منوعات

حين أسقط الميداوي الحجاب عن الفساد داخل “القناة الثانية”

هناك عدد من الأصوات التي تعلو دونما امتلاك الجرأة للإعلان عن نفسها كلم كتب مقال أو تعليق يهم الحديث عن فساد القناة الثانية على مستوى التدبير المالي والإداري وأيضا على المستوى المهني بتحيزاتها وخطها الاستئصالي أو بمعاول هدم القيم والتمثيل بهوية المغاربة، وبعد أن سبق تناول استهداف القناة للجانب القيمي وانحيازها للطرح المصلحي والمستفيد من الوضع غير الديمقراطي بالمغرب حتى لا أقول الطرح العلماني، وبعدما كشف من عوراتها التطبيعية مع الكيان الصهيوني سواء من خلال برنامج “تينغروجازاليم” أو “ميز أونكور” أو نعت الشهداء بالنتحاريين وتجاهل نبض الشارع المغربي المتضامن وبشكل مطلق مع حقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة، يحاول هذا المقال تسليط الضوء على جزء من الفساد الإداري والمالي بالقناة الثانية كما شهدت بذلك الدولة نفسها من خلال مؤسسة دستورية اسمها المجلس الأعلى للحسابات والذي لم تحرك بخصوصه آنذاك وإلى اليوم أي متابعة أو فتح تحقيق قضائي في إهدار أموال الشعب والدولة.

هكذا رصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر سنة 2009 الاختلالات التدبيرية والمالية التي عرفتها القناة الثانية والتي كانت شركة خاصة بين سنة 1987 إلى حدود سنة 2008، و التقرير تطرق لمختلف أوجه الاختلالت انطلاقا من التدبير الإداري إلى موضوع الصفقات والإنتاج الداخلي والخارجي للقناة، إلى جانب العديد من المشاريع التي شابها العديد من حالات القصور في التدبير على مستوى الحكامة. وتكمن أهمية هذا التقرير في كونه صدر عن مؤسسة دستورية تلعب دورا كبيرا في الرقابة على المؤسسات العمومية والمال العام وتتميز بمصداقية عالية. ورغم أننا سنكتفي هنا بأهم الاختلالات التي رصدها التقرير خاصة منها ذات الصلة بالفساد المالي والاختلالات الإدارية، إلا أن السؤال الكبير هو ماذا كان مصير توصيات المجلس الأعلى للحسابات؟ وهل استفادت القناة العمومية من ملاحظات التقرير وقومت سياساتها المالية والادارية والمتعلقة بالحكامة أم أن دار لقمان ما زالت على حالها؟

“صورياد المغرب” و”صورياد فرنسا”غموض وامتايازات غير مبررة

سجل المجلس الأعلى للحسابات أن “صورياد فرنسا” شركة فرنسية في ملكية صورياد المغرب التي تتكلف نيابة عن هذه الأخيرة باقتناء البرامج الأجنبية غير العربية. و تستفيد “صورياد فرنسا” من عمولة قدرها %31 من مبلغ المشتريات التي تقوم بها دون احتساب الضرائب. و بلغ مجموع هذه العمولات ما بين سنتي 2003 و 2007 أزيد من 32 مليون درهم.

و تخضع العلاقة بين الشركتين لشروط العقد المبرم بينهما بتاريخ سنة 1994 وتم تغيير بعض بنوده سنتي 1996 و2006 وقد تم من خلال التغيير الأخير الاتفاق على تحديد قيمة العمولة في مبلغ سنوي لا يجب أن يقل على 450ألف “أورو” وإلا دفع الباقي.
و رغم الغموض الذي يلف الحاجة إلى تأسيس شركة كطرف وسيط بتكاليف مالية عالية إضافية، فالامتياز الذي تم منحه للشركة الفرنسية، حسب قضاة المجلس الأعلى للحسابات، غير مبرر كما يؤكد الغموض الذي يميز العلاقة بين الشركتين، إضافة إلى أن تحديد المبلغ السنوي للعمولة، كيف ما كان مبلغ المشتريات من البرامج الأجنبية، لا يساعد على تحسين أداء “صورياد فرنسا” كما أنه يعمق من الأزمة المالية التي تعاني منها القناة الثانية.

إن مشتريات “صورياد فرنسا” من البرامج لا يراعي الاحتياجات الحقيقية للقناة الثانية، حسب تقرير المجلس، و لا يأخذ بعين الاعتبار المخزون المتوفر من البرامج. ولقد بلغ مخزون البرامج للقناة بتاريخ 2007 / 12 / 31، حسب نفس المصدر، أزيد من 30 مليون درهم. و من ناحية أخرى، قامت القناة بشراء برامج لم يتم عرضها حتى انتهت فترة حقوق بثها.

إضافة إلى ما سبق، فإن مخزون البرامج التي اقتنتها “صورياد فرنسا” يتضمن برامج لا يمكن بثها على القناة إما لأسباب تقنية أو لعدم ملائمتها للخط التحريري للقناة. علاوة على ذلك، فقد لوحظ أن العديد من عقود اقتناء البرامج التي قامت بها “صورياد فرنسا” والمحررة أصلا بالدولار (10برامج عن الفترة ما بين 2004 و2005)تمت فوترتها لصورياد المغرب بالأورو باعتبار نسبة الصرف 1دولار=1 أورو، الشيء الذي نتج عنه زيادة غير مبررة في عمولة الشركة الفرنسية بقيمة 1,3 مليون درهم. وقد أوصى المجلس على هذا المستوى بإعادة النظر في العلاقة بين الشركتين أجل الرفع من مردودية اقتناء البرامج الأجنبية،وتعميم نهج الاقتناء المباشر المعمول به في إطار البرامج العربية واحترام المساطر الخاصة باقتناء البرامج الأجنبية و خاصة منها التأكيد المسبق للطلبات.

اللجوء المفرط و غير المبرر للخدمات الخارجية

سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 أن تحليل مجموع تكاليف القناة يوضح لجوءها المفرط للخدمات الخارجية سواء من موردين محليين أو أجانب وذلك في ميادين متعددة (الإستراتيجية، المحاسبة، تسيير الممتلكات، تسير الموظفين، شهادة الجودة…) و يتضح، حسب التقرير، أن التكاليف المتعلقة بالخدمات الخارجية تزايدت ما بين سنتي 2003 و 2007 بأكثر من 30 مرة لتصل إلى أكثر من 23,6 مليون درهم سنة 2007 . و قد عرف عدد مهم من العقود المبرمة مع موردين خارجيين تغييرات يهدف أغلبها إلى تمديد العقود الأصلية أو تغيير الشروط المنصوص عليها، خاصة في ما يتعلق بالالتزام وبالآجال وبالأثمان. ويعكس هذا الوضع غياب دراسات قبلية وتوقعات موثوق بها قبل إمضاء أي عقد.

إن مجموع التكاليف التي تحملتها القناة في إطار مشروع شهادة الجودة الذي لم ير النور بعد، حسب التقرير، وصل إلى أكثر من 13 مليون درهم، دون احتساب تكاليف المستخدمين بالقناة و التكاليف غير المباشرة المتعلقة بالمشروع، وبناء عليه أوصى المجلس الأعلى في تقريره شركة صورياد بالحد من اللجوء إلى الموردين الخارجيين إلا في الحالات الضرورية، باستثناء ما تعلق بالإنتاج وتطوير الخبرات الداخلية، خصوصا وأن القناة تتوفر على كفاءات عالية ومتنوعة وكذا احترام مبدأ المنافسة الحرة فيما يخص الخدمات الخارجية خاصة و كل المشتريات بصفة عامة.

تحديد المدير العام السابق ل30 مليون سنتيم كراتب شهري

لاحظ المجلس الأعلى للحسابات أن المدير العام السابق (شتنبر 2003 إلى يونيو 2008) قام بنفسه ودون اللجوء إلى المجلس الإداري، كما ينص على ذلك القانون المتعلق بشركات المساهمة، بتحديد راتبه الشهري، حيث أن هذا الراتب جاء مطابقا لما كان عليه الحال مع سلفه مع أخذ الأقدمية داخل الشركة بعين الاعتبار. وتجدر الإشارة إلى أن سلفه، سلك نفس الطريقة في تحديد راتبه.

و قد بلغت الرواتب الشهرية و المزايا التي حصل عليها المدير العام السابق، دون أي ترخيص مسبق للمجلس الإداري، ما يناهز مبلغ 17 مليون درهم، أي بمتوسط شهري قدره 300ألف درهم، وهو ما يعتبر مبالغا فيه بالنظر إلى الطابع العمومي للقناة وإلى وضعيتها المالية الهشة. وقد أوصى المجلس تبعا لذلك باحترام مقتضيات القانون المتعلق بشركات المساهمة، المادة 67، و مقتضيات النظام الأساسي للشركة، المادة 15، و المتعلقة بكيفية تحديد رواتب المسيرين للشركة ويراعى في ذلك الوضعية المالية للقناة.

وفي ما يخص وضعية الأجور بالقناة عموما قال مجلس الميداوي، إن تحديد رواتب المستخدمين يتم في غياب شبكة الأجور المقررة وفق نظام محدد. ولا زالت هذه الوضعية مستمرة رغم توصية المجلس الإداري المنعقد بتاريخ 14 فبراير 2006 والذي دعا فيها المدير العام إلى اقتراح شبكة لرواتب المستخدمين؛ كما أن تحليل شبكة الرواتب الممنوحة بتاريخ 31 دجنبر 2007 يؤكد تقرير المجلس، يبين بجلاء الفوارق بين الرواتب على مستوى نفس الوظيفة، حيث قد يتجاوز الراتب الأقصى ثلاثة أضعاف الراتب الأدنى.

تجاوزات تنفيذ مشروع أستوديو 1200

ضمن اختلالات الحكامة قال تقرير المجلس الأعلى للحسابات إنه تم الشروع في بناء أستوديو 1200 بدون إخبار مسبق للمجلس الإداري وفي ظل غياب لأية دراسة جدوى. و أكد التقري أن تنفيذ هذا المشروع عرف تجاوزات مهمة للتقديرات الأولية و تسيير غير عقلاني للصفقات و لسندات الطلب. كما أنه لم يتم استغلال هذا الأستوديو بالشكل الأمثل.

و بتاريخ 14 يونيو 2006، أوصى رئيس المجلس الإداري إدارة القناة بوضع مشروع خطة للمشروع و أن يتم تقديمه في الاجتماع القادم للمجلس الإداري، و جاءت هذه التوصية في وقت كانت فيه الأشغال قد انطلقت منذ مدة. و قد انطلق انجاز المشروع في غياب تقييم مسبق وواضح للتكلفة ودون تحديد للخاصيات التقنية للمشروع و لحجم الخدمات المطلوبة. و يشار، حسب نفس المصدر، إلى أن خطة العمل لسنة 2005 حددت الميزانية الأولية لانجاز المشروع في 35 مليون درهم، وبعد سنة من ذلك أضافت خطة العمل لسنة 2006 مبلغ 45 مليون درهم مما رفع ميزانية الأستوديو إلى 80 مليون درهم بزيادة وصلت إلى %129.

وبلغت تكلفة المشروع الفعلية أكثر من 135 مليون درهم، أي بتجاوز % 69 لتقديرات سنة 2006 و أكثر من %286للتقديرات الأولية لسنة 2005.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *