مغاربة العالم

“لست فيروسا”.. السخرية تفاقم معاناة مغاربة الخارج مع رعب “كورونا”

بعد أن كانت بقعة تفشي فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) مقتصرة إقليم “هوبي” بوسط الصين، زادت بؤر الانتشار حول العالم، وارتفعت حصيلة حالات الإصابة، في كوريا الجنوبية، وشمالي إيطاليا، وإيران، وغيرها من الدول، وأصبحت منظمة الصحة العالمية تخشى أن تكون الإصابات الجديدة غير مرتبطة ببؤرة الإصابة الأولى في مدينة ووهان الصينية.

وجدت الجالية المغربية بعدد من الدول نفسها في أزمة من نوع آخر، بمواجهتها لكميات هائلة من السب والنكات، وموجة من العنصرية التي طالتها حاملة معها وأحكام مسبقة، هؤلاء أبدوا امتعاضهم من التعليقات التي المستهزئة بهم بسبب وجودهم في أحد مناطق انتشار “كورونا.

خيبة في إيطاليا

مهدي، مهاجر مغربي بإيطاليا، يقطن بمدينة بافيا، التي تعتبر الثالثة على مستوى انتشار فيروس كورونا فتح قلبه لجريدة “العمق” وقال “هنا في إيطاليا على الأقل نضمن أنه في حالة إعلان إصابتنا من السهل توفير العلاج لنا، ومن السهل توفير الرعاية الصحية”، مضيفا “لم نكن ننتظر شيء من المغاربة، سوى الدعم النفسي والمعنوي، والدعاء معنا، لكننا للأسف أصبنا بخيبة كبرى”.

وعن غضبه مما نشر من نكات وتعليقات لاذعة من طرف المغاربة، من قبيل “بلا متجيبو لينا المرض، وخليونا نصومو رمضان في خاطرنا”، أردف مهدي “شعرت وكأننا السبب الأول والرئيس في الفيروس الجديد وفي نشره، أصبح المغاربة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يعاملوننا كأن كل الجالية المغربية المقيمة في الخارج تحمل الفيروس، وتسعى لتصديره داخل أرض الوطن، وكأننا كلنا مرضى إلى أن يثبت العكس”.

وزاد المتحدث نفسه بالقول “وُجهت إلينا انتقادات لاذعة، وجارحة، ونعتو الجالية المقيمة بإيطاليا خصيصا بأقبح الصفات”، مضيفا “نحن لسنا المسؤولين عن قتل المئات وإصابة الآلاف بالفيروس” مشيرا إلى أنه “نعم من حق أي مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي التعبير عن رأيه، بكل ما أوتي من حرية، ولكن من العيب والعار أن توجه الشتائم لنا”.

وأضاف مهدي بصوت تسيطر عليه الحرقة على الوطن “في الوقت الذي نعيش فيه رعبا نفسيا هنا في بؤر انتشار الفيروس، لم نكن ننتظر من المغرب دعما ماليا أو صحيا، ولكن كل ما كنا بحاجة ماسة إليه هو الدعم المعنوي، وهو الشيء الذي لم نحصل عليه، وعلى العكس من ذلك فقد حصلنا على إحباط ويأس وشعور عميق بالخيبة، إثر كمية التعليقات الساخرة والتهكمات التي نشرت كالنار على الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي المغربية”.

وأردف مهدي قائلا “كنت أفكر في السفر إلى المغرب قريبا، لكن تراجعت مؤخرا عن قراري، على الأقل هنا أنا في اطمئنان أنه في حالة ما أصبت أو أصيب أي فرد من الأسرة، سنضمن علاجا ذو جودة، ورعاية صحية تضمن لنا كرامتنا الإنسانية، أما في المغرب، فأغلبية المرضى مغلوب على أمرهم”.

خوف نفسي وهلع
ومع زيادة المخاوف في أروبا مع إعلان إيطاليا عن حالتي وفاة جديدتين يوم الاثنين المنصرم، وإصابة أكثر من 200 شخص، وتأجيل عدد من مباريات كرة القدم ضمن دوري الدرجة الأولى في عطلة نهاية الأسبوع، وتعليق مهرجان فينيسيا السينمائي الشهير، وإلغاء عدة عروض أزياء ضمن أسبوع الموضة في ميلانو. قامت الحكومة الإيطالية بإصدار أوامر لأكثر من 50 ألف شخص في نحو عشر بلدات في شمال إيطاليا، بالتزام منازلهم، بينما أقامت الشرطة نقاط تفتيش لتطبيق الحظر.

وأعرب زكرياء، المغربي الذي يعيش بقلب مدينة روما الإيطالية، في حديثه مع “العمق” بأن “مسألة الإحساس بالآخر لا تتطلب وعيا ولا تعليما، فقط، بل تتطلب إنسانية” وتساءل “هل نحن المغاربة افتقدنا إلى إنسانيتها، أضعناها كما أضعنا المطالبة بأبسط حقوقنا من تعليم جيد وعيش كريم”.

وعن وصف دقيق للوضع، قال زكرياء، هنا تم منع بيع “الأقنعة الواقية” في الصيدليات، للحد من انتشار الهلع والرعب النفسي، ولكن في المقابل يتم توزيعهم من طرف الدولة في الأماكن العامة، كقطارات الميترو، وكإجراءات احتياطية مشددة تم إغلاق المؤسسات التعليمية، والمسارح وقاعات السينما إلى حين إشعار آخر”.

