وجهة نظر

قراءة في مشروع القانون المنظم لمهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين (1/5)

قراءة في مشروع القانون رقم 45.18  المتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين

صادق مجلس الحكومة بتاريخ 28 ماي 2020 على الصيغة الجديدة لمشروع قانون رقم 45.18 يتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين، وهو النص الذي ظل مطلبا لهؤلاء المهنيين والمهنيات طيلة عقود، وتكررت التوصيات بشأنه في جل اللقاءات والدراسات التي تهم القضايا المجتمعية ومجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. يتضمن المشروع 25 مادة موزعة على ستة أبواب وهي: احكام عامة، شروط مزاولة مهنة العامل الاجتماعي، قواعد مزاولة مهنة العامل الاجتماعي، النظام التمثيلي، معاينة المخالفات – العقوبات، احكام انتقالية وختامية. إلّا أن المضامين المحددة لمجموعة من المواد (6،3، 8، 9، 12، 23) تبقى رهينة النصوص التنظيمية التي يفترض نشرها داخل اجل لا يتعدى سنة ابتداء من تاريخ نشر القانون نفسه بالجريدة الرسمية.

أتى المشروع بمجموعة من المواد التي تسعى إلى توفير جانب الحماية سواء للمهنيين المزاولين أو للأشخاص الذين يلجؤون للخدمات التي يوفرها المجال، كما حدد جملة من الخطوات التي يتم اتخاذها لمواجهة العوامل التي يمكن أن تعيق العمل الاجتماعي أو تخل بحقوق الأشخاص المرافقين. لكن هذه الجوانب الإيجابية التي تضمنها المشروع لا يجب أن تجعلنا نغفل العديد من الشوائب التي تضعف إلى حد ما البعد الحمائي والتنظيمي الذي اتى من أجله. لذا، سنحاول في قراءتنا لمشروع القانون أن نبين في نفس الوقت الجوانب التي نعتقد أنها ستنمي مجال العمل الاجتماعي المهني، والأخرى التي من شأنها أن تضعف وقعه على تحقيق الأهداف التي جاء من أجلها ويسعى إلى تكريسها. لن نقف عند مواد المشروع مادة بمادة، بل سنتناول الجوانب السالفة الذكر وفق النقاط التالية:

تعريف العمل الاجتماعي؛
تحديد مهن العمل الاجتماعي؛
تحصين المهنة وشروط مزاولتها؛
الاخلاقيات وقواعد الممارسة المهنية؛
النظام التمثيلي؛
الوضعية القانونية للممارسين الحاليين.

1 – تعريف العمل الاجتماعي

تعريف العمل الاجتماعي له أهمية كبرى لأنه هو الذي يحسم في طبيعة المجال وغاياته ويبرز مدى الادراك الذي يحمله الفاعل السياسي لمهامه وأدواره وغاياته، وبالتالي يبرز المكانة التي يحتلها ضمن باقي مكونات الفعل الاجتماعي (l’action sociale). فكل التحولات التي يعرفها السياق الوطني اليوم على المستوى المؤسساتي والتشريعي وبلورة السياسات الاجتماعية العمومية، تشكل رافعة أساسية للنهوض بمجال العمل الاجتماعي وبأساليب تدخلاته، وتطرح في الوقت ذاته ضرورة توفير الشروط الملائمة للتشغيل والتوظيف في المجال، وتحقيق المهنية المطلوبة، ومن ثمة تجويد التدخلات والممارسات التي يقوم بها العاملون والعاملات الاجتماعيات. إن هذه التحولات بالأحرى تتطلب منظورا متطورا وجديدا للعمل الاجتماعي، يؤسس للمشروعية التي ظل يبحث عنها خلال 40 سنه تقريبا (تاريخ انشاء معاهد التكوين الأولى)، ويزكي الاعتراف به كمجال علمي للبحث والتكوين، ومهنة قائمة الذات بشروطها وهويتها وقواعدها الأخلاقية.

بالمقابل، فضل مشروع القانون تعريف العاملة أو العامل الاجتماعي (المادة 2) ولم يلجأ إلى تعريف العمل الاجتماعي ذاته كمجال مهني، رغم أن القانون يتعلق أساسا بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين كما تشير إلى ذلك المادة الأولى والتي تفيد أيضا أن الغرض منه هو تحديد الشروط والقواعد التي يتم وفقها مزاولة هذه المهنة. جاء التعريف بالصيغة التالية:
“يقصد في مدلول هذا القانون بما يلي:

العامل(ة) الاجتماعي(ة): كل شخص ذاتي يقوم بصفة مهنية، بمساعدة الجماعات أو الأفراد من مختلف الفئات، الذين تتعذر عليهم المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية وذلك من أجل تيسير ادماجهم في المجتمع وضمان استقلاليتهم أو الحفاظ عليها وحفظ كرامتهم.

ويشار إليه بعده باسم العامل “الاجتماعي”.

الفرد والجماعة، نفس تعريفهما الوارد في القانون رقم 15-65 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية”.

لم يحدد التعريف ماهية وطبيعة مجال العمل الاجتماعي كما هو الحال بالنسبة للتعريف المتفق عليه دوليا والذي تمت المصادقة عليه سنة 2014 بملبورن من طرف الاتحاد الدولي للأخصائيين الاجتماعيين (IFSW) والاتحاد الدولي لمؤسسات التكوين في مجال العمل الاجتماعي (IASSW) ، حيث ينص هذا الأخير بشكل واضح على كون العمل الاجتماعي مهنة وتخصص معرفي أكاديمي قائم الذات. فإذا كانت المادة الأولى من مشروع القانون تقر بالعمل الاجتماعي مهنة قائمة الذات، مزاولتها تخضع لقواعد وشروط محددة بمقتضى القانون، فإن المادة الثانية لم تأت بنفس القدر من الوضوح ولا من القوة لتقر بأن العامل الاجتماعي مهني بالأساس، بل جاء في التعريف انه كل شخص ذاتي يقوم “بصفة مهنية” بمساعدة الجماعات والافراد من مختلف الفئات. الصيغة المستعملة قابلة للتأويل ويمكن أن تفيد ان مزاولة المهنة تحتاج فقط إلى مهارات ذاتية يمكن اكتسابها مع الوقت والتجربة، بينما التنصيص بدقة على كونه مهنة فهو يستوجب حتما تدخل السلطة الإدارية لتنظيمها وحمايتها.

وكجميع المهن، تتطلب مزاولة مهنة العمل الاجتماعي تأهيلا خاصا يعتمد على تكوين أكاديمي ملائم وكفاءات عملية مسنودة إلى جملة من المعارف النظرية والعملية والسلوكية. فما الذي نبحث عنه بالأساس من خلال هذا القانون؟ إذا كان هدفنا هو النهوض بمجال العمل الاجتماعي وتطويره وتثمينه كمجال مهني يستند إلى ضوابط معرفية وقواعد للممارسة المهنية الجيدة، في هذه الحالة لا مفر من التأكيد على الوضع القانوني للعمل الاجتماعي بوصفه مهنة تحتاج إلى تكوين أكاديمي وتأهيل معرفي.

فيما يخص أهداف التدخل الذي يقوم به العامل الاجتماعي، فقد اختزلها التعريف في جملة مقتضبة: “تيسير ادماج الأشخاص الذين تتعذر عليهم المشاركة الكاملة في المجتمع وضمان استقلاليتهم والحفاظ عليها وحفظ كرامتهم”، ولم يوضح لا الكيف ولا الأسس المرجعية على خلاف ما نجده في التعريف الدولي المشار إليه أعلاه والذي يفيد ان “العمل الاجتماعي ممارسة مهنية ومجال معرفي، ينهض بالتغيير الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، والتماسك الاجتماعي، والتمكين وتحرير الأشخاص.

مبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، والمسؤولية الاجتماعية الجماعية، واحترام التنوع توجد في صلب العمل الاجتماعي. بدعم من نظريات العمل الاجتماعي والعلوم الاجتماعية والإنسانية والمعارف الأصلية، يشجع العمل الاجتماعي الأشخاص والهياكل على مواجهة تحديات الحياة ويعمل على تحسين رفاهية الجميع”.

إن إحداث التغييرات الإيجابية في حياة الأفراد والجماعات، وتحقيق التنمية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، وتمكين وتحرير الأشخاص والرفع من قدرتهم على الفعل كغايات كبرى للعمل الاجتماعي يستند أساسا إلى ما توفره السياسات العمومية القائمة من موارد وإمكانات يتم تسخيرها في مواجهة الحواجز الهيكلية المسؤولة عن عدم المساواة والتمييز والاستغلال والاستبعاد. هذه الموارد يستثمرها العامل الاجتماعي في بلورة الحلول (المشاريع الفردية والجماعية) بمعية الأشخاص المواكبين تلبية لحاجياتهم الخاصة والمتعددة. فلا يمكن للعمل الاجتماعي ان ينتعش ويتطور إلا في ظل “دولة الرعاية الاجتماعية النشيطة” l’Etat social actif التي تجعل من تقوية الروابط الاجتماعية وتقليص الفوارق الاقتصادية والسياسية هدفا أساسيا للسياسات الاجتماعية العمومية. فالعمل الاجتماعي يلعب دور الوساطة بين حاجيات الافراد ومجمل الأجوبة المؤسساتية لتلبيتها، وبالتالي فتمة علاقة جد وطيدة بالطريقة التي يساهم بها العمل الاجتماعي كمجال مهني لضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وإعمالها من خلال السياسات العمومية المتبعة في الدولة، مع توفير مواردها البشرية والمالية.

يُتبع ..

 * عائشة خيداني، أستاذة باحثة متخصصة في مجال حقوق المرأة والطفل، مهتمة بالعمل الاجتماعي المهني.

   لها عدة مقالات علمية في المجال، وخبرة في تكوين العاملين الاجتماعيين ومزاولتها لهذه المهمة لأكثر من 15 سنة.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *