منتدى العمق

مكر الرئيس جمال عبد الناصر.. قراءة تداولية في خطاب إعلان التنحي

1. من هو جمال عبد الناصر؟.

ضابط وسياسي مصري، وزعيم القومية العربية في العصر الحديث. تولى رئاسة البلاد باعتباره قائد الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة 23 يوليو/تموز 1952 التي أطاحت بالملك فاروق وأنهت العهد الملكي في مصر.

المولد والنشأة: ولد جمال عبد الناصر يوم 15 يناير/كانون الثاني 1918، في حي باكوس بالإسكندرية، لأسرة من عامة الشعب تعود جذورها إلى بلدة بني مر بمحافظة أسيوط.

الدراسة والتكوين: نشأ عبد الناصر وتعلم في الإسكندرية والقاهرة، والتحق بالكلية الحربية عام 1937، وشهدت سنوات دراسته المبكرة علاقة تنافر ومواجهة مع مدرسيه البريطانيين.

الوظائف والمسؤوليات: تخرج جمال عبد الناصر ضابطا في عام 1938 وعيّن في سلاح المشاة في أسيوط والإسكندرية، وعمل في السودان قبل تعيينه مدرسا في كلية الأركان.

التوجه الفكري: آمن عبد الناصر بالقومية العربية وعمل على ترويج مبادئ الوحدة العربية، من زاوية نظره.

وصفت فترة حكمه بكونها فترة من الإنجازات على الصعيد الداخلي، في حين جمعت سياساته على الصعيد الخارجي بين النجاح والإخفاق.[1]

فعلى الصعيد الداخلي، أول ما يحسب له تأميمه لقناة السويس عام 1956، وذلك بعد انسحاب كل من البنك الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا من تمويل بناء السد العالي، وهو القرار الذي أدى إلى قيام إسرائيل وفرنسا وبريطانيا بعدوانها الثلاثي على مصر في ذلك العام، وانتهى بنصر سياسي كبير لعبد الناصر. ويحسب له كذلك التحولات التي أدخلها في إطار سياسة الإصلاح الزراعي، والتي عادت بالنفع على الفلاحين المصريين بشكل عام.

وعلى الصعيد الخارجي فإضافة إلى انتصاره السياسي خلال العدوان الثلاثي، ومساندته ودعمه الكبير للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، تمكن عبد الناصر من تحقيق الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، لكنها ما لبثت أن انفرط عقدها عام 1961.[2]

وفي 1965 قبيل الحرب بسنتين نظم عبد الناصر لقاء تخطيطيا لمواجهة إسرائيل وحدد المكان في مدينة الدار البيضاء ولكنه تعرض لنكسة كبيرة في الهزيمة الساحقة التي ألحقتها إسرائيل بكل من مصر والأردن وسوريا في حرب 6 يونيو/حزيران 1967، والتي أدت إلى سقوط شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الذي كان خاضعا للحكم المصري، والضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن، والجولان السوري.[3]

2. سياق خطاب التنحي.

جاء خطاب جمال عبد الناصر في التاسع من يونيو 1967 بعد يوم من النكسة العربية أمام العدو الإسرائيلي، وتعد النكسة الدافع الأول لهذا الخطاب ، ومعلوم أن الدول المعنية بهذه الحرب عسكريا كانت هي مصر وسوريا و الأردن ولبنان و العراق، واكتفت تسع دول عربية أخرى بالدعم من بعيد.

تعد حرب 1967 الحرب الثالثة ضمن سلسلة الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد العرب في ما سمي بالصراع العربي الإسرائيلي، و قد انتهت باستيلاء إسرائيل على كامل دولة فلسطين ومناطق من لبنان و مصر و الأردن و الشام لذلك حقيقة للعرب.

اندلعت الحرب في 5 يونيو/حزيران 1967 بهجوم إسرائيلي على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء. كان هذا الهجوم النقطة الفاصلة بين فترة ثلاثة أسابيع من التوتر المتزايد والحرب الشاملة بين إسرائيل والدول العربية. وقد أدت الحرب لمقتل 25,000 شخص في الدول العربية مقابل 800 في إسرائيل، وتدمير 70 – 80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 5% في إسرائيل، إلى جانب تفاوت مشابه في عدد الجرحى والأسرى[4] و تم تدمير ما مجموعه 388 طائرة عربية وقتل 100 طيار، أما الجيش الإسرائيلي فقد خسر 19 طائرة من بينها 13 أسقطت بواسطة المدفعية المضادة للطائرات والباقي في مواجهات جوية.

3. قراءة في خطاب التنحي

في لليلة التاسع من يونيو تم بث الخطاب على المذياع بشكل مباشر، حيث قدم لهذا الخطاب مذيع بقوله: أيها الإخوة المواطنون يا أبناء شعبنا العظيم ، يا أبناء أمتنا العربية الواحدة الباسلة الآن يتحدث إليكم جميعا الرئيس جمال عبد الناصر” هنا نلاحظ أن المذيع لم يخص بالذكر الشعب المصري فقط بل شمل الأمة العربية وكذلك الأوصاف التي أعطاها لها بأنها واحدة وباسلة … ، ثم بعده مباشرة و بلغة عربية فصحية ودون أخطاء نحوية طوال اخمس عشرين دقيقة، خاطب الرئيس جمال عبد الناصر الشعب المصري، و الشعوب العربية وفي صوته نبرة حزن _عكس خطاباته السابقة_ تدل على أنه غير راض عما وقع في الأيام تلك مثله مثل الشعوب العربية.

وكعداته في باقي خطاباته استعان عبد الناصر بالجانب العاطفي كثيرا من خلال إشارته إلى القومية العربية ودور الجميع في الدفاع عنها وأن ما وقع جاء تلقاء الدفاع عن العروبة وعن الوطن “حيث يقول: وكانت مصادر إخواننا السوريين قاطعة فى ذلك، وكانت معلوماتنا الوثيقة تؤكده، بأن هناك قصداً مبيتاً ضد سوريا. ولقد وجدنا واجباً علينا ألا نقبل ذلك ساكتين، وفضلاً عن أن ذلك، واجب الأخوة العربية، فهو أيضاً واجب الأمن الوطنى؛ فإن البادئ بسوريا سوف يثنى بمصر.” فهو خطاب عاطفي يستجلب قلوب كل مؤمن بالقومية العربية.

وأفصح عبد الناصر على أنه كان يعلم بأن إسرائيل تخطط لمصر ودول الجوار، وهذا ما أعّتبره شخصيا خطأ وقع فيه لولا تداركه الأمر في ما بعد ،لأن فيه إدانة ضمنية له باعتباره المكلف بتسيير الحرب من الجانب العربي ويتحمل سوء تخطيطه وتدبيره رغم معرفته المسبقة بالخطة الإسرائيلية قبيل أيام من الحرب حسب قوله. ولكن عبد الناصر كان ذكيا فبرر ذلك الكلام بقوله ” إن العدو الذي كنا نتوقعه من الشرق جاء من الغرب” ويقصد بذلك المساعدات المقدمة من الدول الغربية و على رأسهم الولايات المتحدة الامريكية لإسرائيل. كما يظهر ذكاء عبد الناصر في الإقناع حين أدخل فكرة المؤامرة والتواطؤ من الدول الاستعمارية كما وصفها على الدول العربية. وقد اتهم بصريح العبارة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتركيا بالتعاون مع إسرائيل. الذين زودوها بالعتاد الحربي الذي فاق كل ما تملكه الدول العربية بالأضعاف.

وفي خضم هذا الكلام أشاد عبد الناصر بالدول التي ساندته في هذه الحرب وذلك بطريقة متفاوتة في الإشادة وهي إن دلت فإنها تدل على تفاوت المساعدات المقدمة من تلك الدول ،فقد وصف جهود الشعب الجزائري وحكومته بالعظيمة و الشريفة وقتال الجيش السوري و العراقي بالبطولي، في حين مر وبسرعة على ست دول وهي السودان والكويت واليمن ولبنان وتونس والمغرب بعجالة واكتفى بوصفها دولا اتخذت مواقف مشرفة، في حين أنه لم يذكر جهود المملكة العربية السعودية مع العلم أنها قدمت مساعدات مالية ولوجيستية مهمة، هل هذا نسيان من عبد الناصر؟ أم أنه تعمد ذلك لأمر في نفسه وعدم اعترافه بما قدمته هذه الدولة؟ ربما يدل ذلك على العلاقة المضطربة بين عبد الناصر والسعودية خصوصا وأن المتصفح في التاريخ سيعرف أن عبد الناصر كان في خلاف مع المملكة العربية السعودية.

و يخرج عبد الناصر باستنتاج و مهمتين أساسيتين على الأمة العربية القيام بها ، المهمة الأولى هي إزالة أثر العدوان ثم الاتحاد ضد الأعداء ، المهمة الثانية هي الاستفادة من درس النكسة و القضاء على الاستعمار في العالم العربي وجعل العروبة على رأس القضايا الوطنية للدول.

في الأخير يصل عبد الناصر إلى النقطة الأهم في هذا الخطاب و هي التي سمي بها، ألا وهي إعلانه التنحي، فقبل أن يعلن تنحيه طرح سؤال حول من يتحمل المسؤولية، وفي الحقيقة إن الجميع آن ذاك كان يتسائل نفس السؤال. يقول جمال عبد الناصر : نصل الآن إلى نقطة هامة فى هذه المكاشفة بسؤال أنفسنا: هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسئولية فى تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم بصدق – وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة – فإننى على استعداد لتحمل المسؤولية كلها، ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر.

هنا أكاد أجزم أن جميع من استمع لخطاب عبد الناصر قد تأثر به ، لماذا؟ الجواب واضح وهو أن عبد الناصر تكلم بعاطفة تكاد تشبه الحقيقة، بالإضافة إلى أنه أول حاكم عربي لربما يعلن تحمل مسؤولية فشل ما ،وليس هذا فقط بل ويعلن التنحي عن الحكم والسياسة ويصبح مواطنا عاديا ، هل يستطيع عبد الناصر أن يفعل ذلك؟ معلوم أن عبد الناصر ترعرع في المدرسة العسكرية و اشتغل بالجيش حتى بلغ كرسي الرئاسة ، فكيف له أن يتخلى بهذه السهولة عن منصبه ؟ في الحقيقة إني أرى أن هذه حيلة أخرى من حيل جمال عبد الناصر للتأثير في الشعب المصري و الأمة العربية. خصوصا لما ختم خطابه بقوله : “إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأية أنانيات أو مشاعر فردية. إن قلبى كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى، وليكن الله معنا جميعاً؛ أملاً فى قلوبنا وضياءً وهدى.”إنها لقمة الذكاء من عبد الناصر أن يضع هذه الكلمات الرقيقة بعد أن أعلن تنحيه على هذه الشاكلة المؤثرة و العاطفية تجلب قلوب كل من سمعها.

4. تحليل حجاجية خطاب جمال عبد الناصر.

1.4 السلم الحجاجي.

جمال عبد الناصر لم يتكلم عبثا بل إنه يبدو عليه دارس لأساليب التأثير والإقناع، وخطابه الذي وضعناه قيد دراستنا دليل على ما قلناه، فإنه قد بناه بواسطة سلم حجاجي متناسق منتقلا من حجة أقل تأثيرا إلى أخرى أقوى، و الحجة الأكثر تأثيرا في عالمنا العربي هي التي ترتبط بالعاطفة و الأمل و التفاؤل وهو ما ختم به عبد الناصر خطابه ، لذلك لم يتخوف أبدا من ضياع كرسي الرئاسة رغم إعلانه التنحي. وقد استعان في ذلك بعدة أدوات لغوية كالتفسير والوصف والتوكيد والاستفهام وغيرها من الأدوات.

لغويا فإن جمال عبد الناصر استعمل لغة عربية مفهومة لدى جميع العرب، وهذا أمر ساعده على أن يصل فهم خطابه إلى أبعد مدى، وقد اعتمد أسلوب الحكي أثناء حديثه عما وقع أثناء الحرب ولهذا الحكي وظيفة تفسيرية لأنه يفسر للمتلقي ما وقع وكيف وقع. كما أنه وصف في خضم حديثه جهود الجيوش المشاركة في الحرب ووظف أيضا أسلوب التوكيد في غير ما مرة في خطابه هذا فمرة جاء ليؤكد على أهمية الاتحاد ضد العدو ومرة يأكد على أنه كان يعلم بما يخططه له ..وغيرها المناسبات. و الاستفهام حول من يتحمل المسؤولية ، و التعليل عن القرارات المتخذة ، وأسلوب النفي في قوله إن الأمة العربية ليست هي جمال عبد الناصر، وكذلك أسلوب الطلب في قوله ساعدوني على هذا القرار، فإن كان الأمر له بعد استعلائي فإن الطلب عكس ذلك، لأن عبد الناصر يشرك شعبه في قرار ويخبرهم به قبل أن يتخذه ،كي يلعب لهم على الوثر النفسي ؛ إذ أن الشعوب العربية عرفت القمع ولم تعهد تشاور الحكام في الآراء التي يتخذونها وإنما عرفت التحكم و اتباع القرارات المتخذة من طرفهم. هذا الشيء عظم من مكانة عبد الناصر في نفسية وقلوب الشعب المصري والشعوب العربية. فكان بحد ذاته دهاء لا نظير له من لدن عبد الناصر.

2.4 إحصاء المفردات.

وإحصاء لبعض الكلمات الأساسية في الخطاب فجمال عبد الناصر لم يذكر طوال خطابه كلمة إسرائيل إلا مرة واحدة أثناء استنتاجه علاقة هذه الأخيرة بالدول الاستعمارية وهذا لا يعني أنه لم يشر إليها إلا في هذه الفقرة بل أشار لها مرار وإنما بتسميات مختلفة مثل “العدو ، الكيان…” أو التحدث عنها بضمير الغائب الذي فيه إشارة عدم التقدير والاعتراف بإسرائيل. ووضعها في مكانها الذي تستحق. في حين ذكرت الكلمات التي تشير إلى القومية العربية 17 مرة خلال الخطاب ( القومية العربية ، المصالح العربية ، الذاتية العربية…) وهذا اعتزاز من عبد الناصر بها إذ أن الرابط المشترك بين البلدان المشاركة والداعمة في الحرب ضد إسرائيل بعد الدين هي اللغة العربية. وفي رأيي إن عبد الناصر استغل هذه النقطة بالذات وجعلها تصب في مشروعه الشخصي من أجل البقاء على الكرسي.

كما أن عبد الناصر كرر ذكر الاتحاد السوفياتي بألفاظ مختلفة (قام أصدقاؤنا في الاتحاد السوفياتي ، طلب مني السفير السوفياتي، الحكومة السوفياتية ، القرار السوفياتي) وهذا يحيلنا على انتماء جمال عبد الناصر لأحد قطبي الحرب الباردة و هو الاتحاد السوفياتي الذي كان له دور في مساعدة عبد الناصر أثناء حرب العدوان الثلاثي ، الشيء الذي يبرر مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية _أحد طرفي الحرب الباردة_ لإسرائيل ضد جمال عبد الناصر باعتباره يمثل عدو أمريكا و هم السوفيات.

3.4 الضمائر.

الشيء المثير للانتباه هو أنه استعمل طوال ثمانية عشر دقيقة، من أصل خمس وعشرين دقيقة، من خطابه الضمائر التي تعود على جمع المتكلم “نحن ، تعودنا ، مؤمنين، نستطيع جميعا…” فيه دلالة على أن الجميع يتحمل مسؤولية هذه الخسارة، وإشارة منه على أنه فرد من هذه الأمة. إلا أنه استعمل ضمير المتكلم المفرد في مرتين مرة أثناء كلامه عن دوره في الحرب حينما قال: ولقد أدركت أن تطور المعركة المسلحة قد لا يكون مواتياً لنا، وحاولت مع غيرى أن نستخدم كل مصادر القوة العربية ، وقد استعمل ضمير المتلكم المفرد هنا كي يبين للناس أنه كان فاعلا في الحرب رغم الخسارة وأنه لولا ذكائه لكانت الخسائر أكثر مم ذلك. وأما المرة الثانية التي استعمل فيها ضمير المتكلم المفرد فقد جائت في سياق إعلانه التنحي حينما قال : لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً..هذا السياق يستوجب عليه استعمال هذا الضمير باعتباره يتحدث عن ذاته كشخص.

4.4 الجانب البلاغي.

استعمل عبد الناصر في خطابه عدة صور بيانية من قبيل ذلك توظيفه عدة استعارات كقوله: تعودنا في الساعات الحلوة وفى الساعات المرة وهي استعارة مكنية لحذف المستعار منه وهو الطعام الذي يتميز بهتين الصفتين، وفي قوله في الخامس من يونيو…جاءت ضربت العدو هي كذلك استعارة مكنية لحذف المستعار منه وهو كل شيء يذهب ويجيء قد يكون إنسانا ،وكذلك قوله الغطاء الجوى فوق “قواتنا” لم يكن كافياً فشبه الطارات التي تحمي المشات بالغطاء الجوي وهي استعارة تصريحية صرح فيها بالمستعار منه وهو الغطاء. وقوله :الأمر الآن يقتضى كلمة موحدة تسمع من الأمة العربية كلها به أيضا استعارة مكنية إذ أنه ألفق صفة السمع الخاصة بالإنسان للكلمة الموحدة وحذف المستعار منه. واستعمل المجاز المرسل في قوله قلبي ينزف دما إنما المقصود هو حزنه لما وقع في النكسة. وغيرها من الصور البلاغية التي يسعنا المجال لذكرها كلها.

5. الشارع العربي بعد الخطاب.

لقد سحر عبد الناصر كل من سمع له بخطابه المؤثر وجعل أفئدة الناس تميل إليه أكثر مما كانت عليه حتى أن العرب لم يتفقوا على شيء في ذلك الوقت أكثر مما اتفقوا على عبد الناصر ، فخرج جل الناس_ إلى القلة القليلة_ في الشوارع و الساحات المصرية يطالبون بعودة جمال عبد الناصر إلى كرسي الرئاسة وهو الذي وصف قراره بالنهائي فهل حقا سيعود إلى منصبه؟ في الحقيقة إن جمال عبد الناصر لم يكن ينوي التخلي عن الرئاسة وإنما أراد فقط أن يكسب تأييدا كبيرا من الشعب المصري و الأمة ، إذ أن عبد الناصر قبل 1967 قان رئيسا مؤقتا لمصر باعتباره قائد الضباط ومنفد الثورة على الملك فاروق ، إلا أنه بعد خروج الناس للشارع مرددين اسمه عاد للرئاسة ونال منصف رئيس الوزراء لأول مرة في مصر عن أغلبية ساحقة.

6. خلاصة

إن الخطاب عموما بجميع أنواعه والخطاب السياسي خصوصا له تأثير بالغ على متلقيه من خلال تبنيه عدة أساليب إقناعية وحجاجية تخاطب الجانبان العقلي و العاطفي، لذلك لا يمكن أن يفهم في ظاهره فقط فقد يحمل بين طياته العديدة من النصوص الخفية التي تتطلب التحليل و التأويل ، وخطاب التنحي لجمال عبد الناصر خير مثال على ذلك، إذ انه رغم خسارته الحرب ضد إسرائيل استطاع بخطابه هذا أن ينال رضى الناس ويحصل مالم يحصل عليه قبل الحرب

[1] جمال عبد الناصر، الموقع الرسمي لقناة الجزيرة 20 دجنير 2014 نسخة محفوظة بتاريخ 24 نونبر 2019.

[2] المرجع نفسه.

[3] عبد الفتاح، عصام (2012). الزعيم، من أيام الانتصار .. إلى سنوات الانكسار. كنوز للنشر والتوزيع. صفحات 46…57 بتصرف

.[4] كتاب حدث في مثل هذا اليوم، المجلد الثاني، إعداد فادي سعيد فرحات، دار الفكر- بيروت – لبنان 2018. ص115

منتن خطاب التنحي : https://www.youm7.com/story/2008/6/9/%D9%86%D8%B5-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86/26427

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *