وجهة نظر

قراءة في مشروع القانون المنظم لمهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين (2/5)

قراءة في مشروع القانون رقم 45.18  المتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين

الجزء الثاني من المقال:

2 – تحديد مهن العمل الاجتماعي

حددت المادة 3 من مشروع القانون المجالات التي تمارس ضمنها مهن العمل الاجتماعي في أربع مجالات وهي: المساعدة الاجتماعية، التنشيط والتربية الاجتماعية، الدعم والمساندة الاسرية والاجتماعية، تدبير التنمية الاجتماعية، مع الإشارة إلى أن هذه المجالات قابلة للتغيير أو التتميم بنص تنظيمي. إلّا أن المادة 3 تركت تحديد المهن التي تدخل ضمن كل مجال وفروعها إلى نص تنظيمي لاحق، وهو ما لا يسمح بقراءة تفصيلية ونقدية لمحتوى المادة في الوقت الراهن، لكن هذا لا يمنعنا من ابداء بعض الملاحظات العامة انطلاقا مما نعرف عن تجارب دول أخرى والاشكالات التي واجهتها في هذا الباب، سيما فرنسا التي نميل إلى استلهام تجربتها، (وهذا خطأ في رأينا).

تجدر الإشارة إلى أن المجالات الثلاثة الأولى تشكل النواة الصلبة للعمل الاجتماعي (Michel Autès 2004)، وهي مجالات اكتسبت صفة المهنية بشكل تدريجي تماشيا مع تطور المجتمعات الأوروبية خلال القرن الماضي واستجابة لحاجياتها المتطورة. ولكل مجال من هذه المجالات سياقاته وتقاليده التاريخية وخصوصياته النظرية والعملية، وفي نفس الوقت يوجد قاسم مشترك يجمعها، يتمثل بالأساس في تقديم خدمات المساعدة والمصاحبة الاجتماعية في إطار العلاقة الخاصة التي تربط بين مهني متمرس وأشخاص أو جماعات تحتاج إلى المساعدة. لذا، تدخل مهن العمل الاجتماعي ضمن ما يسمى “بمهن علاقة المساعدة”. (Les métiers de la relation d’aide)

بالنسبة للمجال الرابع المتعلق بتدبير التنمية الاجتماعية، هناك بعض الإشكال. فهذا المجال واسع جدّا ويشمل عدة مهن تنتمي كلها للحقل الاجتماعي أو الفعل الاجتماعي (l’action sociale)، لكنها ليست حتما مهنا للعمل الاجتماعي. لذا، يتم التمييز في دول أخرى بين “المهن الاجتماعية”(les métiers du social) ومهن العمل الاجتماعي ((les métiers du travail social هذه الأخيرة جزء من الأولى وليس العكس. لقد ارتبطت مهام العمل الاجتماعي لفترة طويلة بالمساعدة التي يقدمها للأشخاص الذين يواجهون صعوبة في التكيف مع محيطهم الاجتماعي والذين كانوا يشكلون فئة مستهدفة من جملة من التدخلات المحددة والخاصة. لكن مع توالي الأزمات الاقتصادية والمالية منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي وتزايد نسبة الفقر والهشاشة والفوارق الاجتماعية حتى بالنسبة للدول المتقدمة نفسها، وظهور احتياجات جديدة مع النظرة المتطورة إلى الأشخاص المرافقين ووضعهم في سياق التعامل المهني بصفتهم أصحاب حقوق، وتطور ادوار الأسرة داخل المجتمع والعلاقات بين الأجيال، أصبح العمل الاجتماعي يتدخل بشكل أوسع ليساهم في النهوض بالتنمية الاجتماعية عموما، ويلعب دورا أساسيا في تنفيذ السياسات والبرامج الوطنية المتعلقة بمحاربة الفقر والهشاشة.

في نفس الوقت، وبفضل لامركزية الفعل الاجتماعي (l’action sociale) وإعطاء صلاحيات ومسؤوليات أوسع للمنتخبين المحليين في تسيير وتدبير الشأن المحلي وتكاثر برامج وآليات التدخل التي طورتها سياسة المدينة على الخصوص، ظهرت العديد من المهن الجديدة التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي والتدبيري من قبيل “وكيل التنمية المحلية”، “وكيل التنمية الاجتماعية” “منسق مشروع”…الخ.

هذا الوضع ساهم كثيرا في ارباك العاملين الاجتماعيين (سيما بفرنسا) الذين اعتادوا على المهن المصنفة ضمن المجالات الثلاث (الخدمة الاجتماعية، التربية الخاصة، التنشيط الاجتماعي – التربوي) ودعا البعض منهم إلى التمييز بين مهن العمل الاجتماعي ومهن الحقل الاجتماعي بشكل عام، كما عمد البعض إلى استعمال تعبير “التدخل الاجتماعي” (L’intervention sociale) بحيث يشمل كل مهن الحقل الاجتماعي، وضمنها مهن العمل الاجتماعي. اعتمدت فرنسا مؤخرا (2017) تعريفا مطولا للعمل الاجتماعي ضمنته في مدونة الفعل الاجتماعي والاسر، وحددت المهن التي تدخل في مجال العمل الاجتماعي في 14 مهنة، تتدرج من تقني إلى إطار عالي في العمل الاجتماعي، كما تم تبعا لذلك، تحديد الدبلومات والشواهد مع إعادة صياغة هندسة التكوين في المجال، بحيث تتضمن تكوينات يمكن الولوج إليها بدون باكالوريا وأخرى يشترط فيها الحصول على هذه الشهادة، وثالثة لا يمكن ولوجها إلّا بديبلومات تتجاوز مستوى البكالوريوس.

السؤال الوارد بعد هذا التقديم المطول يتعلق بنوع المهنيين الذين نحن في حاجة إليهم اليوم ببلادنا وبمجالات تخصصهم وتكوينهم. هل التوالد الكبير للمهن يخدم فعلا تطور العمل الاجتماعي كمجال مهني فتي ببلادنا ام انه على العكس من ذلك فهو يساهم في تشتته وتمويه دوره؟ هل نحن مجبرون على توسيع دائرة المهن الخاصة بالعمل الاجتماعي إلى هذا الحد؟ ما هي المهن التي يحتاجها المجتمع المغربي في الوقت الراهن أكثر من غيرها والتي في تطويرها وتثمينها إضافة فعلية في التعامل مع قضايا التنمية والرفاه لكل الأفراد والجماعات؟

هناك مهن عليها اجماع كالخدمة الاجتماعية مثلا، التي تشكل وظيفة رئيسية في مجال المساعد الاجتماعية، ومهنة التربية الخاصة التي تهم المواكبة البيداغوجية/الاجتماعية للأطفال والبالغين في وضعية إعاقة، والأطفال في مراكز الرعاية الاجتماعية، والأشخاص المسنين في وضعية غير المستقرة …الخ، بالإضافة إلى المهن التقنية التي توفر الخدمات الشخصية في إطار التدخل الاجتماعي والأسري. بالمقابل هناك مهن أخرى وجب التفكير مليا قبل تصنيفها ضمن مهن العمل الاجتماعي بفتح نقاش واسع حول الموضوع واستشارة ذوي الخبرة والتجربة.

وفي الأخير، وجب التذكير بأن منطق الشواهد لممارسة المهنة هدفه هو تطوير المؤهلات في العمل الاجتماعي والاعتراف بها وتعزيزها مع تجنب الإكثار من التخصصات ومراعاة المشترك بينها. لذا، فالتفكير جديا في وضع هندسة متناسقة لمهن العمل الاجتماعي لا بد أن يستجيب لحاجات المجتمع المغربي في مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الخاصة به، وتعزيز التدخلات المهنية كتحدي مطروح على المجال بوصفه جزء لا يتجزأ من مجالات التنمية الاجتماعية في مواجهة الفقر والإقصاء الاجتماعي.

يُتبع ..

 * عائشة خيداني، أستاذة باحثة متخصصة في مجال حقوق المرأة والطفل، مهتمة بالعمل الاجتماعي المهني.

   لها عدة مقالات علمية في المجال، وخبرة في تكوين العاملين الاجتماعيين ومزاولتها لهذه المهمة لأكثر من 15 سنة.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *