وجهة نظر

قراءة في مشروع القانون المنظم لمهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين (3/5)

قراءة في مشروع القانون رقم 45.18  المتعلق بتنظيم مهنة العاملات والعاملين الاجتماعيين

الجزء الثالث من المقال:

3 – تحصين المهنة وشروط مزاولتها

من الأشياء الإيجابية التي أتى بها المشروع في بابه الثاني هو وضع مجموعة من الشروط لمزاولة مهنة العامل الاجتماعي، منها أن يكون حاصلا على إحدى الشهادات او الدبلومات المحددة قائمتها بنص تنظيمي. وهي خطوة محمودة في حد ذاتها ويمكن اعتبارها بمثابة تقدم كبير بالنظر إلى ما يوجد عليه المجال حاليا من تسيب واهمال نتيجة غياب أي ضبط قانوني أو تنظيمي لمزاولة المهنة، بالإضافة إلى ضعف مستوى الخدمات الاجتماعية التي تترتب عن ذلك في غالبية الأحيان.

الحال اليوم ان شخصا حاصلا على دبلوم تقني-مساعد (مستوى تعليم ثانوي أو أقل مع بضعة أشهر من التكوين المهني فقط) يقدم نفسه على أنه “مساعد اجتماعي”، أو “تربوي مختص” وهي مهن تتطلب في الغالب 3 أو 4 سنوات دراسة بعد الباكالوريا، وتعادل الإجازة أو البكالوريوس.

مع دخول هذا القانون حيز التنفيذ، ستتطلب مزاولة مهنة العامل الاجتماعي الحصول على دبلوم أو شهادة متضمنين بالقائمة التي سيحددها النص التنظيمي (المادة 8). ولن تصبح مزاولة أية مهنة من المهن التي حددها النص التنظيمي ممكنة، إلا إذا كان المحترف لديه اعتماد من طرف الإدارة المختصة (المادة 6) وإلّا سيتعرض لأحكام القانون الجنائي (المادة 17). تفيد المادة الرابعة انه بإمكان العامل الاجتماعي أن يزاول نشاطه إما بصفة مستقلة أو بصفة أجير لدى الغير، وفي الحالة الثانية يجب أن يكون مرتبطا بعقد شغل كما تنص على ذلك النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وفي كلتا الحالتين، يشترط لمزاولة المهنة الحصول على اعتماد تسلمه الإدارة المختصة تحدد كيفيات تسليمه بنص تنظيمي (المادة 6).

إلّا أن المادة 5 تفيد أن أحكام هذا القانون لا تسري على الموظفين والاعوان التابعين لإدارة الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، الذين يزاولون نفس المهام أو الأنشطة التي يزاولها العاملون الاجتماعيون. وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول هذا المقتضى وتعارضه مع المرامي العامة المتعلقة بتحصين المهنة، وتحديد الهوية المهنية لمختلف الممارسين، وتحديد الأدوار والمهام التي يقوم بها العاملون الاجتماعيين حسب تخصصاتهم. كل هذه الأهداف لا تستدعي التفريق بين من يشتغل في القطاع العام والشبه عمومي وبين المنتمين للقطاع الخاص، بصفة أجراء أو مستقلين. الأحكام التي لا تسري على العاملين الاجتماعيين بالقطاع العام والشبه عمومي هي تلك الواردة في المادة 6 فقط حسب رأينا، حيث لا يشترط فيهم أن يتوفروا على الاعتماد لمزاولة عملهم والحال أنهم ملحقون بأسلاك الوظيفة العمومية او الأنظمة الخاصة بالقطاع الشبه عمومي. أما غير ذلك، فكيف نستثني من أحكام القانون عاملين اجتماعيين لهم الصفة بحكم دبلوماتهم وشواهدهم ومسارهم التكويني؟ وكيف نستثنيهم من قواعد ممارسة المهنة الواردة في المادتين 10 و11؟ وبأي حق نمنعهم من الانتماء إلى هيئات وتنظيمات مهنية (الباب الرابع) دورها الأساسي هو تطوير المهنة وتثبيت هويتها؟

من جانب آخر، ينحى مشروع القانون إلى تشجيع العاملين الاجتماعيين على التشغيل الذاتي أو الممارسة الحرة على غرار ما هو موجود في دول أخرى، حيث أصبح العمل المستقل يشكل سوق عمل جديدة ما فتئ ينتشر ويتطور منذ عشرين سنة تقريبا. ورغم أن مهن “الرعاية المنزلية” «l’aide à domicile» عندنا لم تتطور بعد بالشكل الذي يجعلها مطلوبة في العديد من حالات المساعدة الاجتماعية للأشخاص الذين لا يتمتعون بالاستقلالية الحركية، إلا أنها حتما ستعرف نموا مضطردا، سواء لتزايد حالات العجز المرتبطة بالشيخوخة، او لتنامي الوعي بضرورة القطع مع الإيداع المؤسساتي الذي لا يمكنه ان يوفر نفس جودة الخدمات بالنسبة للعديد من الأشخاص المرافقين. لذا، يمكن ان ننظر إلى هذا التوجه بإيجابية لما يكتسيه من استباق محمود للمشاكل التي قد تنتج لاحقا حتى وإن كنا في مأمن عنها في الوقت الراهن، وفي نفس الوقت له دور توجيهي وتشجيعي للعديد من حاملي الشواهد المهنية حاليا ومستقبلا.

4 – الأخلاقيات وقواعد الممارسة المهنية

يعتبر العمل الاجتماعي من ضمن المهن التي تعتمد على بناء العلاقة الإنسانية وتبني المقاربة التي تجعل الشخص أو العنصر البشري في صلب العملية التواصلية من أجل التغيير وتحقيق الرفاه، وعلى احترام القيمة الجوهرية للبشر وصيانة كرامتهم. لذا، تعتبر حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بمثابة الأساس الذي ينبني عليه هذا المجال ويستقي منه مبادئه وقيمه. من هذا المنطلق، فالمبادئ والقيم التي تستند إليها منهجيات التدخل سواء مع الأفراد أو مع الجماعات، تشجع على المنهجية التشاركية المدافعة على حقهم في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية في مواجهة تحديات الحياة وتحسين رفاهيتهم بفضل تنمية قدرتهم على الفعل قدر الإمكان.

والعمل “مع” بدلاً من العمل “من أجل” هي أساس الممارسات المهنية التي تميز العامل الاجتماعي الذي يتوفر على مؤهلات بيداغوجية وقدرات للتدخل تحترم القواعد الأخلاقية ( (la déontologieوأخلاقيات المهنة (l’Ethique professionnelle). لذا، وجب التذكير بأن ما يخول للمهني القيام بمهامه باحترام أخلاقيات العمل الاجتماعي في سبيل تعزيز حقوق المواطنة لفائدة الأشخاص والجماعات الذين يلجؤون للخدمات التي يوفرها المجال، وتعزيز استقلاليتهم، وتسهيل وصولهم إلى الحقوق وممارستها، والعمل على تعبئة الموارد الكافية للقيام بكل ذلك، يتطلب اكتساب مهارات وسلوكيات مهنية كبيرة. فمن خصوصيات العمل الاجتماعي كمجال معرفي أكاديمي كونه متعدد التخصصات، يستمد مضامينه المعرفية من النظريات العلمية المتجددة التي يتم انتاجها وتطويرها بمجالات وتخصصات علمية كثيرة، بما في ذلك العلوم الإنسانية وعلوم التربية، والإدارة، والأنثروبولوجيا، والبيئة، والاقتصاد، والتدبير…الخ، لكن ما يميزه كذلك، هو كونه مجالا تطبيقيا وعمليا بامتياز، مما يضطره إلى تطوير أساليبه ومنهجيات التدخل الخاصة التي يستعملها في التفاعل مع الأفراد والجماعات.

كل ما سلف ذكره في هذا الباب يؤكد مرة أخرى على اهمية التكوين النظري والميداني في هذا المجال وعلى الأهمية القصوى التي يجب أن تولى في الوقت الراهن لرسم هندسة هذا التكوين وتحديد تخصصاته والتحكم الذكي في محتوياته بشكل دقيق وعلمي. إن التملك المعرفي لمبادئ وقيم العمل الاجتماعي واستبطانها تمر عبر التكوين أولا وقبل كل شيء، ولا يكفي سردها في نص القانون كما هو الحال بالنسبة للمادة 10 من مشروع القانون لضمان احترامها الفعلي. وحتى بالنسبة للتكوين، فلا يكفي درس او درسين للتطرق لمحتوى القيم والأخلاقيات المهنية، بل الوحدات والمكونات التي تتناول هذا الجانب في أي برنامج تكوين أساسي خاص بالعاملين الاجتماعيين، يجب ان تتعدد وتستمر طيلة مدة المسلك.

ترى Brigitte Bouquet في مؤلفها المعروف من لدن العاملين الاجتماعيين عبر القارات تحت عنوان “الاخلاقيات في العمل الاجتماعي” (2006)، أن القواعد الأخلاقية التي يعتمد عليها العمل الاجتماعي قائمة بذاتها، تسكنه حتما، وهي ملزمة لكل المهنيين سواء تم توثيقها في مدونة أو ميثاق أخلاقي أم لا. ومع ذلك، نعتقد أن التذكير بالمبادئ الأساسية للعمل الاجتماعي في نص القانون له أهميته، ويمكن الاعتماد في هذا الشأن على ما حدده الاتحاد الدولي لمؤسسات التكوين في مجال العمل الاجتماعي بالوثيقة المعنونة “بيان المبادئ الأخلاقية للعمل الاجتماعي”، والتي تتعرض لهذه المبادئ بشكل عام وشمولي. ويمكن في هذه الحالة أن تكتفي المادة 10 بالإشارة إلى أن العامل الاجتماعي يقوم بمهامه في احترام تام لقيم ومبادئ المهنة وقواعدها الاخلاقية ويلتزم بإشراك الأشخاص والجماعات التي يعمل معهم في إطار الدعم الاجتماعي الفردي والجماعي، واحترام خياراتهم في صنع القرار، مع مراعاة القانون والسياسات الاجتماعية ومصالح وخصوصية الفرد والجماعة،

ومن هذه المبادئ:
احترام الكرامة الانسانية
النهوض بحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية
مناهضة التمييز والقمع المؤسسي
احترام التنوع الثقافي
تسهيل الوصول العادل للموارد
دعم الحق في الاستقلالية
النهوض بالحق في المشاركة
احترام السرية والخصوصية
الاستعمال الأخلاقي لتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي
الالتزام بالنزاهة المهنية

يُتبع ..

 * عائشة خيداني، أستاذة باحثة متخصصة في مجال حقوق المرأة والطفل، مهتمة بالعمل الاجتماعي المهني.

   لها عدة مقالات علمية في المجال، وخبرة في تكوين العاملين الاجتماعيين ومزاولتها لهذه المهمة لأكثر من 15 سنة.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *