وجهة نظر

كورونا ذكر أم أنثى؟

يتميز النظام الرأسمالي بالتوزيع غير العادل للثروات، وبالاستغلال الناتج عن انتاج فائض القيمة، ضمن نمط انتاج؛ يفضي إلى تحويل الانسان إلى آلة، قابلة للعمل، أكثر مدة زمنية ممكنة؛ وبتسخير جميع امكانياته اليدوية والعقلية، وكلما استنزفت قدراته في عملية الانتاج، يتحول إلى مستهلك فقط.

اما على المستوى الاجتماعي فقد أدى تشييء الانسان بتمييزه بين الذكر والأنثى، حتى يتسنى للرأس المال هدم قيم الانسان ككائن واحد، الذي لا يكتمل إلا بالعلاقة بينهما، وان أي تمييز هو في أساسه عنصري يهدف إلى الاستلاب، وهي الصورة الهلامية التي تسوقها الرأسمالية حول مفهوم الانوثة، ومفهوم الذكورة، والتي تحيل إلى التفوق البيولوجي للرجال عن النساء، وللإمعان في هذا الوضع، تم تقسيم العمل بينهما: معشر الذكور، أو رهط الذكور، خارج المنزل؛ وعمل المرأة داخل المنزل؛ الاول مفتوح، والثاني مغلق، وهو ما يفسر أن الحجر الصحي يتم داخل المجال المغلق، والخاص بالنساء، في تقسيم العمل، إذن لماذا لم يتم الحجر الصحي داخل المصانع والوحدات الانتاجية؟ بكل بساطة لأنها مجال مفتوح، وليس مغلق !! لكن انتقال العدوى داخل البؤر العائلية يطرح عدة تساؤلات حول عجز الرأسمالية في بناء نماذج اسرية تشكل بنية مغلقة يصعب اختراقها، يفسره أن مفهوم الاسرة هي بنية متغيرة بتغير العلاقة بين عناصرها: المرأة/الاب، الرجل/الام والابناء وباقي علاقات القرابة. واقع سيعرف تغيرا ملحوظا بعد جائحة كرورنا التي ساهمت بشكل مستعجل في تحقيق طفرة نوعية في هذه العلاقات البنوية داخل الاسرة، من خلال جعل أن المنزل هو أيضا فضاء مفتوح.

وبما أن تزايد حاجيات الرأس المال، المبني على الجشع، والتوحش، وعدم الاشباع، تطلب فصل هذه النماذج البشرية التي استُنزفت، والمسماة شيخوخة، عن باقي الفئات العمرية، داخل دور العجزة أو المسنين، نتيجة لبنائه نواة للأسر، قصد الرفع من تكاليف الاستهلاك، مقارنة مع الاسر المركبة، أو الممتدة، وبالتالي تسهيل عملية تبني خطاب ايديولوجي، أن الاساس هو الثروة، وليس الانسان، فلا غرابة إذن في أن الرأسمالية كشفت عن همجيتها المتوحشة في التنكيل بآبائها الشيوخ علانية حاليا في زمن كورونا داخل مستشفياتها وشوارعها ومساكنها: أمريكا/ ايطاليا/ فرنسا/ اسبانبا/ انجلتير/ ألمانيا… بعد تنكيلها بباقي شعوب العالم، سواء ابان الاستعمار التقليدي، او الحالي، المبني على الحروب بالوكالة، أو خلق بؤر للتوتر وباستعمال جميع الاسلحة المدمرة: المادية، والفكرية، والبيولوجية؛ التي تهدف إلى احتكار الثروة عوض تقاسمها؛ وبحكم أن الانسان: رجال/نساء، كائن اجتماعي بطبعه، فكان لزوما على قيم الاحتكار، والاستغلال، تحويل الانسان/ الرجل الذي يتحكم في رأس المال إلى متوحش، إي إلى حيوان مفترس، ضمن سلسلة غذائية، القوي يأكل الضعيف، وما ينتج عنه من ادخار، فعل يقوم به الاسد كما الكلاب والقطط والنمل… على عكس الرجل المتوحش الذي يتجاوز الادخار إلى الاحتكار وما يخلفه هذا الاخير من كوارث وحوادث، طبيعية أو بشرية: فيضانات/ حرائق/جفاف/ تلوث/ تهجين/ استنزاف…

كيف تم ذلك؟

لمعرفة علاقة الرجل/المرأة لا بد من دراستها في مسارها التاريخي الذي هو بالأساس تاريخ البشرية.

تميز تطور العقل البشري بعدة تغيرات في تاريخ الانسانية، ومع وجود”اليد” عند هذا الانسان انفرد على باقي الكائنات في بناء الحضارة، شاء المسار التاريخي أن يقوم بعملية الهدم/ البناء، وفق قوانين يسطرها من يمتلك القوة، والتي كانت في البدء من طرف النساء، هن من يحكمن العالم، ولظروف الحمل والولادة جعلت الانسانية تنتقل من حياة القنص، والصيد، إلى الاستقرار؛ فظهرت الفلاحة والتدجين أي تربية الحيوانات، وهو الحال الذي أدى إلى ظهور الملكية، وما تطلبه ذلك من توفر لأجهزة التحكم، بعدما كان الوضع مقتصرا على الحقوق فقط، فترة حكم النساء، فظهرت القوانين، وبالتالي ظهور الدولة، كأداة لترسيخ الحكم الجديد، المبني على الملكية الفردية، سرعان ما استولى عليها الرجل في لحظة مخاض، فاحتفظ بحليها، وأقراطها، وملابسها، لذلك لا غرابة من استمرار الحكام حتى وقت قريب يرتادون ملابس النساء ويتزينون بزينتها.

وعليه ما يعتبر أساطير الاولين والمبنية على منطق، هي ميلاد لاستنباط قوانين واحكام تشكل اجابات للمرحلة الحالية والمستقبلية، فهي ليست دعوة للخرافة، بل اشراقا للمستقبل، وإيمانا بالعلم، وبالقيم الانسانية، وكلما تطورت البشرية نحو الارقى، ازداد اكتشافها لتاريخها، من خلال قدراتها على تحليلها لتلك الاساطير المبنية على معادلات رياضية، وأبعاد هندسية، وهي مرحلة مرتبطة بتحقيق قيم كونية، تضمن التوازن الطبيعي والعيش المشترك لجميع الكائنات؛ والانسان جزء من هذه الكائنات الحية الذي فضله الله على سائر المخلوقات كما جاء في القرآن. وهي مرحلة لا زالت تنتظر من البشرية كثير من الجهد والبحث حتى تتجرد من القيم الانتهازية، والوصولية، والانانية الهدامة، والقيم الهمجية، المبنية على التعجرف، والتكبر، والانحطاط، الناتج عن “الجوع” ليس جوع الفقراء المحدد في الغداء بل جوع الاغنياء والمسؤولين العموميين والخواص وهو ما يصطلح عليه “باللهطة” وهي الرغبة في تملك جميع نساء العالم، وثروات العالم، وخيرات العالم، في حين ان الانسان عاجز حتى على تملك حجم من الهواء، تمكنه من التنفس بسلام، فبالأحرى تملك الحياة الابدية.

لماذا العودة عبر الزمن؟

بكل بساطة لأن العلاج المقترح في مجابهة جائحة كورونا يعتمد الحجر الصحي، وهو فعل موشوم في تاريخ البشرية، عبر نحث صخورها، ولغاتها، وحضارتها؛ أي ان الحجر الصحي كمفهوم طبي هو قديم، ولا يقتصر على عزل الانسان فقط بل قد يشمل الحيوانات، وحتى النباتات، التي تحل من أمكنة موبوءة بالإمراض المعدية، حتى يتم التأكد من خلوها من تلك الامراض.

فلا غرابة أن الصين تظهر للعالم ما هو مشترك من تجهيزات ومعدات طبية كمامات وهوائيات وفي نفس الوقت تستعمل كنزها الطبي والمسمى بالطب الصيني. وهو تخصص نسائي بامتياز يستعمل داخل المنازل، تراكم عبر آلاف السنين.

دور النساء في مجابهة الوباء !!

تطلعنا وسائل الاعلام العالمية أن النساء في الصفوف الامامية لمجابهة هذا الوباء، وأحيانا لوحدهن، في معالجة الرجال، سواء في مهنة الطب والتمريض، او في الخدمات المرتبطة بذلك، من تنظيف، وتغذية، وأيضا الخدمات الاجتماعية: مرشدات أو مساعدات، وفي المغرب قد برزن حتى في تملك السلطة في تنزيل حالة الطوارئ الصحية، كما هو حال القائدة حرية بآسفي؛ أو حال القائدة اكرام بوجدة، التي دافعت عن الحقوق الخاصة للسكان ضد ضجيج في لبوس ديني، وهو الفعل الذي عجز عن مجابهته رجالات السلطة، أما العمل التطوعي والاحساني فلم نسمع به لا في وسائل الاعلام، ولا في المجتمع المدني، مع اشارة محتشمة تحدثت عن سلوى الادريسي ليس كمرأة بل كزوجة لرجل هو اخنوش وهي احالة على تبعية المرأة للرجل بالمغرب علما أن كثير من النساء لهن اسهامات مهمة في العالم التضامني نذكر منهن ليلى امزيان زوجة عثمان بن جلون … عموما أنها لم تحقق استقلالها بعد مع العلم ان مبدأ المناصفة في الفصل 19 من الدستور له دلالة قوية على أن الدولة المغربية عازمة على اقرار المساواة، لكن هيمنة العقلية الذكورية التي تكرسها النساء في عملية التماهي مع الاستبداد، تجعل من الصعوبة ابراز اسهامتهن في مجابهة جائحة كورونا، إذا علمنا أن ما يقارب نصف المشتغلين بالمجال الصحي أو التعلمي هن نساء وان من يقوم بعملية التبضع اليومي أيضا نساء، وبالتالي هن من يتصدقن على الرجال الذين يحترفون التسول أكثر من النساء، ناهيك على أن العمل المنزلي من اختصاصهن وفي زمن الحجر الصحي تضاعفت أتعاب النساء وأصبحن هم الاكثر تحملا لتبعاته وتكاليفه.

* فاعل في المجتمع المدني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *