وجهة نظر

الاندماج الاقتصادي في المغرب العربي.. مصدر للنمو لم يستغل بعد

ونحن نعيش في خضم صراع عميق في ليبيا كدولة تنتمي الى المغرب العربي الكبير ،وما نتج عنه من إشكالات عويصة مرتبطة بعوامل استقرار الدول وقدرة مؤسساتها في الاختيار بين الديمقراطية أو الاقتتال ،وما سينتج عنه من تجزيئ المجزء داخل نفس القطر ،لكن تغليب المصالح الذاتية على المصالح العامة يجعل سؤال الاندماج في حد ذاته مغيب امام احتدام الصراع ولغة القوة محل لغة الاقتصاد والتكامل بين الشعوب ،ولذلك جاء مساحة هذا السؤال بقدر عمقه الاستراتيجي وقدرة الشعوب المغاربية ان تساعد في ارجاع الأمور الى جادتها أمام هذا الوضع المتأزم ،فالصراع الداخلي كان يمكن ان يحسم داخل نسق المغرب العربي كمنظمة اجتمعت على التكامل والاندماج لأن المشترك بينهم اعمق .

وفي زاوية أخرى عكف مجموعة من الخبراء بصندوق النقد الدولي بقيادة ألكسي كيرييف، مع بواز ناندوا، لورين أوكامبوس، باباكار سار، رمزي الأمين، ألان غريغوري أوكلير، يوفي كاي، جون فرانسوا دوفان. على اخراج دراسة حول مدى اهمية المدخل الاقتصادي لنمو المغرب العربي عن طريق الاندماج الاقتصادي،حيث يشير التقرير الى أنهحققت فرادى البلدان في منطقة المغرب العربي تقدما كبيرا في التجارة، لكنها كمنطقة لا تزال الأقل اندماجا على مستوى العالم، حيث تبلغ تجارتها البينية أقل من 5% من التجارة الكلية في بلدان المغرب العربي، وهو أقل بكثير من المستوى المسجل في كل التكتلات التجارية الأخرى حول العالم. وقد تسببت الاعتبارات الجغرافية-السياسية والسياسات الاقتصادية التقييدية في تضييق الخناق على فرص الاندماج الإقليمي. ذلك أن السياسات الاقتصادية ظلت تسترشد بالاعتبارات القُطْرية، مع قليل من الاهتمام بالمنطقة، وبغير تنسيق. ولا تزال القيود على التجارة والتدفقات الرأسمالية كبيرة، كما تشكل عائقا أمام الاندماج الإقليمي على مستوى القطاع الخاص.

وتعتبر زيادة الاندماج بين بلدان المغرب العربي أمرا منطقيا لدواع اقتصادية. فمن شأن هذا الاندماج أن يخلق سوقا إقليمية تشمل قرابة 100 مليون نسمة يبلغ متوسط دخلهم حوالي 4 آلاف دولار أمريكي للفرد بالقيمة الاسمية وحوالي 12 ألف دولار على أساس تعادل القوى الشرائية. ومن شأن هذا أن يزيد جاذبية المنطقة كوجهة للاستثمار الأجنبي المباشر؛ ويخفض تكاليف حركة التجارة ورأس المال والعمالة عبر بلدانها؛ ويعزز كفاءة تخصيص الموارد. ومن شأنه أيضا أن يُكسِب المغرب العربي مزيدا من الصلابة في مواجهة الصدمات الخارجية وتقلب السوق. ويمكن أن يساهم اندماج المغرب العربي بدور مهم في استراتيجية تشجع زيادة النمو في المنطقة. وهناك تقديرات مختلفة تشير إلى أن الاندماج الإقليمي يمكن أن يساهم في زيادة النمو في كل بلد مغاربي بنحو نقطة مئوية على المدى الطويل. وبينما تظل السياسات المحلية القوية هي القاطرة الاقتصادية الأساسية، فإن التجارة الإقليمية البينية يمكن أن تتضاعف نتيجة للاندماج ومن ثم تدعم النمو، مما يرفع مستويات التوظيف. وقد تؤدي زيادة الاندماج إلى وجود أطراف فائزة وأخرى خاسرة داخل كل بلد، مما يوجب على السياسة العامة أن تعالج الاختلالات المحتملة.

وحتى يتحقق اندماج البلدان المغاربية، ينبغي أن تخفض حواجز التجارة والاستثمار، وتربط شبكات البنية التحتية فيما بينها. وينبغي أن تركز جهودها على تحرير أسواق السلع والخدمات ورأس المال والعمل. ويمكن إعطاء دفعة للتجارة داخل المغرب العربي والمساعدة في زيادة اندماج سلاسل القيمة العالمية، من خال الإزالة التدريجية للحواجز الإقليمية البينية أمام التجارة وإقامة بنية تحتية إقليمية وتحسين مناخ الأعمال. وينبغي أن تكون زيادة الاندماج الإقليمي جزءا مكما لاندماج البلدان المغاربية عالميا.

ولتسريع خطوات التقدم من مرحلة التعاون إلى الاندماج، ينبغي للحكومات المغاربية أن تحدد أهدافا مشتركة للسياسات:

• خلق الوظائف من خلال زيادة النمو؛
• انفتاح النموذج الاقتصادي في كل بلد؛
• شمول الجميع في توزيع ثمار النمو؛
• التفاوض بشأن اتفاقية جديدة للاندماج الإقليمي؛
• تحقيق توسع كبير في التجارة الإقليمية مقارنة بنطاقها الراهن كوسيلة لبلوغ هذه الأهداف.

كارط كرافيك لكل دولة

منطقة المغرب، أي «الأرض التي تغرب فيها الشمس » باللغة العربية، هي منطقة شاسعة في شمال غربي إفريقيا تغطي قرابة 6 ملايين كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة. وتشترك بلدانها الخمسة — الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس — في كثير من جوانب التاريخ والثقافة واللغة. فكل البلدان المغاربية اقتصادات بحرية تحتل موقعا استراتيجيا بين الاقتصادات المتقدمة في أوروبا عبر البحر المتوسط في الشمال واقتصادات إفريقيا جنوب الصحراء النامية ذات الإمكانات الكبيرة في الجنوب.

وبلدان المغرب العربي متقاربة من الناحية الجغرافية ولكن متنوعة من الناحية الاقتصادية. فالجزائر هي أكبر اقتصاد في المنطقة ومن بلدان الشريحة العليا في فئة الدخل المتوسط التي تحتل مكانة مهمة في تصدير الغاز والنفط. ونظرا لاعتمادها الكبير على الهيدروكربونات، فهي تواجه تحديات اقتصادية كلية مهمة بسبب انخفاض أسعار النفط في 2014 . ولا تزال الحرب الأهلية دائرة منذ عام 2011 في ليبيا، وهي أيضا من أكبر البلدان المصدرة للنفط والغاز وتنتمي للشريحة العليا في فئة الدخل المتوسط. وقد أدت الحرب إلى فراغ في السلطة وحالة من عدم الاستقرار تنطوي على عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة. وموريتانيا بلد في الشريحة الدنيا من فئة الدخل المتوسط. وباعتبارها بلدا مهما في إنتاج الحديد الخام، فهي تواصل تحقيق نمو سريع نسبيا لكنها تواجه تحدي التقلب في أسعار المعادن. ويمر المغرب، ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة، بمرحلة من التحول التدريجي. والمغرب بلد متوسط الدخل يتسم بتنوع اقتصادي جيد نسبيا. ورغم مكانته المهمة في المنطقة كمصدر للمنتجات الزراعية والسيارات والأسمدة، فهو لا يزال معرضا لتقلب الناتج الزراعي والطلب الخارجي. وأخيرا تونس، وهي بلد صغير من البلدان متوسطة الدخل ومصدر إقليمي مهم للمكونات الكهربائية، وقطع غيار الآلات والمعدات الخفيفة، وزيت الزيتون، والملابس. وتسعى تونس إلى استئناف النمو واسع النطاق واستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي بعد عدد من الصدمات الداخلية والخارجية. وهناك تفاوت كبير بين البلدان في مؤشر مناخ ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي ومؤشر جودة المؤسسات الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث يشغل كل من المغرب وتونس مراكز جيدة نسبيا، بينما تتقارب البلدان الأخرى عند المراكز الدنيا
في المقياسين. 1

وقد قطعت البلدان المغاربية خطوات مهمة في الإصلاحات الاقتصادية خال السنوات الأخيرة، ولكن توفير الفرص للجميع لا يزال أولوية للسياسات فيها جميعا. ونظرا لنسبة الشباب الكبيرة وسرعة النمو السكاني في المنطقة المغاربية، ينبغي تحقيق نمو أسرع في المنطقة عن طريق الاستفادة من مصادر النمو التقليدية والأخرى التي لم تستغل بعد. ولطالما ظل النمو في المنطقة شديد الانخفاض ولم يقدم مساهمة كافية في خلق فرص العمل والحد من الفقر. فقد بلغ معدل النمو المتوسط في السنوات الخمس الماضية أقل من %2.4ومن المتوقع ألا يتجاوز 2.7 % على المدى المتوسط. ولا يزال متوسط نصيب الفرد من نمو إجمالي الناتج المحلي قرابة الصفر )الجدول 1(. ويلاحَظ أن البطالة المرجحة بعدد السكان لا تزال مرتفعة، حتى مقارنةً بأنحاء أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تبلغ 12 % كمعدل كلي و 25 % للشباب ) 15 – 24 سنة(. وهناك شح في بيانات الفقر وعدم المساواة، لكن الأدلة تشير إلى أن كليهما شهد تحسنا طفيفا منذ الربيع العربي.

دعوة مراكش للعمل الفوري

تحث هذه الدعوة على إجراء إصلاحات عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتشجع العناصر التالية في النمو الاحتوائي )دراسة :)IMF 2018c
· المساءلة: زيادة الشفافية وتعزيز المؤسسات للسيطرة على الفساد وضمان المسؤولية المشتركة عن السياسات الاحتوائية.
· المنافسة: تشجيع القطاع الخاص من خلال تحسين القواعد التنظيمية لبناء اقتصاد مليء بالحيوية.
· التجارة والتكنولوجيا: الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا والابتكار، وتنمية التجارة، وجذب الاستثمار الأجنبي لتنويع مصادر النمو وتوليد مصادر جديدة له، وخلق فرص العمل.
· عدم إغفال أحد: بناء شبكات أمان اجتماعي قوية وتمكين الفئات الأقل حظاً، ومنها الشباب والنساء وسكان المناطق الريفية واللاجئون.
· الفرصة: خلق بيئة تتيح فرصا متكافئة للجميع عن طريق الإنفاق الحكومي العادل والداعم للنمو، والنظم الضريبية العادلة، والإصاح الهيكلي.
· العمل: الاستثمار في الموارد البشرية وتسليح العاملين بالمهارات اللازمة في الاقتصاد الجديد عن طريق التعليم حتى يتسنى تعزيز المساواة والرخاء. دراسة :)IMF 2018c

· المساءلة: زيادة الشفافية وتعزيز المؤسسات للسيطرة على الفساد وضمان المسؤولية المشتركة عن السياسات الاحتوائية.
· المنافسة: تشجيع القطاع الخاص من خلال تحسين القواعد التنظيمية لبناء اقتصاد مليء بالحيوية.
· التجارة والتكنولوجيا: الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا والابتكار، وتنمية التجارة، وجذب الاستثمار الأجنبي لتنويع مصادر النمو وتوليد مصادر جديدة له، وخلق فرص العمل.
· عدم إغفال أحد: بناء شبكات أمان اجتماعي قوية وتمكين الفئات الأقل حظاً، ومنها الشباب والنساء وسكان المناطق الريفية واللاجئون.
· الفرصة: خلق بيئة تتيح فرصا متكافئة للجميع عن طريق الإنفاق الحكومي العادل والداعم للنمو، والنظم الضريبية العادلة، والإصلاح الهيكلي.
· العمل: الاستثمار في الموارد البشرية وتسليح العاملين بالمهارات اللازمة في الاقتصاد الجديد عن طريق التعليم حتى يتسنى تعزيز المساواة والرخاء.

وقد قامت الأطراف المعنية الإقليمية بإثارة قضايا النمو الاحتوائي والتجارة والاندماج بصورة قوية في سياق أوسع يشمل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ففي يناير 2018 ، اجتمع في مراكش ممثلون لأكثر من 20 بلدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها كل بلدان المغرب العربي، في مؤتمر إقليمي بعنوان «الفرص للجميع: تشجيع النمو وخلق فرص العمل وتعزيز الاحتوائية في العالم العربي » شاركت في استضافته الحكومة المغربية وصندوق النقد الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد العربي IMF 2018c( وكان المؤتمر منبرا لتبادل الآراء بين المسؤولين العموميين وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني حول قضايا انخفاض النمو وعدم المساواة والتجارة ومساءلة الحكومة والفساد. ويمكن تلخيص أولويات السياسة التي انتهت إليها هذه المناقشات في العبارة الإنجليزية ACT NOW أو «العمل الفوري » )الإطار 1(. وكانت التجارة — التي يشير لها الحرف“ T” في عبارة ACT NOW — عنصرا مهما في استراتيجية تعمل
على تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواءً للجميع — أي نمو يقتسم ثماره الجميع ويتيح للجميع الحصول على فرصة اقتصادية متكافئة، بما في ذلك الفئات الأقل حظا.

وبالإضافة إلى ذلك، وإقرارا بأهمية التجارة في تحقيق النمو، وقعت البلدان الإفريقية، ومنها كل البلدان المغاربية، اتفاقية مؤخرا لإنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية AfCFTA( (. وبمجرد تنفيذ هذه الاتفاقية التي أطلقها 44 بلدا إفريقيا في مارس 2018 ، ستصبح أكبر اتفاقية للتجارة الحرة تهدف إلى تحرير التجارة الإفريقية البينية في السلع والخدمات. ويرسل توقيعها إشارة قوية عن منافع التعاون الإقليمي البيني. وعلى المدى المتوسط، تهدف الاتفاقية إلى خفض التعريفات الجمركية إلى الصفر على 90 % من الواردات تحث هذه الدعوة على إجراء إصلاحات عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتشجع العناصرالتالية في النمو الاحتوائي بين البلدان الإفريقية وتحرير التجارة في الخدمات. ويمكن أن يكون الاندماج التجاري داخل منطقة المغرب العربي خطوة على مسار التنفيذ الكامل لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون تعزيز الاندماج داخل المنطقة المغاربية بمثابة هامش أمان ضد التأثير الممكن لاحتدام التوترات التجارية العالمية. فإذا تصاعدت الحمائية في الأسواق التقليدية، يصبح بمقدور بلدان المغرب أن تعوض جانبا من خسائر التصدير والنمو عن طريق القيام بمعاملات تجارية إضافية داخل المنطقة.وعلى هذه الخلفية، تناقش هذه الدراسة إمكانات الاندماج الاقتصادي بين بلدان المغرب العربي كمصدر للنمو لم يستغل بعد. وتذهب الدراسة إلى أن زيادة الاندماج الاقتصادي الإقليمي والعالمي يمكن أن تخلق ديناميكية إيجابية للانتقال إلى معدلات أعلى من النمو القابل للاستمرار. ومن شأن زيادة الانفتاح على التجارة والاستثمار بين بلدان المنطقة أن تتيح الحصول على مزيد من السلع والخدمات بأسعار أقل، وتحفيز المنافسة، وتشجيع الابتكار والتنوع، وزيادة الشفافية، والحد من المكاسب الريعية، وصولاً إلى زيادة الإنتاجية والنمو في كل البلدان. ويمكن أن يكون هذا الاندماج الإقليمي أداة قوية، تكملها السياسات المحلية، لرفع النمو الممكن في المغرب العربي، وخلق فرص العمل، والحد من الفقر.

* خبير بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت وعضو اتحاد العام للخبراء العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *