منتدى العمق، وجهة نظر

التعليم عن بعد في ظل الجائحة.. تقييم التنزيل وآثاره

بعد مرور شهر على التجريب القسري للتعليم عن بعد وبضغط من «كوفيد19» ٱن الأوان للقيام بتقييم شامل لهذه المرحلة على المستوى النفسي والبيداغوجي و اللوجيستيكي. رجال ونساء التعليم جالسون وراء أدوات وتكنولوجيات تبدو غريبة للكثير منهم من أجل الانخراط الأمثل والإيجابي لمواجهة الجائحة، يبذلون قصارى جهدهم، لتصل المعرفة إلى بيوت منها ما هو مستعد للاستقبال والتقبل بفعل طبيعة الأسرة ومستواها الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، ومنها التي تئن وتحتضر اقتصاديا وماديا وبالكاد تساير الوضع المعيش المتواضع جدا وتفتقر لأبسط وسائل الاتصال، فإن وجد التلفاز غابت أشياء أخرى، وإن وجد الهاتف الذكي فمن المحظوظ من المتعلمين بالأسرة الذي سيحظى به؟ هل هو زيد الذي يدرس بالابتدائي؟ أم عمر بالقسم الثانوي! أو وصلة التي تتابع دراستها بالجامعة؟ وحتى بالنسبة للتلفزة عندما تلتقي الحصص الدراسية لهؤلاء بنفس الوقت فمن المحظوظ بالظفر بالحصة، لأن بيوتا كثيرة ليس بها أكثر من تلفاز واحد.

فعلاً الأسر أصبحت تعيش على وقع التمييز بين الأبناء، على وقع ضغوطات نفسية، لضعف الصبيب، أو لعدم نجاعة الهاتف الذكي إن وجد، تجد المتعلم يغلق عليه الباب. ويصبح كثير الاستنجاد إن وجد مسعفا. كثير القلق عندما «يقف حماره في العقبة» فكل هذه الضغوطات النفسية أثرت ولازالت تؤثر بشكل كبير في نفسية المتلقين، وخير مثال على ذاك إصابة جل هؤلاء المتعلمين بالأرق الذي هو ظاهرة سلبية خصوصا في ظل الجائحة لأنها تؤدي إلى نقص في المناعة لدى المتعلمين، هؤلاء الذين علينا أن نهيئهم قبل كل شيء للتمسك بالقيم الصحية و الوقائية كي لا يتربص بهم كوفيد 19 اللعين، و بالتالي فعدم استفادتهم من الراحة، وعدم تعريض أجسامهم لأشعة الشمس ولو بسطح المنزل أو بشرفته سيزيد لديهم نقص فيتامين «د» وبطبيعة الحال إهمال الأبناء سيعرضهم للهشاشة و ضعف المناعة.

إن الأبناء «المتعلمين» أصبحوا يعيشون الغربة تحت سقف واحد نتيجة دسامة البرنامج المسطر للتعلم عن بعد حيث غالبا يتم تناول الوجبة الرئيسية للأسرة، وهي وجبة الغداء، إما بطريقة فردية أو في غياب بعض أعضاء الأسرة من المتعلمين طبعا لانشغالهم بحصة من حصص التعلم عن بعد.

أما المدرسون الذين يحملون هم وصول المعلومة بشكل يرضي المتلقي هؤلاء الجنود الذين يجاهدون في ظل غياب الشروط الموضوعية لتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ الذين كما قلت سابقاً أصبحوا تائهين بين أنامل تحمل القلم للصياغة، وبصمة أصبع تسارع لضغط زر الهاتف أو الحاسوب أو اللوحة لكتابة الجواب أو لإيصاله شفهيا. وكثير منهم، أي المتعلمون، عندهم الجواب لكنهم ليس لهم ملكة إيصاله إلكترونيا. ومنهم أيضا من هم خارج دفتر تحملات التعليم عن بعد نظرا لحاجة أسرهم المعوزة ماديا،

وبالمناسبة لم تعمل الوزارة الوصية على بلورة أي تصور للوصول إلى عقول هؤلاء التلاميذ ومساعدتهم على الالتحاق بزملائهم بالفصول الافتراضية، رغم بعض التدخلات المحتشمة لبعض رؤساء الجماعات مشكورين عليها. لكن «ماذا ينفع درهم بخور في أرض خلاء». وحتى التلاميذ والطلبة الذين يصادرون هواتف أولياء أمورهم فنسبة كثيرة منهم يشتغلون بها وهي موصلة بالشاحن الكهربائي لعدم نجاعتها مما تسبب لتلميذ في حادث كاد يفقده عيناه عندما انفجرت البطارية في وجهه.

لقد قامت الوزارة بتنزيل عدة إجراءات للاستئناس بالتعليم عن بعد، وفق ما صرح به السيد وزير التربية والتكوين على الهواء بإحدى القنوات التلفزية، ولا ننكر على المسؤولين عن تدبير الشأن التعليمي مجهوداتهم في السهر من أجل التنزيل، خصوصا في ظل الطوارئ الصحية لمكافحة الجائحة، و لكن كل هذه الإجراءات كانت تفتقد للمصاحبة والدعم في الاتجاهين (المرسل /والمتلقي ) مما لا يدع مجالا للشك ان ندخل هذا الإجراء في إطار ثقافة الاستهلاك لا غير وواجهة من واجهات التماهي والتقليد لتجارب مرسخة لدى شعوبها منذ زمن متناسين المعاول الحقيقية (رجال ونساء التعليم / المتعلمين) والشروط والضمانات الكفيلة بأن يكون التنزيل دقيق ومعد له كي لا يتكسر على صخرة الواقع المرير الذي تعيشه المدرسة العمومية من إهمال حقيقي وضعف البنيات الذي تأثر بنهب صفقة المخطط الاستعجالي و غيرها من الصفقات و تحريف البرنامج والاهمال الذي يطال ميزانيات القطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن وتشغيل .

ومن منطلق طموحنا الى التجديد التربوي وانفتاح المدرسة العمومية على المستجدات والتشجيع على البحث العلمي في مجال التربية والتعليم وإذ نعتبر التعليم عن بعد جزءا منها، إلا أننا نرفض الولادة القيصرية لأي مشروع أو مخطط تعليمي وتجريبه بطريقة عشوائية. كي لا ينطبق على تعليمنا البيت الشعري القائل: «ضاع شعرنا على بابكم كما ضاع ذر على خد وصلة» ودمتم سالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • محمد القرفي
    منذ 4 سنوات

    تبارك الله على سي محمد بنحدة دائما تتحفنا بمقالاتك القيمة ، فعلا فهي معضلة كبيرة ، فأنا (اعوذ بالله من قول أنا ) أتواصل مع تلاميذي بالتعليم عن بعد لكن أرى أن هناك نسبة كبيرة لا تستفيد للأسباب التي ذكرت إذن ليس هناك تكافى للفرص ، لهذا أطلب من الله العلي القدير ان يرفع غضبه عن عباده و يبعد عنا هذا البلاء ، حتى نرجع إلى حياتنا العادية و نقوم بواجباتنا الدينية و الدنيوية على احسن ما يرام ، آمين ، آمين ، و أخيرا تحياتي إلى استاذي الكريم .

  • كوثر رزقي
    منذ 4 سنوات

    سلام عليكم ورحمه الله سى بنحدة تبارك الله عليك الله اوفقك

  • Bouchra
    منذ 4 سنوات

    Bravoooo