وعن عدد الإشاعات التي باتت تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي المغربية بشكل لافت للانتباه، وعدد النكات وعبارات التهكم التي باتت تتزايد بشكل يومي ومستمر، وبوتيرة متصاعدة، نشرت صفحة “الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا” على “فيسبوك”، أن “معظم التعاليق في مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، تتشفى وتحمل في طياتها السخرية، في حين هنا الجالية كلها خائفة على المغرب أن يصله الفيروس بحيث أن المغرب وإفريقيا ليس لهم أي استعداد نهائيا للمرض، حيث أنه بالمغرب ليس هناك أماكن بالمستشفيات، وإن تواجدت فالمستشفيات في المغرب لا تقدم الجودة الصحية، أما بإيطاليا مع أول حالة وجدو 4000 سرير و200 مليون أورو، فاليد التي تكتب تعليقا ساخرا، من الأفضل أن تدعي الله أن يرفع هذا الوباء ويحفظ البلاد”.

ويتواجد المغاربة بكثافة في بلدة “كودونيو”، وهي المنطقة التي تم فيها تشخيص فيروس كورونا والتي تم عزلها حاليا عن باقي إيطاليا وإغلاق جميع المرافق العمومية بها كخطوة احترازية أولى. إضافة إلى أن الشركة التي يشتغل بها أول شخص تمت تشخيص حالته يشتغل بها عدد لا يستهان به من المغاربة، والذين بدورهم طالتهم الإحالة على معزل طبي من بين 250 شخصا لحدود الساعة.

“تعلمنا نشدو في بعضنا”

انطلقت ماجدة، مغربية مقيمة في اسبانيا بالقول “تعلمنا في المغرب، منذ الصغر، أن نأخذ كل شيء على محمل الهزل والمزاح، وأن نسخر من بعضنا البعض، بالدارجة المغربية “نشدو في بعضياتنا” وهذا أمر يتجلى في عدد من النكات التي كنا نضحك ملئ قلوبنا ونحن نستمع إليها، ولكن أن نصل لهذه المرحلة من الاستهتار، وأن نسخر من خوف الآخرين، وأن لا نتعامل بمسؤولية مع كل مسألة خطيرة تظهر على الساحة العالمية، فهذا مشكل”.

وزادت ماجدة بالقول “كنت أنوي السفر يوم الجمعة القادم إلى المغرب، ولكن خائفة من وضعي في الحجر الصحي، وأنا لا أشتكي من أي أعراض، ولا ذنب لي سوى أنني أنوي الدخول إلى الوطن وأنا قادمة من بلد أُعلنت فيه عن حالة إصابة بالفيروس”.

خوف في الجزائر

وفي ظل وصول الفيروس للجزائر، قال يوسف مغربي يقطن بمدينة سطيف الجزائرية “أصبح احتمال إصابتنا بالفيروس أشد خطورة، من المشاكل اليومية التي نعيشها، والتي لا تعد ولا تحصى من قبيل نقص الموارد البشرية الصحية، وجودة المستشفيات، ونقص الأدوية، وعدم اتخاذنا للإجراءات الحمائية، وكأننا صرنا بكل يأس نبحث عن “نيزك” يُنهينا، ونفخنا في الفيروس بكل ما لدينا من الشائعات، وجعلنا منه شبح الموت الحتمي، المنتظر”.

يوسف، زاد في حديثه قائلا “نحن شعب جبان وخائف ومتوجس، أما النكات المتداولة حول الفيروس فهي كثيرة، وتعتمد على الكثير من الإبداع والتجديد، ولا يبدو أنها ستتوقف في القريب العاجل، وهي نكات تتداخل فيها كيفية تعاطينا مع الأمراض، بالعادات الاستشفائية التقليدية، من قبيل تناول المخينزة، والعلاج بالكي، والبوماضا الصفراء”.

وأتمم يوسف “للأسف أصبح أي موضوع وتصرف في حياتنا اليومية مرتبط بشكل وشيك بالفيروس، فأصبحت العطاس العادي يعتبر على أنه احتمال إصابة، وألم رأسك من تعب يوم طويل احتمال إصابة، وترى الأعين المتوجسة تراقبك خلسة”.

وعن وصفه للوضع، زاد يوسف بالقول لكل متهكم وساخر في مواقع التواصل الاجتماعي بأن “الوباء المنتشر بشكل عنيف ومخيف، في أغلب البلدان العربية، هو الجهل، وهو الذي يستدعي إعلان حالة الطوارئ للتخلص منه”.

وعن العنصرية الجديدة التي ظهرت بأشكال مختلفة، وتترجمها أيضا طريقة تعاطي عدد من وسائل الإعلام مع الأخبار المتعلقة بانتشار فيروس كورونا، وكذلك العدد الهائل من الإشاعات المنتشرة كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي، أضاف يوسف بغضب”نحن شعب كثير الشك بطبعه، وأهم الأسباب المؤدية لذلك هشاشة المنظومات التربوية التي نعيش في ظلها، ونقتات منها معارفنا، وهي ما أصبحت سببا مهما في غياب ثقتنا بكل ما نتلقاه، وجعلت أيضا غياب وعينا مع كل سلوك نتعاطاه”.

وأضاف المتحدث نفسه، ما نعاني منه سواء هنا في الجزائر أو في المغرب هو “نقص الثقة في المنظومة التي نعيش فيها، أعظم فيروس نحمله في ذواتنا، أما الفيروس فهو عابر، كما عبر قبله الكثير من قبيل “إيبولا” و”انفوانزا الخنازير” و”انفوانزا الطيور”، المشكل في الثقة التي من الصعب بنائها، ونحتاج بشأن ذلك لزمن طويل قد يمتد لأجيال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *