وجهة نظر

نظرة حول الرسوم المقررة على الإشهار بالملك العمومي الطرقي

تتميز البنية العقارية في المغرب بالتنوع في طبيعتها والازدواجية في هياكلها، فهي تعرف ثنائية في نظامها العقاري، يمكن التمييز خلاله بين عقارات محفظة وعقارات غير محفظة، وتنوعا في الأشكال والتقسيمات تتعايش في عدة أنماط بعضها مستمد من الشريعة الإسلامية كأراضي الأحباس وأخرى تستند على الأعراف والتقاليد كالأراضي الجماعية وأراضي الجيش المعبر عنها في تاريخ المغرب بأراضي الكيش، والبعض الأخر تدخل المشرع لتنظيمها بشكل مباشر.

نجد في هذا السياق ظهير فاتح يوليوز 1914 المنظم للأملاك العمومة، الذي يمكن اعتباره النص المرجعي المتعلق بالأملاك العمومية. والذي عمل على وضع تعداد لأملاك التي تدخل في عداد الأملاك العمومي بنصه على:

” تدخل في عداد الأملاك العمومية الأملاك الآتية :
{…} الطرق والأزقة والسبل والسكك الحديدية الخارجية والكهربائية والجسور وعلى العموم طرق المواصلات أيا كان نوعها التي يستخدمها العموم…”
ولما كان الملك العمومي الطرقي مخصص للاستعمال الجماعي تحقيقا للمصلحة العامة، تطلب استغلاله بشكل منفرد بداية الحصول على رخصة الاستغلال، إلى جانب أداء إتاوة على شكل رسوم خاصة فيما يرتبط بالإشهار فوقه.

من هنا تتجلى أهمية فرض هذه الرسوم، من خلال العمل على تنظيمه ومحاولة تلافي العشوائية المعروفة بها معظم إستغلالات الأملاك العمومية بصفة عامة، إلى جانب اعتبارها مورد من شأنه المساهمة في تحسين جودة الطرق والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية…

لكن لمحاولة تأطير الموضوع سنحاول البحث عن ماهية الإطار المؤسس لهذا النوع من الرسوم، إلى جانب البحث عن مختلف الإتاوات التي تفرض في هذا السياق؟
الإجابة عن هذا التساؤل تدعونا إلى التركيز عن نقطتين أساسيتين، تتمثل الأولى في السياق القانوني للرسم المفروض على الإشهار بالملك العمومي الطرقي (أولا)، ثم في نقطة ثانية سنقف على مختلف الإتاوات المفروضة حتى نأخذ نظرة لو بإيجاز ( ثانيا).

أولا: الإطار المؤسس للإشهار فوق الملك العمومي الطرقي

إن إقدام الإدارة على منح تراخيص مؤقتة بشغل الملك العمومي الطرقي لأغراض تحدد في الطلب، تكون في غالب الأعم بموجب قرارات إدارية، تمنح لدوي الشأن لمدة محددة قابلة للإلغاء في أي وقت بدواعي المصلحة العامة وفق ما ينظمه القانون. وبالتالي كل تجاوز لهذه النقطة يكون القضاء الإداري هو المفصل.

وكما هو معلوم فإن منح هذه الرخصة للاستغلال الفردي يتطلب إطار قانوني منظم حتى لا يعترض الأفراد على ذلك.

وبالعودة إلى النقطة المرتبطة بالإشهار بالملك العمومي الطرقي نجد أساسه القانوني يعود إلى المادة 17 من القانون المالي لسنة 1996-1997 بإحداث رسم سنوي على الإشهار بوضع ملصقات على جوانب طرق المواصلات الطرقية التابعة للدولة، وقد أسندت مهمة معاينة المخالفات لأحكام هذه المادة للمأمورون المحلفون المنتدبون لهذا الغرض والتابعون لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، وإذا ثبت لهم وجود أي مخالفة، فإنهم يعدون محضر بذلك، وتقوم الإدارة بناء على ذلك:

تغطية ملصقات الإشهار؛
نزعها أو تدميرها من قبل الإدارة وعلى نفقة المخالف؛
إصدار أوامر لأداء غرامة إدارية يساوي مبلغها ثلاثة مرات المبلغ الواجب دفعه؛

لكن بالبحث أكثر على جذور فرض هذه الإتاوات نجد ظهير 6 أبريل 1938 يمنع نصب اللوحات الإشهارية على جنبات الطرق التابعة للدولة، ولمحاولة التخفيف من هذه الحدة حاول القرار الوزاري المؤرخ في 5 نونبر 1942 إحداث مناطق يمنع فيها الإشهار على طول مسافة نقل عن 500 متر من الامتداد الخارجي لطرق المواصلات التابعة للدولة لكن هذا الأخير سريعا ما تم إلغاؤه.

ليستمر حال منع نصب الإشهار فوق الملك العمومي الطرقي إلى حدود صدور المرسوم الملكي رقم 355-68 المؤرخ في 28 دجنبر 1968 المعدل لظهير 6 أبريل 1938، و الذي تم التأكيد خلاله بإمكانية الإشهار على الملك العمومي بموجب تنظيم خاص بواسطة مراسيم.

ثانيا: الإتاوة المقررة على الإشهار بالملك العمومي الطرقي

بالعودة إلى المادة 17 من القانون المالي السالف الذكر، نجده يشير إلى أن نصا تنظيميا سيقوم بتحديد شروط وضع الملصقات على جنبات الطرق، فيما نصت على إحداث رسم سنوي على الإشهار، و قد تم تحديد مبلغه كالتالي:

5000 درهم عن المتر المربع الواحد في المنطقة الواقعة خارج الدوائر الحضرية والممتدة على طول كيلومترين انطلاقا من حدودها وكذا داخل باحات الاستراحة ومحطات التزود بالوقود (منطقة أ)؛

3000 درهم عن المتر المربع الواحد في المنطقة الواقعة خارج المنطقة أ (المنطقة ب)، ويجب أن يسدد الرسم للمرة الأولى داخل أجل الثلاثين يوما يبتدئ من تاريخ الحصول على الترخيص كما يجب أن يسدد داخل أجل ثلاثين يوما التالية للتاريخ الذي يصادف تاريخ منح الترخيص المذكور؛

و قد عمل القانون المالي لسنة 1997-1998، على تعديل مبلغ الرسم المقرر للإشهار بالملك العمومي الطرقي، فحسب المادة 22 منه تم تحديد الإتاوت حسب الأتي:

المنطقة أ :
3000 درهم عن المتر المربع الواحد باحات الطرق السيارة؛
2000 درهم عن المتر المربع الواحد الطرق الوطنية؛
1500 درهم عن المتر المربع الواحد الطرق الجهوية؛
1000 درهم عن المتر المربع الواحد الطرق الإقليمية؛

المنطقة ب :
3000 درهم عن المتر المربع الواحد باحات الطرق السيارة،
1500 درهم عن المتر المربع الواحد الطرق الوطنية،
1000 درهم عن المتر المربع الواحد الطرق الجهوية،
500 درهم عن المتر المربع الواحد الطرق الإقليمية.

و للمحافظة على الطرق لتقوم بالمهام التي أحدثت من أجلها خلال السير العادي، عمل المشرع على حث المرخص له للالتزام بأداء ما بذمته عند حلول الأجل المتفق عليه، تحت طائلة فرض غرامة جزائية في ظل تأخير حسب الأتي:

10% إذا تم الأداء تلقائيا خلال الشهر الذي يلي انتهاء أجل الأداء إلى الخزينة؛
20% إذا تم الأداء تلقائيا بعد انتهاء الشهر الذي يلي انتهاء أجل الأداء إلى الخزينة؛
50% إذا تم الأداء تلقائيا بعد انتهاء السنة التي تلي انتهاء أجل الأداء إلى الخزينة؛
100% إذا تم الأداء بناء على محضر كيفما كانت مدة التأخير؛

خاتمة

في الختام يمكن التأكيد على الأهمية التي يمكن أن تقوم بها مثل هذه الإتاوات من أجل ضخ موارد مهمة على الخزينة العامة للمملكة، يمكن بموجبها المساهمة في إصلاح مختلف الأعطاب التي تعرفها الطرق العمومية بفعل ضغط الاستعمالات ، إلا أنه ما يلاحظ على أرض الواقع يخفي كل المميزات التي من المفروض أن تعرفها الإتاوات.

على اعتبار أنها غير مستغلة بالشكل المطلوب إن لم نقل تنعدم في بعض الأحيان، مما ينعكس سلبا على هذا المورد المهم بفعل ما يشهده من استغلالات غير مشروعة تلحق أضرارا به تتجلى في تشويه معالمه وتقييد حرية الاستعمال له، بل في أحيان أخرى تكون السبب في وقوع مآسي اجتماعية تأتي إما بفعل انعدام الرؤية في حالات حوادث السير أو بفعل إنجاز بعض الأعمال الغير مسموح بها. وما يزيد الوضع سوء هو عندما نلاحظ تكريس لوضعية شاذة بالنسبة لتراخيص الاحتلال المؤقت، بحيث أصبح الخواص يتصرفون في العقار المرخص لهم به كتصرف المالك في ملكه بالبيع والإرث بين الأفراد، وفي أحيان أخرى تصبح هذه التصرفات موضوع مضاربة عقارية.

* طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بجامعة ابن زهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *