وجهة نظر

هل للتخلف حدود؟

ان مناقشة موضوع التخلف بطرح سؤال استفهامي للوهلة الاولى املته ظروف الوضع الصحي العام في سائر دول العالم غنيها وفقيرها ،قويها وضعيفها،المتقدم منها والمتخلف،ومنا بالطبع بلدنا بسبب فيروس “كورونا المستجد” الذي صنفته منظمة الصحة العالمية في 11 من اذار 2020 وباء وجائحة عالمية لخطورته وحثت كل دول العالم على محاربته ومقاومته.

وانه بالفعل فجميع الدول اتخدت مجموعة من القرارات والإجراءات ولو ان بعضها كان متاخرا مما كانت لها عواقب وخيمة على صحة مواطنيها ،وان كل تلك القرارات لها هدف واحد هو وقف انتشار وزحف هذا الوباء الذي عجز العلم الطبي المخبري الحديث الى الآن في ايجاد علاج او لقاح.

والمغرب كسائر الدولة اتخدت حكومته رزمانة من الإجراءات الادارية كغلق المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والمحاكم الا للضرورة وفرضت حالة الطوارئ الصحية وسنت تشريعا لها يلزم الجميع الالتزام بالبقاء بالمنازل ،وجندت كل الموارد البشرية و الوسائل الصحية والامنية ،ونظمت حملات تحسيسية وتوعوية بملازمة الجميع الحجر بالمنازل.

وهكذا تكون الدولة قد وفت واجباتها اتجاه المواطنين من اجل حماية الحق في الصحة كحق دستوري وكوني ، فهل المواطنون بدورهم وفوا التزاماتهم المتقابلة وهي حماية الصحة العامة؟

ان المتتبع للشان الاجتماعي يظهر له بان عدد من المواطنين لم يستجيبوا لكل النداءات وكل الإجراءات المتخدة ، ويصاب المرء بالدهول من تصرفات شريحة واسعة منهم والتي تعتبر نفسها غير معنية وغير مهتمة نهائيا بالوضع الصحي العام والخاص وغير معنية بكل القرارات الادارية والقانونية المتخدة ، والاكثر من ذلك سواد ثقافة القضاء والقدر وسواد ثقافة ماذا سيقع؟

مما يدفعنا الى طرح ومناقشة موضوع التخلف بكل قسوة اكثر من اي وقت مضى لانه مرتبط بالحق في الحياة، فعندما تجد طبيبا مختصا يهدد الصحة العامة ،وعندما يستغل الدين لمهاجمة الصحة بترديد شعارات دينية لن تحمي احد من الوباء ،وعندما يتزاحم الناس من اجل مطبوع التنقل والتجوال الاستثنائي ،وعندما يتجمهرون ويتدافعون امام صناديق الضمان الاجتماعي للحصول على التعويضات المرتقبة من صندوق دعم جائحة الفيروس ،وعندما تجد تجمعات هنا وهناك وبدون مبرر وبسق وعطس في الشارع دون اي إجراء وقائي رغم التحسيس به وعدد كبير من الظواهر والسلوكات الغير المقبولة لا خلال الجائحة او دونها اوقبلها اوبعدها.

كل ذلك يتطلب بحث الظاهرة من الناحية السلوكية والنفسية ومن الناحية الاجتماعية للانسان المتخلف ومحاولة سبر اغوار مايدور في عقله الباطن ولا نستثني انفسنا من هذا التحليل.

إن هذا الانسان وللاسف ومند بروز ظاهرة الانسان المتخلف اللصيقة بدول العالم الثالث في منتصف القرن الماضي لم يكن موضوع اهتمام اي خطة تنموية تاخده في الاعتبار ،وانه رغم انه كان معمل تجارب لعدة برامج تنموية ،فكلها كانت عبارة عن مخططات صناعية او اقتصادية اوتربوية تمثل اسقاطات تجارب دول متقدمة، لانها لم تكن موجهة لبحث وتحليل بنية تشكل الانسان المتخلف وتفكيكه سلوكيا ونفسيا ،عبر علاجه تم اعادة تشكيله عبر ايجاد قطيعة مع ماضيه المشكل من ترسبات متخلفة عالقة بدهنه ومقاومة لكل السلوكات التي تخالفها.

فليس من السهل ان الانسان الذي عاش في بيئة متخلفة وتشكل عقله الباطني من مجموعة من التصرفات المتخلفة وبنى مواقف ونظريات مستمدة من هذه البيئة ان تفككها دون ان يثور اللاوعي لديه وبنائه المتخلف.

وانه رغم المعرفة التي يكتسبها والتي قد تؤثر في بعض من جوانب ومناحي حياته اليومية وتصرفاته ،غير ان بنيته الاساسية التي تشكلت في بيئة متخلفة تبقى مسيطرة،لان تشكلها مر عبر مراحل واحداث تاريخية تجسدت وترسخت في عقله الباطني ،مما يجعله ظاهريا يبدو طبيعيا لكن داخليا عقله متمزق ،وهنا استحضر كتاب لمؤلفه د مصطفى حجازي “التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الانسان المقهور” اذ يعتبر ان الانسان المتخلف مند ان ينشأ تبعا لبيئة اجتماعية معينة يصبح قوة فاعلة ومؤثرة وهو يعزز هذه البيئة واستقرارها بمقاومة تغييرها لارتباطها ببنيته النفسية ويعتبر وجود الانسان المتخلف في وضعية مأزقية بسبب القهر . انتهى المقتطف.

اذن فالقهر والتسلط يجعل كل السلوكات والتصرفات التي اكتسبها الانسان المتخلف في بيئته الاجتماعية المتخلفة تبقى مشكلة في بنية عقله الباطني رغم المعرفة والعلم الذي اكتسبه،لذا فهي قابلة للظهور عن وعي وعن لاوعي متى سنحت لها ظروف اجتماعية معينة بالظهور ،لذا فالطبيب المصاب بفيروس كورونا رغم العلم والمعرفة قرر مخالفة سلوك اجتماعي رامي لحماية الصحة واصابة اخرين ،لان بنية تشكل عقله في بيئة متخلفة قاومت السلوك المتقدم والطبيعي.

وهكذا يعيش الانسان المتخلف الخوف الدائم من الحاضر والمستقبل ونادم عن الماضي وغير راضي عنه ويعيش القلق المستمر وعدم الاحساس بالامن والطمأنينة والسلم الاجتماعي فهو في حرب نفسية داخلية باستمرار.

ان تتبع حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها من طرف مؤسسة الدولة وماافرزته من ظواهر اجتماعية نتيجة تصرفات وسلوكات منحرفة ،كالتظاهر والتجمعات والخروج دون مبررات رغم كل المطالب بمجابتها ،يوضح ان الانسان المغربي يعيش فعليا قهرا نفسيا متجسدا في الخوف من المستقبل والحاضر بتأمين احتياحاته والخوف على محيطه الاجتماعي ،اسرته اولا ثم عائلته واقاربه، ولايكثرت لمحيطه الاجتماعي العام فتصدر عنه سلوكات متخلفة ،قتبدو للبعض عادية ولكنها في الواقع من الناحية النفسية ليس الامر كذلك لانها تشكلت في بيئة متخلفة دفعته للتفكير بقهر ذاته وجلدها الى درجة اللامبالاة بحمايتها صحيا.

ان فيروس كورونا فرصة تاريخية لكل بلدان العالم الثالث للتفكير في تفكيك من جديد بنية الانسان المتخلف عبر ارجاع الثقة النفسية لذاته ولمحيطه الاجتماعي والكل عبر سن مخططات تنموية شاملة يكون الانسان هو محركها وفاعلا حقيقيا في انجاحها بمنحه الحرية والتحفيز على الابتكار,

الاستاذ عبد الرحيم الشيهب محامي وحقوقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *