وجهة نظر

النفط العربي في زمن كورونا

نقدر عاليا إخواننا في الخليج العربي ، و نعتز بهم و ندافع عنهم في السراء و الضراء ، و نحلم أن نجتمع على كلمة سواء ؛ كلمة الوحدة و التضامن و المصير المشترك .. إلا أن قلة من المحسوبين على الإعلام في السعودية و الإمارات ، و الإعلام بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف لم يفهموا أنهم لا يفهمون ، و لم يدركوا أن التزامنا الصمت إزاء إساءاتهم لنا في مناسبات كثيرة لا يعني ضعفا أو هوانا ، بل احتراما للعلاقة التاريخية و الدينية و اللغوية التي تجمعنا ، و أملا في أن يعود بعض المتطفلين على عالم السياسة و الصحافة إلى رشدهم ، لذلك فضلت أن يكون جوابي في هذا السياق على “الإعلامي” السعودي فهيد الشمري ، الذي خرج يسب و يشتم و يصف أسياده المغاربة بكل ما جادت به “قريحته البلهاء” ، بقصيدة للشاعر العربي الأصيل خالد الذكر نزار قباني ، الذي كان على وعي منقطع النظير منذ القدم ، بأن النفط لن يزيد بعض الأعراب إلا كفرا و نفاقا ، و تخلفا و جهلا و ضياعا و خسرانا مبينا .. رحمة الله عليك يا نزار ، و أسكنك فسيح الجنان ..

كان بودي أن ألقي على هذا الإنجاز الشعري بالغ الروعة ، ضوءا من التحليل و الدراسة و الاستكناه الجمالي و الدلالي ، لكنني فضلت أن أتركها مجردة من أي قراءة ، فهي النور و البهاء و الضياء ، تكشف بصوغ إيحائي مبهر ، و تخاطب من يعتقد أن امتلاك الكون في امتلاك النفط ! و واقع الحال أن هذا الأخير إلى زوال إن عاجلا أو آجلا ، ” و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ” ! و المؤلم أن بعض عرب النفط ، لا أعمم ، كانت لديهم فرصة تاريخية استثنائية لبناء الأوطان و إقامة الأنظمة السياسية الرشيدة ، و بلورة تنمية شاملة اقتصاديا و عسكريا ، و اجتماعيا و تربويا و ثقافيا و فنيا ، لكنهم أخلفوا و بغباء مواعيدهم مع التاريخ ، فظلوا كما بدؤوا ، و كأن التحولات المعرفية الكونية لم تحدث أي تأثير موجب في “عقولهم” ، و ممارساتهم الحياتية المخجلة !

الحب و البترول ! (نزار قباني: 1923 / 1998)

متى تفهم ؟
متى يا سيدي تفهم ؟
بأني لست واحدةً كغيري من صديقاتك
ولا فتحاً نسائياً يضاف إلى فتوحاتك
ولا رقماً من الأرقام يعبر في سجلاتك ؟
متى تفهم ؟
متى تفهم ؟
أيا جملاً من الصحراء لم يلجم
ويا من يأكل الجدري منك الوجه والمعصم
بأني لن أكون هنا.. رماداً في سجاراتك
ورأساً بين آلاف الرؤوس على مخداتك
وتمثالاً تزيد عليه في حمى مزاداتك
ونهداً فوق مرمره.. تسجل شكل بصماتك
متى تفهم ؟
متى تفهم ؟
بأنك لن تخدرني.. بجاهك أو إماراتك
ولن تتملك الدنيا.. بنفطك وامتيازاتك
وبالبترول يعبق من عباءاتك
وبالعربات تطرحها على قدمي عشيقاتك
بلا عددٍ.. فأين ظهور ناقاتك
وأين الوشم فوق يديك.. أين ثقوب خيماتك
أيا متشقق القدمين.. يا عبد انفعالاتك
ويا من صارت الزوجات بعضاً من هواياتك
تكدسهن بالعشرات فوق فراش لذاتك
تحنطهن كالحشرات في جدران صالاتك
متى تفهم ؟
متى يا أيها المتخم ؟
متى تفهم ؟
بأني لست من تهتم
بنارك أو بجناتك
وأن كرامتي أكرم..
من الذهب المكدس بين راحاتك
وأن مناخ أفكاري غريبٌ عن مناخاتك
أيا من فرخ الإقطاع في ذرات ذراتك
ويا من تخجل الصحراء حتى من مناداتك
متى تفهم ؟
تمرغ يا أمير النفط.. فوق وحول لذاتك
كممسحةٍ.. تمرغ في ضلالاتك
لك البترول.. فاعصره على قدمي خليلاتك
كهوف الليل في باريس.. قد قتلت مروءاتك
على أقدام مومسةٍ هناك.. دفنت ثاراتك
فبعت القدس.. بعت الله.. بعت رماد أمواتك
كأن حراب إسرائيل لم تجهض شقيقاتك
ولم تهدم منازلنا.. ولم تحرق مصاحفنا
ولا راياتها ارتفعت على أشلاء راياتك
كأن جميع من صلبوا..
على الأشجار.. في يافا.. وفي حيفا..
وبئر السبع.. ليسوا من سلالاتك
تغوص القدس في دمها..
وأنت صريع شهواتك
تنام.. كأنما المأساة ليست بعض مأساتك
متى تفهم ؟
متى يستيقظ الإنسان في ذاتك ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *