وجهة نظر

عام 1492 وانتحار العقل

قبل أيام مرت علينا ذكرى اليمة تمثلت في سقوط الاندلس وما يحمله من سقوط للحضارة الإسلامية فيها ،ولأن ذاكرتنا تنسى فان ذاكرتهم حاضرة في العديد من الاعمال الفنية المتنوعة والتي تورث للأجيال المتعاقبة ومنها فيلم** 1492** للمخرج ريدلي سكوت وهو من بطولة الممثلة الأميركية سيغورني ويفر في دور الملكة الكاثوليكية إيزابيلا والممثل الفرنسي جيرار ديبارد يو في دور كريستوفر كولومبس.الذين شاهدوا الفيلم فهو يحكي بطريقة سردية لوقائع عرفتها اسبانيا آنذاك حيث أنه في نونبر عام 1491، دخل أبو عبيدل ومستشاروه في مفاوضات استسلام مع السكرتير الملكي القشتالي إيرناندو دي ثافرا، انتهت بتوقيع اتفاقية سرية في الشهر التالي، بتسليم المدينة في الـ6 من يناير 1942.ووما تصفه بعض الكتب التاريخية ما جاء في كتاب “الدين والدم.. إبادة شعب الأندلس”، إن سقوط غرناطة، بالنسبة للكاهن والمؤرخ الملكي، أندريس بيرنالديث، كان الخاتمة المجيدة لـ”الفتح المقدس والمهيب” الذي أثبت أن إسبانيا وحكامها كانوا مباركين من الرب.

وبالنسبة إلى بيتر مارتر الأنغياري، العالم الإيطالي بالبلاط القشتالي، فقد كانت نهاية الإسلام الإيبيري تشير ضمنا إلى “نهاية مآسي إسبانيا” التي بدأت حين “جاء هذا الشعب الهمجي من موريتانيا قبل زهاء 800 سنة، وأنزل اضطهاده القاسي والمتغطرس بإسبانيا المحتلة”.

ويعرض الفيلم طموح المغامر كرستوفر كولومبوس على إذن الملكين للقيام برحلات استكشاف قدمت في ما بعد لإسبانيا إمبراطوريتها الشاسعة في ما وراء البحار، وتحولت الطاقة العسكرية التي كانت موجهة للاسترداد، إلى غزو جديد باسم الدين.

والغرب لا ينسى صراعه مع الشرق، ورغم اننا قريبون منه الا أننا مصنفون ضمن خانة الحضارة المشرقية، ولذلك فسنة 1492 شكلت نهاية العقل العربي في الاندلس وانهيار الحضارة التي عمرت 8قرون من الزمن .

ومؤلف كتاب انتحار العقل وتهديد الإسلام الراديكالي للغرب للأمريكي لي هاريس يعتبر الف وأربعمائة واثنين وتسعين قد شهد ولادة أميركا كما نعرفها اليوم باكتشاف كريستوفر كولومبس لها فإنه قد شهد أيضا نهاية حكم المسلمين في الأندلس بعد حوالي ثماني مائة عام هناك ويرتبط هذان الحدثان على أكثر من مستوى إذ يعتقد العديد من المؤرخين أن الأموال التي صودرت من مسلمي ويهود غرناطة آخر معقل من معاقل الإسلامي الأندلسي قد استخدمت من قبل ملوك أسبانيا الكاثوليك آنذاك لتمويل رحلة كريستوفر كولومبس الاستكشافية إلى العالم الجديد بيد أن ما لا تختلف بشأنه الروايات التاريخية هو أن نهاية الدولة الإسلامية في الأندلس أو في أسبانيا لم تصحبها عمليات اضطهاد ديني وترحيل جماعي للمسلمين واليهود من هناك وحسب بل وكذلك مصادرة لإسهاماتهم الفكرية والحضارية في رفض التعصب وتنوير العقل البشري وهذا الجانب المشرق للحضارة الإسلامية .

ولذلك بدأت اسبانيا بالمصالحة التاريخية مع ساكني المنطقة وخاصة الموريسكيون، حيث اعترفت سنة 1992بمناسبة الذكرى 500لسقوط غرناطة بالإسلام كدين سماوي بإسبانيا، كما انها اعتذرت لليهود على الجرائم المرتكبة في حقهم ابان عمليات التفتيش التي تمت بأمر من التاج الاسباني، ويبقى السؤال مطروح متى تعتذر اسبانيا من جرائم التفتيش العرقي تجاه المسلمين في الاندلس؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *