وجهة نظر

الديمقراطية مبادئ مدروسة وممارسات ملموسة

إلى ولدي محسن وكل التلميذات و التلاميذ الأعزاء الذين يستعدون لاجتياز اختباراتهم المدرسية ، مع أزكى التحيات و أطيب الأمنيات !

أضحت الديمقراطية مطلبا أساسيا و ملحا ، من قبل جل الفاعلين و المعنيين بالشأن السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي في الوطن العربي ، منذ الثمانينيات من القرن العشرين لما لها من وظيفة في توفير شروط الاستقرار و التنمية و التقدم . فما هو حال الديمقراطية في بلداننا العربية ؟ و ما العمل كي تصبح أداة فاعلة في رقي مجتمعاتنا ؟

ما من شك في أن الديمقراطية تعتبر نظاما سياسيا يرنو إلى أن يكون وسيلة هامة في بلورة أحلام الأفراد و المجتمعات بالعيش الرغد، و تحقيق تطلعاتها إلى قيم العدل و الحرية و الكرامة الإنسانية ، بفضل ما تتميز به من آليات و إجراءات كفيلة بضمان خطوة مفصلية نحو تنظيم عملية التدبير السياسي السلس ، من قبيل وجود هيئات سياسية وطنية تتنافس حول برامج مجتمعية مدنية أثناء الاستحقاقات الدورية البرلمانية و الجهوية الحرة و النزيهة و الفصل بين السلطات ، و ربط المسؤولية بالمحاسبة ..

و على الرغم من أن المطالبة بالديمقراطية أصبحت ظاهرة منتشرة بقوة في كل الأقطار لعربية في العقود الثلاثة الأخيرة ، إلا أن جل المطالبين بها ، إنما يصدرون عن رغبات آنية و دوافع مصلحية ضيقة ، خوفا من أن تنتقل السلطة إلى خصوم سياسيين ، و ليس إيمانا بأهميتها و يقينا بأولويتها الحاسمة في الازدهار و النهضة الشاملة .

لذلك يفترض أن تُبذل جهودٌ حثيثة من أجل ترسيخ التقاليد الديمقراطية في وعي الأفراد ، عبر البرامج المدرسية الهادفة إلى بناء مُواطن الغد ، و البرامج الإعلامية الراقية ، فضلا عن ضرورة توظيف كل المواقع و الوسائل التكنولوجية عالية الجودة و شبكات التواصل الاجتماعي ، لنشر الثقافة الديمقراطية الحديثة ، المستندة إلى مبادئ احترام حقوق الإنسان و المواثيق و الأعراف الدولية ، من قبيل الحق في التعبير و التنقل و التجمع و الانتماء إلى الجمعيات و الحق في العدل و الحرية و المساواة .. و ما أحوجنا إلى مثل هذه القيم الإنسانية الرفيعة التي تستحق الدفاعَ عنها و التضحيةَ من أجل اكتسابها و ترسيخها في ضمائرنا وعينا الجماعي ، خاصة في ظل الأحداث العصيبة التي تمر بها جل الأقطار العالمية و العربية على وجه التحديد .

بيد أن الأمر لا يجب أن يقتصر على الوعي بالأسس الديمقراطية و أهدافها السامية ، بل نحن مطالبون اليوم و أكثر من أي وقت مضى بترجمة المضامين الديمقراطية و أجرأتها و استنباتها في أرض الواقع ، داخل مؤسساتنا التعليمية بمختلف أسلاكها الابتدائية و الثانوية و الجامعية ، من خلال اجتراح سلوك مدني يؤمن بالتعددية و الاختلاف و التسامح ، و في كل المرافق الاجتماعية ، و في الفضاء العام و المؤسسات الاقتصادية و المركبات الرياضية و الفنية و كل أسواقنا الكبيرة و الصغيرة في القرى و المدن .. فالديمقراطية مبادئ رفيعة و ممارسات حضارية راجحة .

و بناء على ما سبق نخلص إلى أن الديمقراطية بقدر ما أنها نسق سياسي وازن حافل بالآليات و الإجراءات و المفاهيم المحورية ، بقدر ما أنها سلوك يومي يمشي في الأسواق و يتجول في مختلف حياتنا الإعلامية و التعليمية و الثقافية و الاجتماعية ، من أجل مستقبل واعد و غد يشرق سلاما و تقدما و ازدهارا !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *