وجهة نظر

“بلا عنوان”

قد يبدو من غير البديهي كتابة أو نشر مقال عن التنمية الذاتية في خضم هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العالم جراء انتشار فيروس كورونا المستجد الذي خلق حالة من الرعب والهلع في نفوس جل الأشخاص، ونسأل الله العلي القدير ان يرفع عنا هذا الضيف الغير مرغوب به عاجلا غير آجل.

إن النظر إلى هذه الجائحة بمنظور مختلف وأعمق والبحث في المزايا التي جادت بها عن الطبيعة من جهة وفي كونها فرصة للقيام بوقفة جدية مع الذات وتحقيق السلم والأمن الداخلين والتوازن النفسي من جهة أخرى.

بداية أود أن أوضح أنني عمدت أن لا أختار عنوانا لخربشتي هاته، لعدم إيماني بالأشياء الشكلية، فلا العناوين ولا الخواتم ولا القيود في الكتابات تزيدها رونقا أو تسهب في وصولها للمتلقي بشكل أفضل فالكتابة تعبير عن فكر حر لايقبل التعقيد يكفي أن يلامس القلب ويحاكي المنطق.

كما أنني لست كاتبة ولم أدرس من العلوم الأدبية إلا القليل لكنني املك روحا حرة تأبى إلا أن تكون طليقة عبر مخطوطات مفهومة تسمى نصوصا.

أما عن العزلة النفسية التي أهدانا إياها الحجر الصحي، وأيضا إجابة عن المنتقدين، أقول نحن أحلام مستغانمي…

أجل نحن أحلام مستغانمي.

قد تصادف في كثير من الأحيان من يشبهك استهزاء بشخصية من الشخصيات المعروفة و الناجحة في المجال الذي تعشقه وتحاول النجاح فيه، رغبة منه في إعجازك أو التصغير منك وتبخيس قدراتك.

ببساطة أخبره انك ذلك الشخص قبل نجاحه بسنوات أنت بداياته فأحلام في بداياتها لم تكن معروفة، كانت شخصا عاديا وحتى مستوى كتاباتها لم يكن بالدرجة التي عليها اليوم، فبالرغم من النجاح الصارخ الذي حققته أول رواية لها و هي “ذاكرة جسد” حيث أعتبرت من أشهر الروايات العربية وأكثرها مبيعا كما أنها حصلت على جائزة نجيب محفوظ لسنة 1998 وترجمت إلى لغات أجنبية مثل الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، إلا أنها لم تسلم من ألسنة المنتقدين فمنهم من اعتبرها ذات بنية اعتباطية من حيث تقسيم الفصول الستة، ومنهم من انتقدها من حيث هيمنة التيمة الرومانسية على التاريخية، وأيضا هناك من تحدث عن فقدان الرواية لرونقها بسبب وجود النقد السياسي الناعم الذي يستثني مسؤولية رجال الدين مما وصلت إليه أوضاع الدول العربية، ثم مسألة المبالغة في الزركشة اللغوية و غياب الهوامش التفسيرية وضعف الحبكة وغياب التشويق والحشو و الإطالة..، وانتقادات أخرى كثيرة، وهي التي تجاوزتها الكاتبة في رواياتها التي تلت ذاكرة جسد ففي “فوضى حواس” و”عابر سرير” اللتان تعتبران تتمة “لذاكرة جسد”ظهر تطور ملحوظ في مستوى أحلام مستغانمي وما يؤكد ذلك إعادة طبع “عابر سرير” لأكثر من عشرين مرة، ومرورا برواية “النسان” وصولا ل”لأسود يليق بك” التي اعتبر الكثير من المهتمين بالمجال الأدبي أنها ثورة أدبية وتعد من أفضل رواياتها و أشهرها، إذ تخوض فيها أحلام في صراعات النفس البشرية و أحلامها.

و بعرض هذه النبدة البسيطة و السريعة على مسار روايات الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي يتبين بشكل جلي تطور مستواها الكتابي من سنة 1993 وهي سنة نشر أول رواية لها وهي رواية ذاكرة جسد إلى 2012 وهي سنة صدور رواية الأسود يليق بك، ولا ننسى الدواوين الشعرية، وهو مايؤكد أن أي شخص يستطيع تحقيق ما وصلت له هذه الكاتبة.

صدقوني نحن أحلام و توماس أديسون الذي قال عنه أساتذته أنّه غبي لدرجة أنه لا يستطيع تعلم أي شيء، لتمر السنين ويفاجئ العالم بأسره بإنجازاته العظيمة وينير بقاعه بأهم انجاز له وهو المصباح الكهربائي.

ونحن ألبرت أينشتاين الذي واجه منذ صغره صعوبةً كبيرة في التواصل مع الناس والتعلم بالطريقة التقليدية، لكن هذا على ما يبدو لم يكن مؤشرًا على قلة ذكائه، ولم يكن عائقًا أمام نجاحه وهو ما أثبته مع الزمن باكتشافه نظرية “النسبية”، إحدى أهم أعمدة الفيزياء الحديثة، وحصوله على جائزة نوبل.

ونحن تلك التي تخلى عنها من كانت تطمح أن تكون حياتها معه مجرد بيت وعمل منزلي وأولاد لكي تفاجئ بعد ذلك بكونها المرأة الوحيدة في العالم التي حصلت على جائزة نوبل في مجالين مختلفين الفزياء والكمياء اللذان يعدان من أصعب العلوم على الإطلاق وهي ماري كلون.

ولا ننسى العقيد هارلاند ساندرز ديفيد الذي عرف في حياته إخفاقات كثيرة جدا أبرزها احتراق مطعمه بالحرب العالمية الثانية ليصبح بعد ذلك صاحب سلسلة من اكبر المطاعم في العالم و هي سلسلة KFC العالمية.

وكثيرون آخرون الذين نجحوا في الوصول إلى ما يطمحون للوصول إليه، يكفي أن يكون لنا ما كان عندهم من شجاعة وإصرار وصبر، فلا تترك أحدا يقمع إرادتك ويجعلك تفقد الثقة بنفسك، فقط كافح وأصرخ أنا ما أريد أن أكونه وليس ما تريدونني أن أسجن فيه، ولا تقبل إلا بالقمة فأنت تستحقها ولا تستسلم فقد تكون على مشارف الهدف الذي تود الوصول إليه.

أما عن الحجر الصحي فما هو إلا فرصة للوقوف مع النفس وترتيب الافكار والأولويات والعمل على تقوية المكاسب والوصول الى ما نطمح له كما أنه فرصة لتقوية الثقة في النفس.

فكم منا كان يطمح لتعلم لغة معينة أو العزف على آلة موسيقية أو قراءة كتاب وحتى القيام بأشياء ترفيهية كمشاهدة شريط تلفزيوني، لكنه كان يتحجج بعدم اتساع الوقت وبازدحام مشاغل الحياة، ها قد جاءته الفرصة المواتية إما يستغلها لتزيد في عمر مداركه شهورا أو يضيعها فيكون متأخر عن هدفه شهورا.

فكم منا عوض اغتنام الفرصة لتقوية حالته النفسية يعمد الى الضغط على نفسه و التفكير بسلبية اتجاه هذه العزلة، فيمر يومه وهو يفكر في تطور انتشار حالات هذا الوباء مما يسبب له في الزيادة من الخوف والهلع الذي لن يفيده لا هو ولا محيطه، أو يتحجج بأعذار واهية أخرى، ومنهم من يقع في براثين الإدمان الالكتروني التي تسبب في أضرار جسدية واضطرابات نفسية وعصبية خصوصا بالنسبة للأطفال والمراهقين مما قد يخلف أضرارا حتى بعد زمن الحجر الصحي.

* حاصلة على ماستر القانون المدني الإقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *