2009 و2019، مسجلة انخفاضا في حصة النساء اللائي تعرضن لفعل واحد من العنف على الأقل بـ 6 نقاط، منتقلة من 63% إلى 57%)؟؟

إن عدم نجاعة هذه التدابير ومحدودية أثرها في القضاء على ظاهرة العنف ضد النساء ترجع في تقديرنا إلى عدم عوامل منها:

1 – الموسمية في التعامل مع الظاهرة، إذ لا يتم التحسيس بالظاهرة إلا في مناسبة يتيمة سنويا (25 نونبر بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء)، مما يجعل الظاهرة في منأى عن المتابعة والرصد طيلة أيام السنة، اللهم إذا استثنينا جهود بعض جمعيات المجتمع المدني التي تعمل وفق إمكانيات محدودة من خلال مراكزها للاستماع على تتبع ومصاحبة النساء المعنفات وتقديم ما يمكن من الدعم القانوني والنفسي لهن !!

2 – الاهتمام بوصف الظاهرة أكثر من البحث عن كيفية معالجة أسبابها، إذ لا يكفي أن تتحدث التقارير السنوية عن أن نسبة العنف ضد النساء بلغت كذا وكذا في الوسطين الحضري أو القروي، أن النسبة العالية تتعلق بالعنف الزوجي أو أن ما يزيد على 57% النساء المغربيات تعرضن على الأقل لنوع واحد من أنواع العنف إلى غير ذلك من المعطيات التي تبقى في عمومها وصفية وتحتاج إلى ربطها بأسبابها الحقيقية هل هي أسباب اقتصادية (البطالة – محدودية الدخل – غلاء الأسعار…)؟ أم اجتماعية (ظروف السكن – الانتماء الاجتماعي – الهجرة القروية…)؟ أم تعليمية (المستوى التعليمي للمعنفين والمعنفات)؟ أم ثقافية (التنشئة الاجتماعية – التبريرات الدينية…) أم نفسية سلوكية (أمراض عصبية – تعاطي المخدرات والخمور…)؟

3 – عدم استهداف الشريحة المعنية بممارسة العنف أثناء الحملات المنظمة حول الظاهرة، إذ أن أنشطة الحملات تكون في الغالب عبارة عن ندوات تحسيسية في مراكز ثقافية أو في رحاب الجامعات أو في نوادي اجتماعية… وتحضرها شريحة من المجتمع في عمومها متعلمة وميسورة الحال ماديا واجتماعيا (Situation aisée)، وربما لا تمارس هذا العنف وليست معنية به لا من قريب ولا من بعيد !! بينما لا يتم الاقتراب من البؤر التي يمارس فيها العنف بجميع أشكاله سواء داخل المدن في بعض الأحياء الهامشية أو بعض المناطق القروية، حيث تمارس الحياة-أصلا -عنفها القاسي على قاطني تلك الأحياء أو المناطق، والتي يحتاج أصحابها إلى المزيد من التوجيه والتحسيس والمصاحبة من أجل حياة كريمة خالية من العنف سواء ضد الذات أو ضد النساء !!

4 – اعتماد شعارات استفزازية لحملات العنف ضد النساء من قبيل “واش تقبل تكون شماتة؟” (شعار الحملة الوطنية رقم 12 سنة 2014)، أو من قبيل “العنف ضد النساء ضْسارة والسكوت عليه خْسارة” (شعار الحملة الوطنية رقم 16 سنة 2018) … حيث تحمل هذه الشعارات في طياتها شحنة من العنف النفسي ضد جنس الرجل، لأنها تنهل من قاموس اجتماعي يحيل في المخيال الشعبي على “الدونية” (شماتة) و “قلة أو انعدام التربية” (ضسارة) !! مما جعلها تقع في نقيض قصدها، أي الوقوع في التعبئة السلبية بدل التعبئة الإيجابية لمناهضة العنف ضد المرأة !! بينما نجد شعارات هيئة الأمم المتحدة في ذات الحملة تكون دائما استيعابية غير إقصائية من قبيل “اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة” سنة 2018، و”الذكور الإيجابية” سنة 2019…إلا أننا نسجل أن الحملة الوطنية لهذه السنة تجاوزت التوجه الاستفزازي وجاء شعارها “الشباب متحدين وللعنف ضد النساء رافضين” منسجما مع شعار هيئة الأمم المتحدة.

5 – شيطنة جنس الرجال وجعلهم جميعا في قفص الاتهام، مما يصور ظاهرة العنف ضد النساء على أنها صراع “أنثى” ضد “ذكر” و “مظلومة” ضد “ظالم” و”ضعيفة” ضد “قوي”… وكل التقابلات السلبية التي تشي بها الحملات المنظمة والاستراتيجيات المرسومة وحتى الفئات المشاركة في تلك الحملات التي تقتصر في الغالب على جنس النساء دون الرجال… ولاشك أن هذا المنظور للعنف ضد النساء يحول دون تحقيق مشاركة وازنة للنصف الآخر من المجتمع للتصدي له، كما يجعلها قضية فئوية تخص جنس النساء وحدهن، والحقيقة أنها قضية مجتمعية تحتاج إلى تضافر جهود جميع أفراد المجتمع ذكورا وإناثا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *